الجزائر

في الذكرى الثانية لبقاء الحصان وحيدا.. صديق درويش، الشاعر طاهر رياض يشرّح أخطاء الديوان الأخير ويصرّح لـ "الفجر الثقافي"..



في الذكرى الثانية لبقاء الحصان وحيدا..               صديق درويش، الشاعر طاهر رياض يشرّح أخطاء الديوان الأخير ويصرّح لـ
كانت "الفجر" قد التقت بالشاعر الأردني طاهر رياض، الذي كشف الكثير عن علاقته بمحمود درويش وقضية ديوانه الأخير، الذي أسال الكثير من الحبر، بعد أن نشره صديقهما المشترك إلياس خوري.. ما كان "لهذي القصيدة" أن تنشر، وإلياس خوري أقلق درويش في رقدته الأبدية  طاهر رياض يكشف في هذا الحوار لأول مرّة عن جوانب من حياة درويش.. مع التذكير أن هذا الحوار قد نشر على صفحات "الفجر" بعد شهرين من وفاة الشاعر الاستثنائي محمود درويش، ورأينا أن نعيد نشره اليوم في الذكرى الثانية لرحيله..  طاهر رياض، كان واحدا من أصدقاء محمود درويش المقربين، حدثنا عن الجانب الإنساني الذي جمعك بالراحل الذي ترك الحصان وحيد؟ كنا أكثر من صديقين؛ بل أخوين، لا سيما في العشر سنوات الأخيرة من حياته، بعد أن جاء ليقيم إلى عمان وأقام بجانب بيتي.. كنا قبل ذلك نعرف بعضنا معرفة سطحية، لكن وجوده في عمان، وثّق هذه العلاقة وكنت من بين الأصدقاء القلائل الذين يحب أن يستضيفهم، أو يزورهم هو.. كان -رحمه الله- يألفني ويألف أسرتي هذا من الناحية الشخصية والإنسانية.  هل أثرت معرفتك بدرويش على النسق الشعري الخاص بك؟ بالنسبة للناحية الشعرية، كنا نمضي الساعات ونحن نتناقش حول موضوع معين قضية أدبية، أو شعرية تفصيلية أحيانا، مثلا نفتح ديوان المتنبي، أو المعري.. نحاول أن نفهم سبب الجمال أو العبقرية الشعرية عندهما، كيف طوّعا اللغة. وكنا نستعرض المشهد الشعري العربي، وكان يتابع قدر ما يستطيع التجربة الشعرية العربية، ويحاول أن يشجع المواهب الأدبية بأن ينشر لها مثلا في مجلة "الكرمل" التي كان يكتب بها، أو يتصل بالشاعر نفسه أو الشاعرة نفسها ويهنئها، ورغم أنه كان لا يعرف استخدام الأنترنت، لكنه كان يريد دائما الاطلاع على الجديد الأدبي ويعطي آراءه، ويبدي إعجابه.  ما الذي كان يؤرق محمود درويش في سنوات عمره الأخيرة؟ محمود درويش؛ شاعر ظل مؤرقا طوال حياته من أن يفقد قدرته على الكتابة، لم أسمع منه مرة كلمة "أنا أنجزت"، كان دائما يقول "أنا لم أكتب ما أريد، لم أقل شيئا بعد، لم أكتب قصيدتي بعد، وأخشى أن أموت قبل أن أكتبها". وفي كل مجموعة شعرية كان يكملها، يقلق كثيرا قبل أن يذهب بها إلى الناشر، قبل أي أمسية شعرية يلقيها كان كثير القلق، كيف سيتلقاها الجمهور رغم أن علاقته بالجمهور كانت جميلة. وهذا في رأيي قلق الفنان المبدع الكبير.  ماذا لو تكلّمنا عن ديوان محمود درويش الجديد الذي أثار جدلا كبيرا؟ آه على ديوان درويش الأخير.. أولا أوضح نقطة، كان من المفترض أن لا يفتح بيت درويش في غيابنا نحن أصدقاؤه (صديق مسرحي، وآخر مقاول، وإلياس خوري وأنا) نحن من كان علينا أن نقرر ما كان جاهزا لينشر، ونحدد المسودات التي لا تصلح للنشر... لأن محمود درويش ما كان ليقبل نشر قصيدة واحدة، حتى تكون في غاية الدقة ولا توجد بها أخطاء أو زحافات. فبعض القصائد كانت عبارة عن مسودات أي أنها لا زالت لم تبيّض بعد وهي رهن المراجعة وإعادة الكتابة، وإلياس خوري في اجتهاد منه أعدّها للنشر. لذلك أقول إن إلياس خوري أخطأ في نشرها وأزعج محمود درويش في رقدته الأبدية.  