الجزائر

في سياقاته السوسيوتاريخية


في سياقاته السوسيوتاريخية
تحاول هذه الدراسة ”مفهوم الشعر في التراث العربي، النشأة والتطور” تناول مفهوم الشعر من منظور علاقته بالسلطة السياسية في القرن الخامس الهجري، أي أنها تدرس مفهوم الشعر في سياقاته السوسيوتاريخية، وتختار الدراسة ”السلطة” من بين مؤسسات الثقافة في المجتمع، لأنّ الثقافة تدار بواسطة السياسة في جلّ الأنظمة الشمولية أو الديكتاتورية، سواء كانت ديكتاتورية العرف و الإيديولوجيا، فالسلطة هي المركز الذي يحدث بتحوله تحولات في التوجهات النقدية، وتستجد بتغيرها آراء نقدية جديدة يتألف من تراكمها التراث النقدي أو الفكر النقدي عند العرب.في البداية، يشير الباحث أحمد حلمي عبد الحليم إلى مفهوم الشعر وسلطة القبيلة، قائلا ”لم تقم للجاهليين دولة تضمهم، ولا نظام موحّد يجمع شتاتهم، بل كانت حياتهم قائمة على النظام القبلي، وتتشابه القبائل في تكوينها ونظامها، حيث يتألف مجتمع القبيلة ويديرون شؤونها، وهم أهل الحل والعقد فيها، لأنهم أبناؤها يربط بينهم الدم والنسب وهم طبقة العبيد، طبقة الأحرار وطبقة الموالي، وكلّ قبيلة من هذه القبائل تقوم على أساس اشتراك أبنائها في الأصل الواحد، تجمعهم أعراف واحدة وتقاليد ثابتة.يلاحظ الباحث أنّ ”الأنا” في الشعر الجاهلي لا تكاد تبين خلف التقاليد القبلية التي تعد الضابط الرئيسي للعلاقات والسلوكيات الاجتماعية، لذا تخلى الشاعر في أغلب الأحيان عن أناه الفردي ليعبر عن الأنا الجماعي في إطار هيمنة الفروسية الرعوية، ويلاحظ أنّ شاعر القبيلة مشغول دائما بقبيلته، رغباتها واتجاهاتها، وحريص دائما على أن يجعل المكانة الأولى في نصوصه الفنية. ولعل أقوى مثل لهذه النزعة القبلية في الشعر الجاهلي معلقة ”معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي”.يشير الباحث إلى تعليل ظاهرة الإبداع الفني قائلا؛ ”أرجح التفسير الغيبي في غيبة التفكير العلمي، الإبداع إلى الإلهام وجعل مصدره عن العرب شياطين الشعر، وعند اليونان رباته، وفي هذا الصدد تطرح الدراسة تساؤلا نحواه ”لِمَ أرجعت العرب الشعر إلى شياطينه في حين أن اليونان أرجعت الفنون إلى ربات الشعر؟!”، يرجع ذلك إلى أنّ إحساس العربي بأنّ الشعر أمر خارق للعادة، لا بد أن يكون من وراء هذا الشعر قوى خفية ليست ذات طبيعة بشرية، ولما كان لديهم اعتقاد بوجود بعض تلك القوى من جن، شياطين وغيلان، حيث ”يسود في المجتمعات القبلية بصفة عامة الاعتقاد في وجود كائنات حفية، يمكنها أن تتجسد في صور وأشكال متباينة، يمكنها الإتيان بأفعال تخرج عن سنن الكون العادية، منهى أشبه بالخوارق والمعجزات”.يرى الباحث أنه يوجد شيء من وشائج القربى بين فكرة شياطين الشعر والارتجال، إذ اعتمد الشعر الجاهلي في أغلبه على الارتجال، وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال، كأنه إلهام وليس هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكره، كان للارتجال أهميته البالغة عند العرب سواء في الشعر أو النثر، فيروي ابن رشيق رواية فحواها أن ارتجالا بصنعة أبيات أحيانا يكون سببا في إنقاذ صاحبه من حكم بالموت، كما حدث لتميم بن جميل، وأحاط به الموت أمام المعتصم من كل مكان منه فارتجل تسعة أبيات لم يتمالك المعتصم أمامها إلا العفو والإحسان إلى صاحبها.