الجزائر

في اليوم الوطني لقصبة الجزائر.. القصبة تستغيث



في اليوم الوطني لقصبة الجزائر..               القصبة تستغيث
90 مليار سنتيم من خشب الترميم معرّضة للسرقة سكان يُسرّعون في هدم جدران القصبة للاستفادة من سكنات أخرى   نحتفل في كل سنة باليوم الوطني للقصبة، الذي يصادف الـ23 فيفري، ونستمع إلى خطابات الترميم للمرة الألف، وبالكاد نتحدّث عنها من الناحية الثقافية، كونها حاضرة جمعت ولا تزال تجمع مواقف جزائرية من تاشفين إلى أبناء القصبة الذين منحوا الحرية..  القصبة في حد ذاتها لوحة للحرية ببياضها واعتلائها وجه البحر، نعود إلى القصبة من جديد.. القصبة التي صار يحذرك الناس من دخولها، فهي غير آمنة، ويمكن أن يتعرض فيها الغريب إلى السرقة والاعتداء.. يقول عمي مزيان وهو صاحب مطعم صغير في أسفل القصبة عند ساحة الشهداء محذرا:"انزعي ما ترتدينه من ذهب حتى ولو كان شيئا صغيرا، الجميع يعرف أن سعر الغرام من الذهب صار في السماء، وحاولي أن لا تتوغلي فيها.. يا بنتي راحوا ناسها وهذا البرّاني إلي يدير هذا". تأسفت لهذه البداية وكذلك لكلمة البرّاني.. من هو البرّاني يا سي مزيان؟؟ هل جاء هؤلاء من مالطا أم من جنوة.. إنهم جزائريون ولا يوجد البرّاني بيننا..  لكن قبل الدخول.. علينا أن ننتبه إلى هذه الورشة الكبيرة التي تتوسّط ساحة الشهداء.. ساحة الشهداء.. متحف مفتوح منذ أكثر من أربع سنوات والسياج محيطة بوسط ساحة الشهداء في البداية كانت اللافتة المعلقة هي المشاريع الكبرى لوزارة الثقافة.. حيث قالوا إن ساحة الشهداء تنام على آثار رومانية هامة وربما كثر الحديث عن بازليك كبيرة نائمة تحت ساحة الشهداء لا بد من نفض الغبار عليها وإخراجها للشمس، لكن لا شيء ظهر.. ولا أقامت وزارة الثقافة ندوة صحفية تشرح فيها نتيجة البحوث. لحد الساعة لا نعرف ما الذي حدث بالفعل.. ربما الأمر صحيح لكن مصلحة الميترو أهم. لأن بعد ذلك نزعت لافتات وزارة الثقافة وجاءت لافتات الأشغال العمومية من أجل استكمال خط الميترو..  الآن عبد الوهاب زكار؛ يتحدث عن إنجاز متحف مفتوح للآثار القديمة فوق بوابة الميترو في خطه الرابط بين البريد المركزي وساحة الشهداء، المتحف الذي يشرف عليه ديوان تسير الممتلكات المحمية واستغلالها بالتنسيق مع المركز الجزائري للبحوث الإيكولوجية والمركز الفرنسي المتخصص في الحفريات داخل المدينة. إذن بالفعل.. هناك آثار ولكنها اصطدمت بالميترو ولا نعلم مدى الضرر الذي لحق بها.. لأننا نعرف جيدا أن الحفر الخاص بميترو الأنفاق يستعمل فيه الديناميت، فلا أحد يدري هنا ما هو وقع الديناميت على آثار تعود للحقبة الرومانية. عبد الوهاب زكار يؤكد لنا أن مؤسسة ميترو الجزائر، حافظت على الآثار القيمة التي اكتشفها فريق الأشغال الذي كان يقوم بالحفريات تحت الأرض، وعليه اتفقت وزارة الثقافة ووزارة النقل الجزائرية على ضرورة تكييف المكان حسب طبيعة الموقع الذي يضم آثارا تعود إلى حقب تاريخية متعددة. من جانبه، أوضح كمال ستيتي، مدير أعمال التنقيب العضو في المركز الوطني الجزائري للأبحاث والآثار، أن ساحة الشهداء تشهد منذ 2009 عمليات تنقيب وحفريات من أجل استظهار آثار مختلفة تعود إلى حقب زمنية مختلفة شهدتها الجزائر، فريق العمل المكون من 17 مختصا في علم الآثار من بينهم خمسة فرنسيين تابعين للمعهد الفرنسي لعلم الآثار اكتشف معالم أثرية هامة على عمق نحو خمسة أمتار من الحفر.. وقد أزيل عنها التراب واتضح أنها تعود على حقب تاريخية مختلفة، الطبقة السفلية تعود إلى الفترة الرومانية، والثانية إلى القرن الأول ميلادي مما يعتقد أنها بازليك نتيجة وجود الفسيفساء التي تميز هذا النوع من الأماكن الدينية.  