"....بالنسبة للمؤرخ الأندلسي أحمد الرازي (887م-955م)، الذي يُعدُّ من الأوائل الذين قدَّموا تفسيرا لهذا النوع من الأسماء والألقاب التي تعتبر ظاهرة أندلسية بامتياز، إن إضافة الواو والنون في آخر الاسم "أُرِيدَ به التَّكْبِير" ضاربا على ذلك مَثَلًا باسم شخصية عمر بن حفصون الذي قال عنه "...وُلِد عمر بن جعفر حفصا المعروف بحفصون". ثم تطوَّر حفص إلى حفصون بغرض تكبيره وتعظيمه. وقد تبنى أحمد الونشريسي هذا التفسير لظاهرة الألقاب والأسماء على وزن "فَعْلُونْ" في الجزء الخامس من كتابه "المعيار المعرب والجامع المغرب في فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب".
وبالتالي فإن حنُّون يصبح معناه كثير الحَنَان، وخيرون يُقصد به المُكثِر في عمل الخير، وعيشون من العيش وقد تكون للتفاؤل بطول العُمر لصاحب الاسم...
أما أصل إضافة الواو والنون في نهاية الأسماء والألقاب فهو تأثير أعجمي نابع من اللغة القشتالية القديمة التي تضيف "ón" في آخر الأسماء والأوصاف للتعظيم والتعبير عن الكثرة. وهو ما لم يتخلَّ عنه الإسبان المعاصرون في لغتهم الدارجة إلى اليوم. إذ يقولون بالعامية، وليس بالإسبانية الفُصْحَى، للشخص الغني Rico، وإذا كان كثيرَ الغِنى يقولون له Ricachón (رِيكَتْشُّونْ) أو Richón (ريتشون) بمعنى غنيّ جدا، حسب صديقنا الصحفي الإسباني لويس كاربايُّو (Louis Carvallo) .
ويُقال للشخص الطيِّب النفس Bono (بُونُو)، وإذا كان شديد الطَّيبة يصبح Bonachón (بُونَاتْشُونْ).
أما الشخص البسيط والمتواضع فيُقال له Simple (سِيمْبْلِي)، لكنه يصبح Simplón (سِيمْبْلُونْ) في حال كان شديد البساطة والتواضع.
ويقال للكرسي في العامِّية الإسبانية una silla (أُونَا سِيَّة)، وإذا أضفنا الواو والنون في نهاية الكلمة لتعظيم المعنى وقلنا un sillón (أُونْ سِيُّونْ)، يصبح المقصود بهذه الكلمة ما هو أضخم من الكرسي البسيط، أيْ الأرِيكِة.
كذلك الصخرة في اللغة الإسبانية هي una peña (أُونَا بِينْيَة)، وإذا أردنا التعبير عن صخرة كبيرة نقول لها un peñón (أُونْ بِينْيْوُنْ) مثل حصن البنيون، أو حصن الصخرة الكبيرة، الذي أقامه الإسبان قبالة مدينة جزائر بني مزغنة في بداية القرن 16م قبل أن يطردهم منه خير الدين بربروس وسكان المدينة عام 1529م ليبنوا على أنقاضه وعلى الصخور المجاورة له مَرْسَى المدينة القديم المعروف اليوم بـ: مرسى الأميرالية ...
في الجزائر، ما زال الناس يقولون عند انتقاد أناس سيِّئين إنهم "بني كَلْبُونْ" فهل هو تعظيم ساخر موروث عن المؤثرات الأندلسية؟ من جهته يقول المغربي هشام زليم إن "هناك مثلا لازال شائعا في المغرب وهو: "إِيلَا حْتَاجُو للْكَلْبْ، يْسَمِّيوَهْ سيدي كَلْبُونْ"(إذا احتاجوا للكلب، سموه سيدي كلبون). أي إذا كانت للناس عند الكلب حاجة فإنهم يعظمونه حتى يقضي لهم حاجتهم. و هذا دليل آخر على أن إضافة "ون" في آخر الاسم كانت ولازالت تُسْتَعْمَل للتعظيم و التكبير". انظر موقع هشام زليم الإلكتروني "صلة الرحم في الأندلس"
من بين التقاليد اللسانية الأندلسية الأخرى التي أُشيعت في المجال المغاربي إطلاق أسماء على صيغة "فَعْلوسْ"، من بينها: عَمْرُوسْ ، وعَبْدُوسْ والتي نعتقد أنها ناجمة عن تأثير اللغات الأعجمية التي كانت سائدة في إسبانيا، بما فيها اللغة اليونانية القديمة. فيما قد تكون هذه الأسماء تطوَّرتْ في حالات أخرى إلى اتخاذ حَرْفِ الشين في آخرها بدلاً من حَرْفِ السِّين، عِلمًا أن من عادة العرب أن تُحوِّل حرف السين في المصطلحات الأعجمية الأوروبية إلى حرف شين، على غرار الإمبراطور الروماني "تيتوس" (Titus) الذي كُيِّف إلى "طِيطِيشْ" أو "تِيتِيشْ" والمدن الإسبانية "بَرْسُلُونَة" (Barcelona) التي أصبحت عند العرب "بَرْشَلُونَة"، و"سِيدُونْيَا" (Sidonia) التي أطلق عليها العرب شذونة، وسِيغُونْدَة (Segunda) التي تحولتْ إلى "شَقُنْدَة"...إلخ. وهو ما يكون قد أدى إلى ظهور أو تطور الأسماء سابقة الذكر على وزن "فَعْلوسْ" إلى صيغة "فَعْلُوشْ" مثل عَمْرُوشْ، الذي خضع لصيغة التصغير ليُنطق عْمِيرُوشْ أو عْمِيرَشْ، وحَمْرُوشْ، وحَمُّوشْ ، وقَشُّوشْ، وخَرْبُوشْ، وخَرْشُوشْ، وكَحْلُوشْ، وحَرْفُوشْ، وعَيْشُوشْ وعَبْدُوشْ...إلخ...".
تاريخ الإضافة : 21/12/2018
مضاف من طرف : nemours13
صاحب المقال : فوزي سعد الله
المصدر : فوزي سعد الله: الشتات الاندلسي في الجزائر والعالم. دار قرطبة. الجزائر 2016م.