أعطنا أمثلة عن بعض الأخطاء التي جاءت في ديوان درويش الأخير؟ هناك أخطاء عروضية كثيرة يحفل بها الديوان، وهو أمر يصعب تقبّله بالنسبة إلى شاعر ممسوس بالإيقاع من وزن محمود درويش. وحساسية المسألة لا تكمن فقط في كون الشاعر قد صرح غير مرة بأن القصيدة عنده تتولّد في البدء من تواترات إيقاعية غامضة لا تلبث أن تتقمص الكلمات، بل لأن أحداً من القرّاء لم يسبق له أن لاحظ في أعمال الشاعر السابقة أي خلل إيقاعي أو تعثّر في اقتفاء الأوزان والبحور. هناك بعض الزحافات التي يقع فيها الشعراء أحياناً والتي تتطلب استقامة الوزن فيها وإشباع بعض الحروف التي لا تحتاج في الأصل إلى إشباع، أو عند الثقل بين بحرين متداخلين كالمتقارب الذي يقوم على تكرار الوحدة الموسيقية (فعولن) والمتدارك الذي يقوم على (فاعلن). إذ يكفي أن نحذف (فا) المتدارك الأولى لكي ندخل في المتقارب. وهو ما يقع فيه درويش والكثير من شعراء التفعيلة. لكن لدينا أمثلة كثيرة على أخطاء وكسور تقع خارج دائرتي الجوازات العروضية والملابسات بين البحور. ففي قصيدة "رغبت فيك، رغبت عنك"؛ نقرأ... فكّري بالظل كي تتذكري قلت/ قالت كن قوياً واقعياً وانسَ ظلي؛ وهنا يتم الانتقال من دون مبرر من الكامل إلى الرمل. وهو ما لا يفعله درويش على الإطلاق. وفي قصيدة "إذا كان لا بد" نقرأ ما يأتي: "وإن كان لا بد من منزل/ فليكن واسعاً لنرى الكناري فيه... وأشياء أخرى". والخلل واقع هنا في السطر الثاني، حيث يؤدي وقوع كلمة "الكناري" بعد سابقتها "لنرى" إلى الخروج على تفعيلة المتقارب المكررة "فعولن"، لتصبح (مفاعلن) وهو أمر لا يجوز بأي حال. وفي قصيدة "لو ولدت"، ثمة أخطاء أخرى تقع في خانة الالتباس بين الأخطاء المطبعية وبين الأخطاء المتصلة بجمع النصوص أو طريقة قراءتها أو مشكلات متكررة بين الفاصلة وحرف الواو. ففي "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي" نقرأ "أغني لكي أعزيَ بالموت بالموت" والصحيح هو "أغني لكي أعزيَ الموت بالموت؛. ولا نعلم بالطبع مصدر الخطأ. وفي القصيدة نفسها نقرأ "ينبئني هذا النهار الخريفي" وفيه خلل عروضي واضح. إلا أن ورود البيت مرة ثانية على الشكل الآتي "...ينبئني ضوء هذا النهار الخريفي"، يظهر أن مصدر الخلل هو سقوط كلمة (ضوء) من البيت الأول، ولا نعلم من هو المسؤول عن ذلك. ثمّة التباسات أخرى تتعلق بالقافية التي كان يحرص محمود درويش أشد الحرص على أن تكون بعيدة من الافتعال والتعسف وأن تؤدي وظيفة جمالية ونفسية وإيقاعية من طريق التكرار والتماثل والتواشج الصوتي الموحي. إلياس خوري اعترف بأنه وحده يتحمّل مسؤولية ما جاء بالديوان، هل سيكون تصحيح الأخطاء بنفس الجرأة؟ لا أعرف بالضبط ولكن نحن بصدد مباحثات مع دار النشر وإلياس خوري والمحامي. وأرى أنه من واجبنا تصحيح هذا الخطأ الكبير الذي أكيد أنه أزعج محمود درويش.  هل تعتقد أن هذا الديوان أساء لمسيرة محمود درويش الشعرية؟ أعتقد ذلك، لأن محمود درويش كان قد بيّض وأنجز بعض القصائد ووضعها جانبا، وتوجد قصائد أخرى قرأها لي في ليلة واحدة، قبل سفره إلى أمريكا للعلاج، وقال لي إن هذه القصائد مسوّدات وهي ما زالت تحت الشغل، وليست جاهزة للنشر، وأطلعني عليها كانت مليئة بالتشطيبات، والخطوط، وعلامات التعجب، والاستفهام، وقلت له "إن شاء الله ترجع بالسلامة وتكملها"، ما كان ينبغي نشرها على الإطلاق. من المفروض أن تبقى في بيته في متحفه، كما تركها ويطلع عليها الناس ويأخذوا نظرة على القصائد، وكيف تكتب القصيدة. قبل أن تكون جاهزة للنشر. أما أن تنشر كقصائد جاهزة فهذا غير ممكن، ومسألة تبديل الكلمات أو حذفها ليس جائزا. ليس من حق أي أحد أن يقوم بذلك. ولا أحد يجرؤ، أو يستحق أن يبدل، أو يضيف كلمة واحدة لنصوص درويش. ومن هنا كان غضبي وحزني العميق على نشر هذا الديوان. كيف كان درويش يتعامل مع مخطوطاته قبل النشر؟ كان قبل النشر، يقوم بإعطاء مخطوط ديوانه لثلاث من أصدقائه، أحدهم شاعر هو أنا، والثاني هو ناقد وهو صبحي حديدي من سوريا مقيم في باريس. والثالث محام صديق وهو قارئ عادي وكان يأخذ بآرائنا نحن الثلاثة، كنت أقول له بعد قراءة الديوان هذا شيء عظيم ورائع ومميز ولكنه كان يرد "قل لي الحقيقة يا طاهر؛ أنقدني أقسو عليّ، ثم يفتح الديوان ويقول "ما رأيك في هذه القصيدة"، فأصمت فيقطعها مباشرة من المخطوط، كان يحس ولكنه كان يريد رأيا آخر، هو أول ناقد لشعره ولكن كان يريد رأيا يثق به. حدّثنا عن ديوانك الأخير "ينطق عن الهوى"، هل صحيح أنه ديوان ممنوع في الأردن، وهل اطلع عليه درويش؟ هو آخر أعمالي صدر قبل أقل من عام وسبب لي مشاكل في الأردن ومنع بيعه وسحبت نسخه وكنت سأعرّض للمحاكمة لأن العنوان لم يعجبهم ولم يفهموه، ولكني أعدت طبعه ووزعته خارج الأردن في كل العالم العربي. أما عن اطلاع محمود درويش على الديوان فقد قدمته له قبل أكثر من عامين، ردّها لي في اليوم الثاني وقال لي "لم أنت مستعجل ..هذه كتابة رجل مستعجل هذا ليس شعرا" فحزنت وتضايقت ثم عاودت مراجعتها وقدمتها له مرة أخرى فقال "لم تعجبني". وقدّم لي ملاحظاته على كل كلمة، وفعلا كدت أقول إنني فقدت قدرتي الشعرية وبقيت أشتغل عليها ببطء وزدت وحذفت أشياء كثيرة، وبعد فترة قدمتها له فقال "الآن هذه مجموعتك وتستطيع نشرها فهي جاهزة لذلك" وكتب لي تقديما لها، وقبل سفره بيوم واحد حصلت على النسخة الأولى من بيروت وقدمتها له قبل رحيله. ماهي آخر رسالة كتبها محمود درويش؟ هي قصيدته التي جاءت في الديوان الأخير رسالة لشاعر شاب أظن أن هذه هي رسالته الأخيرة.  ماذا كان حلم محمود درويش الذي أفصح به لطاهر رياض؟حلمه الأوّل، كان أن يعود إلى بلاده وتعود إليه بلاده، لأن عودته إلى الوطن لم تكن كاملة كان محروما من زيارة وطنه. وكان يحلم أن يكتب قصيدة لم يكتبها إذ كان يقول دائما "لا زلت لم أكتب قصيدة بعد" وكل ما كتبه لم يكن راض عنه مئة بالمئة كان طموحه في الشعر أعلى من ذلك بكثير رغم ما قدمه للشعر والقصيدة العربية. لمن كان يقرأ؟ كان يقرأ للكل، عربيا ومحليا، بكل مستويات الأدب شعر، نثر، رواية، قصة، نقد.. كان يحب كثيرا نزار قبانيحاورته:وردة.ر  


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)