شاركت خلال الأيام الماضية في منتدى ”براغ 2000”، والذي يعتبر أحد أهم المنتديات المتخصصة ليس في أوروبا وحدها ولكن على مستوى العالم بأسره، وذلك في مراقبة تطورات المجتمعات حول العالم. وهذا المنتدى الذي أسسه الرئيس التشيكي الراحل فاكلاف هافيل، وانطلق منذ نحو ثمانية عشر عاما، يحتفل هذه السنة بمرور خمسة وعشرين عاما على أحداث تيانانمين في الصين، وكذلك سقوط الجدار الحديدي الفاصل بين الاتحاد السوفياتي وباقي دول العالم الحر. ويطلق المنتدى شعارا فرعيا وهو ”الديمقراطية وإحباطاتها”.ويبرز المنتدى أمثلة مختلفة عن ”تداعيات” و”انحسار” الحقوق الديمقراطية بشكل عام حول العالم وصعود قوى متطرفة، سواء تلك التي كانت تتزين بعباءة الدين أو التي تتغطى بعلم الوطنية الجذاب. ويثير المنتدى في جلساته المتعددة مسألة أن المشاكل والتحديات والمصاعب لا تعرف حدودا، فهناك قلق متعاظم من تداخل السلطات بين المال والسلطة، وتأثير ذلك على وسائل الإعلام، بل وحتى في أحيان كثيرة تداخل المال والسلطة مع مؤسسة القضاء ومؤسسة الدين. هناك محاولات كانت قائمة للشرح وللتبسيط لتلك المشاكل المختلفة وتقديم حل ”واحد” يصلح لكل هذه المواضيع وكل الظروف، وهذا الطرح الأقرب للسذاجة منه للحقيقة فيه تجاهل واضح لخلفيات اقتصادية واجتماعية وثقافية معقدة تجعل لكل بلد حالة بعينها. هناك شعوب تميل إلى قيمة ”الاستقرار” و”الأمن” و”الرخاء” كأولويات رئيسية تماما مثلما يحصل في بلد كسنغافورة على سبيل المثال، وهي دولة قامت على تأصيل هذه القيم والمبادئ، وكان زعيمها لي كوان يو دائما ما ينادي ويؤكد أن نموذج الديمقراطية ”الغربي” ليس حلا جاهزا وملائما يصلح بشكل فوري لكل الدول مثله مثل حبة لعلاج الألم ومداواته. جالست في هذه المناسبة قادة وساسة ورجال أعمال ورجال إعلام من دول مختلفة، وكانت لي فرصة الحوار مع خوسيه ماريا أزنار رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، وتناقشنا في صعود القوى المتطرفة والمحسوبة على اليمين بشكل ما، وأعرب الرجل عن قلقه الشديد من هذه التطورات المقلقة جدا، وأن هناك تداعيات متوقعة لذلك، سيكون بالإمكان قياسها على الصعيد الاجتماعي والثقافي والفكري والسياسي والاقتصادي، ستجعل القارة الأوروبية أقل رحابة وقبولا وتسامحا مع الآخر، وهي مسألة تقلق كل من آمن بالفكر الليبرالي وحقوق الآخرين كمبادئ تقوم عليها الدول والشعوب وتحميها المؤسسات والمنظمات. ويتخوف الأوروبيون أكثر لأن هناك أعدادا متزايدة من أبنائهم من فئات الشباب ينظرون بإعجاب وتبجيل وتمجيد كبير ل”شخصية” و”زعامة” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأسلوبه في التعاطي مع الغرب حتى ولو كان على حساب ”الحريات” و”الحقوق” ومناصرة الأنظمة المجرمة القمعية، مثل الذي يفعله في مناصرته لنظام الطاغية بشار الأسد بشكل غير منطقي ولا مفهوم، وهي مسألة تُسخر سياسيا في أوروبا أن التمرد على المؤسسات التقليدية، مثل ما يقوم بعمله بوتين، مسألة قد تبدو نافعة لها، ولها فوائدها المهمة واللافتة والمغرية جدا.الحاضرون من دول العالم الثالث، من مناطق مثل الهند وفنزويلا وزيمبابوي، كانوا أكثر قدرة على تفهم حراك الشعب المصري مثلا ضد التطرف الديني وخروجه على من أراد خطف بلاده تحت عباءة الدين السياسي. وهم كذلك أكثر تفهما لحراك الشعب السوري ضد طاغية تدعمه أنظمة مجرمة وميليشيات مأجورة، والذي خذله العالم لأنه ركز على نتاج التخاذل الذي أفرز تطرفا موتورا ومتوحشا مثل ”داعش”، ولكن يبقى الحل هو الخلاص في سوريا من أصل المشكلة وهو نظام بشار الأسد نفسه. المنتدى وفر فرصة للتعارف والعصف الذهني وتبادل الأفكار وإدراك أن العالم كله لديه طموحات للعيش بكرامة، لكن هذه الشروط تتفاوت تطبيقاتها في التفاصيل المقلقة فتخرج عن الخط المثالي الجميل.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/10/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حسيين شبكشي
المصدر : www.al-fadjr.com