الجزائر

في الصميم الاستبداد والحكم الصادر عن الفرد



 إن الانحراف المسجل خلال السنوات الأخيرة في مجال تسيير مجمل النشاطات الوطنية يكشف بأن السلطة تجمع بين مبدأي الاستبداد والحكم الصادر عن الفرد، في توظيف واستغلال الثروات الوطنية. ومثل هذه النتيجة التي نتوصل إليها تبين الفوضى والتدهور الذي نعرفه في كل المجالات، أيا كانت طبيعتها.
وبإمكاننا أن نلاحظ بأن النظام القائم يستفيد من ريع مريح يجمع حول ''القائد'' مجموعة من المريدين المتزلفين المستعدين إلى البروز، من خلال الإفراط في إبداء الولاء، وضما بمقابل ذلك مختلف أنواع المكافآت.
بالمقابل، فإن المجتمع بمجمله يبقى مستبعدا ومهمشا وبعيدا عن انشغالات القمة، إذ أن مشاكله لا تعار أهمية ولا يلقى لها بال، ولا تؤخذ بعين الاعتبار. بل أكثـر من ذلك، وبفضل توفر إيرادات الريع النفطي، فإن النظام القائم نجح حتى في تحييد المعارضة وإخماد نار الاحتجاج، أي أنه استطاع مؤقتا أن يحاصر الثورات المحلية، ولكن دون أن ينجح نهائيا في إرساء السلم المدني. وينتج عن ذلك كله بروز قوة تدفع إلى الجمود وعدم الحركة، تنخر جسد البلاد وتحكم عليه بالانتكاس والتردي، كأحد المظاهر التي تعكس صورة الدولة العاجزة.
 إن مثل هذه الوضعية تفتح الباب واسعا أمام سيادة منطق الرشوة والفساد، تحت مختلف أشكالها المبتذلة، مثل:
الرشوة الصغيرة على مستوى البيروقراطية، خاصة على شكل مبالغ مالية صغيرة تدفع لأفراد ليست لهم سلطة كبيرة أو نفوذ، مقابل الاستفادة من خدمات على مستوى مختلف الإدارات.
الرشوة الكبيرة: التي تهيمن على الثروات الكبيرة للبلاد وتؤدي إلى بروز فضائح مالية، لاسيما لدى إبرام عقود إنجاز المشاريع وشراء المعدات الجماعية والاستفادة من القروض البنكية.
في مثل هذه الوضعية التي نعيش من خلالها مرحلة انتقالية مزدوجة سياسية واقتصادية تتمثل في الانتقال من نظام مستبد للحزب الواحد، إلى تعددية حزبية وانفتاح سياسي، ومن نظام اقتصادي مسير إلى اقتصاد السوق، فإن الرشوة والفساد تأخذ وجها جديدا يتمثل في أصحاب الحظوة والامتياز الذين يتلاعبون بالنظام السياسي، الذي يبقى في طور التشكيل، في محاولة منهم لتوجيه قواعد اللعبة الجديدة لصالحهم. إنه الفساد والرشوة بوجه جديد على شاكلة ''الاستحواذ على الدولة''، وهو ما يتيح الانغماس في واقع جديد، في صورة ''لا استبداد، ولا ديمقراطية''، و''لا اقتصاد مسير، ولا اقتصاد سوق'': إنه ''فخ المراحل الانتقالية الدائمة والمتواصلة''.
وفي ظل غياب أدنى قواعد الحكم الراشد، فإن هذا الفراغ يسمح للأفراد بأن يقرروا عوضا عن الهيئات المخولة بذلك، وهو ما يعني فتح الباب على مصراعيه أمام نقيض الحكم الراشد، وتوسيع دائرة الفساد والرشوة . وبناء عليه، فإن موازين القوى القائمة تعمل على إضعاف مكانة المؤسسات والهيئات وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تكريس واقع سيادة الفساد والرشوة. بالمقابل، فإن الاستفادة من موارد طبيعية ''استغلال المحروقات''، يتيح أيضا في ظل غياب الحكم الراشد وضعا خارج نطاق سيطرة القواعد الموجودة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)