عموما الميترو سينتهي في 2013 ولا ندري تاريخ فتح المتحف  الذي سيكون فوقه؟؟ باباسي.. ونضال إرث القصبة المسروق: في القصبة تغيّرت الأمور كثيرا.. اختفت المحلات بشكل كبير، والباقي المتبقي يعرض أموراً بسيطة جداً وسياسة الحرف التقليدية موضوع آخر، لكن هناك رائحة تاريخية تجعلك تشعر بالارتياح ولا تخاف، على العكس تماما، شكل الحياة لا يختلف كثيرا عن باقي أحياء الجزائر، ولا أثر للحايك أو ضربات النحاس، وبالتالي من الضروري أن تدخل إلى مؤسسة القصبة وتسأل عن القصبة. لا يزال بلقاسم باباسي رئيس مؤسسة القصبة، يتحدث عن ضرورة استرجاع إرث القصبة، لا سيما مدفع بابا مرزوق، الذي سرق من طرف الفرنسيين، حيث يدعو الجهات المسؤولة اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل استرجاع ما ضاع أولا قبل التنقيب. يقول بلقاسم باباسي لـ"الفجر":" من الضروري استرجاع القطع المسروقة، خاصة وأن مستشارة اليونيسكو شككت في ملكية الجزائريين لهذه القطع المتمثلة في مدفع "بابا مرزوق" الذي يعتبر رمزا من رموز السيادة الوطنية، حيث صنع عام 1542م، وله قوة دفع على مدى 5 كلم، يزن 12 طنا وطوله 7 أمتار، ويتواجد حاليا بمدينة "بريست" الفرنسية، فيما سبق وعدت البحرية الفرنسية بإعادة تأهيل المدفع وتسليمه للجزائريين ولكن لا شيء حدث.. والأفظع أن فرنسا استولت على قطع أخرى تقدر بـ158 قطعة أثرية وتاريخية جزائرية، موزعة على المتاحف الفرنسية سرقت خلال المرحلة الاستعمارية، من بينها مسدسان للأمير عبد القادر  و24 مدفعا. المخطط الاستعجالي لإنقاذ القصبة" لعل واقع القصبة اليوم يتطلب مخططا استعجاليا لإنقاذها من مختلف التأثيرات، لا سيما أشغال الميترو والأمطار الغزيرة التي عرفها مدينة الجزائر مؤخرا. يوضح عبد الوهاب زكار أن العمل بالمخطط الاستعجالي للحفاظ وحماية القصبة سيبدأ في القريب العاجل، ويتضمن المخطط الذي كان عبارة عن دراسة بدأ العمل عليها منذ سنة 2007 وتم تقديمها سنة 2010 في ذات السياق، يرى باباسي أن كل الوسائل التقنية والأمنية جاهزة للتدخل المباشر في هذا النسيج المتعلق بالقصبة والذي نطمح إلى إنقاذه، حتى لا يورث للأجيال القادمة كوصمة عار تؤكد عدم مقدرتنا على الحفاظ عليها. ولتأكيد أن الجزائر تستطيع العناية جيدا بموروثها الأثري والذاكرة الجماعية للبلد. وقد تم عرض المشروع من طرف وزيرة الثقافة يوم الـ22 من الشهر الجاري وهو مكسب للجزائر قبل أن يكون مكسبا لمؤسسة القصبة، غير أن العمل يجب أن يبنى بالتواصل مع المواطنين خاصة منها ما تعلق بالإجابة على انشغالاتهم. القصبة تعاني أكثر من أي وقت مضى، حيث تسبب تساقط الأمطار الغزيرة في الفترة الأخيرة في هدم بعض جدران البيوت، منها الجدار الذي سقط في شارع عايشة رحموني في قلب القصبة، وتم