ينقلنا الباحث إلى الحديث عن التأسيس لأنموذج الدولة سياسيا وتشريعيا، قائلا ”لم تكن فكرة انتقال الخلافة إلى بني العباس واردة في الأذهان أثناء الخلافة الراشدة، ولا فيما بعدها من خلافة بني أمية، ففي العصر الراشدي كانت الخلافة تنتقل من خليفة إلى آخر بكل سلامة ويسر”.تولى أبو بكر الصديق الخلافة بين موت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وافته المنية، ليصبح عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، ولم تظهر في خلافة عمر أدنى ثورة، وفي أواخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، بدأت الفتنة في الظهور وانقسم المسلمون عقب مقتل سيدنا عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ولم يكن انقسامهم انقساما سياسيا وفكريا فحسب، بل كان اجتماعيا أيضا.يضيف الباحث؛ ”كان لدخول الموالي مجتمع الدولة العباسية، وتسربهم بقوة في جسم الدولة الإسلامية واستردادهم لحقوقهم المسلوبة من مساواة بالعرب، وتولية للمناصب وغيرها أثره البالغ في الحياة الأدبية في ذلك العصر”.وعن نشأة مصطلح عمود الشعر، يقول الباحث؛ ”إن قضية عمود الشعر التي تناولتها الدراسة، كانت تدور في نطاق القضية النقدية المشهورة في أدبنا العربي وهي (قضية القديم والحديث)، تسبح في فلكها، فحينما كان نقديا تقليديا محافظا لا يرى الشعر إلا ما كان للقديم أو شاكله، كانت صورتها مستمدة من هذا القديم نفسه، وحينما اتسع أفق هذا النقد وانفتح على الشعر الحديث، أصبحت قوانينها عامة شاملة تكاد تحيط بأصول الشعر العربي كله”.ويذكر الباحث ”إنّ الدولة تحاول أن تظهر في صورة نموذجية لائقة، ومن أجل أن تحقق هذه الصورة فإنها تستغل كل ما يمكن استغلاله في سبيل تحقيق شرعيتها، لذا حاولت أن تطوع الشاعر- بعد أداة للتواصل بينها وبين الجمهور (الشعب) - لخدمة مصالحها، وتجعله أشبه بالبوق أو الببغاء الذي يكرر في صورة شعرية ما تريده هي، وما ينبغي أن الشاعر ”هو طالب فضل، فلِمَ يضيع رأس ماله؟ وإنما هو رأسه، وكل شيء يحتمل إلا الطعن في الدول”.يقول الباحث ”ولما كان الشعر العربي بوصفه فنا يرسمه القلب، ويشرق من الوجدان الإنساني فإنه أقوى تحكما بذلك الإنسان من السلطة وهيمنتها!، لهذا لم تكن السلطة بغافلة عن الدور الذي يلعبه الشعر في نفوس الناس، ومن هنا نفهم تلك العلاقة الثنائية المتضادة بين ”الشعر والسلطة”، فالسلطة لا تستغني عن الشعر، كما أن الشعر يتباهى بوجاهة السلطة التي كانت في زجاجة ماثلة إلى أي إبداع يزيدها تمكنا، ثقة، اطمئنانا واستمتاعا، فتقبلت مثل هذا التحالف إرضاء لغرورها أو استجابة لحاجتها، ولم تجد مانعا من السعي إليه عندما كان ينحسر عبر التاريخ.يذكر أن كتاب ”مفهوم الشعر في التراث العربي” لمؤلفه أحمد حلمي عبد الحليم صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ويضم بين دفتيه 326 صفحة من القطع المتوسط.


جهد طيب من السادة القائمين على جريدة المساء، وشكرا لاهتمامهم ولقراءتهم الواعية لكتابنا (مفهوم الشعر في التراث العربي...) دمتم كنفا للإبداع، ورعاة للثقافة، ولكم مودتي وتقديري.
أحمد حلمي عبد الحليم - مدرس البلاغة والنقد الأدبي المساعد بكلية الآداب بجامعة المنيا - المنيا - مصر

30/06/2014 - 202627

Commentaires

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)