إنقاذها بواسطة ألواح خشبية لكنه يبقى شيئا مؤقتا. ومع توسيع مشروع الحفاظ على القصبة توصلنا إلى إحصاء 1800 بيت يمكن الحفاظ علي،ه لكن الرقم غير محدد لأن الأشغال مستمرة. يحدث هذا في القصبة: يواصل باباسي مؤكدا أنه في السابق المدينة كانت داخل القصبة واليوم القصبة داخل المدينة. ولعل مخطط حماية القصبة قدم لوزارة الثقافة شهر أفريل من سنة 2011 ولم تقم الوزيرة بعرضه على الحكومة إلا يوم 22 من الشهر الجاري. لتبقى أسباب تأخر المشروع مجهولة، مشيرا إلى أن الألواح الخشبية التي ستستعمل في ترميم القصبة ستكلف 90 مليار سنتيم صرف منها 60 مليار سنتيم. غير أن بلقاسم باباسي يؤكد أن المشكل المطروح اليوم على مستوى القصبة أن هناك سرقة للألواح الخشبية للقصبة من أجل إعادة بيعها من طرف البعض، والبعض الآخر ينزعون الألواح من أجل تسريع عملية الانهيار لضمان الاستفادة من سكنات بأسرع وقت ممكن، وهو ما يصنف ضمن الأعمال الإجرامية. في ذات الإشكال، يوضح عبد الوهاب زكار أن الولاية لا يمكنها المس بأي منزل من منازل القصبة دون موافقة وزارة الثقافة تطبيقا لقانون 80/04. ولكن الكثير من المنازل دمرت وعدد كبير من السكان تمت عملية إعادة إسكانهم، مع غلق منازلهم بالقصبة لكن مشكلة إعادة بيع مفاتيح المنازل بمبلغ 60 مليون دج، والسبب يعود إلى وجود مافيا بحي القصبة تعمل على المتاجرة بمنازل هذا الحي العتيق، وهناك من يشتري لأنه يعرف تماما أن القصبة لو رمّم ولو نصفها ستجلب أضعافا مضاعفة من المال، بالرغم من وجود نص قانوني يمنع التصرف في بيوت القصبة. وبالتالي لا بد من شرطة القصبة ربما؟؟؟ من أجل حراسة مشدّدة على هذا الإرث الحضاري لمنع المتاجرة به. القصبة استهلكت الكثير من السكنات ولا تزال تستهلك رغم خروج معظم سكانها والسبب عملية كراء بيوتها للقادمين من ولايات أخرى، وبالتواطؤ مع جهات مجهولة على مستوى مصالح معينة يصبحون ملاّكا ويستفيدون من سكنات وهكذا دواليك.  أما عن خطر الميترو؛ فيقول عبد الوهاب زكار "إلى حد اليوم لا يحتمل وجود أي خطر على القصبة جراء أشغال الميترو، لكن يبقى خطر الاهتزازات قائما على المدى البعيد، لكن المؤسسة قدمت ضماناتها اللازمة وعليه فكل مكونات الحفاظ على ما تبقى من القصبة متوفرة". إجراءات جديدة ستتواصل خلال شهر مارس كل الأشغال الخاصة بوقف تراجع منازل القصبة. قانون 80/04 الخاص بالتراث، ينص على دراسة كل مشاريع الحفاظ على التراث مرورا بثلاث مراحل، وتقديم تقرير شامل يضم كل المخططات والمعلومات التاريخية الضرورية، والقيام بمسح شامل لمنطقة القصبة. لا يمكن تطبيق أي مخطط على القصبة لأنها تستدعي الحفاظ على كل مقوماتها. العمل في القصبة تم بالتعاون مع قاطنيها ومكّن من الدخول إلى 794 منزل داخل القصبة.  هناك 19 مكتب دراسة يتكفل بأشغال الصيانة، 153 مؤسسة جزائرية عملت كلها بالتعاون مع شباب القصبة الذين ساهموا في عملية التحسيس داخل بيوت هذا الحي العتيق، عن طريق التواصل مع خلية الإصغاء المتواجدة بدار عزيزة، حيث استقبلت 140 ملف عائلي بين مؤيد لمشروع إعادة الترميم، وموافق على استبداله بسكن جاهز أو بيعه للدولة. البداية ستكون مع البيوت الأكثر تضررا، حيث يتم ترحيل سكان القصبة إلى سكنات توضع تحت تصرف المشروع، حيث طالبنا بـ 1307 مسكن بعدها نعيد للدولة 714 مسكنا، لأنه سيعاد بناء داخل القصبة منازل على الطراز القديم، وتم توفير 30 ٪ من هذه السكنات. الأشغال ستنطلق هذه السنة بعد ثلاثة أشهر، وخلال سنتين أو ثلاثة سنبدأ في رؤية نتائج مشروع ترميم القصبة. منازل القصبة مشيدة على الطريقة العثمانية واستعمل في تشييدها التراب، الجير، الآجر المطهو في درجة حرارة لا تتجاوز 600 درجة، والآجر المستعمل اليوم تبلغ درجته 1100 درجة، بالإضافة إلى خشب العرعار داخل الجدران لأنه مقاوم جيد. وعليه فالجدران بسمك على الأقل 50 سم، لكن عدوه الماء. السقف أيضا من خشب العرعار زائد 30سم من التراب لحماية البيوت من الحرارة والبرودة، والترميم يستدعي نفس المواد ولتوفيرها يجب التعامل مع الحرفيين المختصين، ما عدا مشكل خشب العرعار المتوفر سوى في غابات كل من تيسمسيلت، المدية، مليانة وهي محمية لذلك يتطلب الأمر حملة وطنية لإعادة غرس الأشجار حتى نتمكّن من الاستفادة مما هو موجود. وعليه من خلال كل هذه المعلومات التي قدمها بلقاسم باباسي وعبد الوهاب زكار علينا أن نعرف رأي المهندسين القائمين على عملية الترميم، حليم فايدي مهندس معماري مصمم متحف الماما ومقر وزارة الخارجية الجديد يتحدث لـ"الفجر" عن مشكلة القصبة فيقول:  "مشكل القصبة حاليا يتعلق بتمدينها وكيفية التعامل مع مخلفات الحياة الاجتماعية مثل النفايات، وكذا مشكل بناء مساكن جديدة بدل التي دمرت. القصبة اليوم في طريقها إلى الزوال وحتى مع مشروع الحماية الذي تعمل عليه وزارة الثقافة لا يمكن تأمل الشيء الكبير. الإدارة بإمكانها التدخل لإيقاف ما يحدث داخل القصبة، حيث شيّدت العديد من المنازل على طراز حديث مكان التي تهدمت ولم تتدخل السلطات لمنع ذلك. لا يوجد أي عذر للسلطات في ادعائها بأنها لم تتمكّن من التعامل مع أصحاب البنايات غير القانونية داخل القصبة. وعليه من المستحيل إعادة بناء الجزء الذي دمر من القصبة، وما هو مطلوب اليوم هو الحفاظ على المنازل المتواجدة في هيئة صالحة للترميم، وتشييد مكان التي دمرت منها حدائق مثلا، نافورات، وغيرها من الفضاءات التي تمنح وجها أخر للقصبة. أنا مع مشروع تمدين القصبة بالحفاظ على ما تبقى وإضافة أشياء تكميلية لمحيطها كالكهرباء والغاز الطبيعي وغيرها، ويجب أن تدخل أساليب العيش الحديث داخل القصبة مع الحفاظ على طابعها المعماري العتيق. لهذا الوقت الذي استغل في بحث الحلول الناجعة للقصبة كلّف سقوط العديد من المنازل والدليل قانون حماية القصبة الذي استغرق مدة سنة لتفعيله. الاهتمام بتفاهات الأمور والبحث عن خبرات أجنبية هو الذي أخّر مشروع ترميم القصبة، في حين أن الجزائر تحتكم على الإمكانيات والطاقات المتمكنة. وفي الأخير يمكننا القول إنه الطاقم الوزاري للثقافة الحالي لم يقدم أي دفع لمشروع الحفاظ على القصبة وننتظر أن تحقق الوزارة القادمة ما عجزت عنه الوزارة الحالية". إذن وكما قال تماما المهندس حليم فايدي ننتظر وزارة جديدة علّها تنقذ القصبة من وزارة حالية تحدثت كثيرا باسم القصبة.. وربما هذه المرة لن يطول الانتظار. تحقيق: طاووس بن عميرة /هاجر قويدري  


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)