الجزائر

فوضى قد لا نصبح بعدها على خير



لا يختلف الوضع في الجزائر اليوم، عما يحدث في البلدان العربية التي طردت الشعوب فيها حكامها، أو تلك التي هي بصدد ذلك، من انتشار فظيع للفوضى وغياب سلطة الدولة وسيطرة العنف، وما ينجم عن ذلك من رعب في أوساط المواطنين، الذين يعيشون كلهم في المدن كما في الأرياف، محصنين في بيوتهم وراء الشبابيك الحديدية والأبواب المصفحة. وصار التوجه إلى العمل أو الدراسة ''مغامرة'' في أغلبية المدن الجزائرية، من كثـرة العصابات التي تترصد العمال والمتمدرسين لتسطو عليهم. 
لقد بلغت خطورة الوضع، في كثير من المدن الجزائرية، أن تنظم المواطنون فيما بينهم وأسسوا مجموعات ''يقظة'' ليحموا أنفسهم من بطش العصابات والمجرمين، وتسلحوا هم أيضا بنفس أسلحة العصابات الإجرامية ليردوا عليها بالمثل، في إطار الدفاع الشرعي. إن الأمر في غاية الخطورة، لأن القانون يمنع المواطنين من الإقدام على مثل هذه السلوكات. لكن الواقع هو الذي فرضها، لأنه من المفروض أن تنجد الهيئات النظامية هؤلاء المواطنين، حتى دون أن يطلبوا نجدتها، لأنها مكلفة دستوريا بحماية المواطنين. وعندما يلجأ المواطنون إلى هذه الحلول، فهذا يعني ببساطة أنه لم تتم نجدتهم.
وأكثـر من ذلك، تخلت الهيئات والإدارات العمومية عن الغالبية الساحقة للفضاءات التي من المفروض أن تسيرها وتفرض فيها النظام ولو باستعمال القوة التي يمنحها القانون. وصار ''مبتزون'' يحملون هراوات في الشوارع ويفرضون قانونهم على المواطنين، ولا يتحرك صاحب الحق الدستوري في استعمال القوة لفرض احترام القانون.
عندما تتخلى الدولة عن واجبها الأول المتمثل في ''شرعية استعمال القوة لفرض النظام''، وتفوض هذا ''الواجب'' إلى المواطنين الذين من المفروض أن تحميهم، فإن هذا يعني أنها مصابة بالخلل الذي تحدث عنه آدم سميث، الذي شبه ''الدولة الضعيفة'' بجسم الإنسان الذي يفوق قوة بنيته عقله. وفي مثل هذه الحالة، فإن ذلك يعني أن مؤشرات انحلال المؤسسات صارت متوفرة، لأنها لم تعد تملك القوة والذكاء اللذين يمكنها بهما أن تبسط سيادة القانون على الجميع. وفي هذه الحالة، لم يعد هناك ''جميع''، وإنما مجموعات تفرض كل واحدة سيطرتها على الفضاء الذي استحوذت عليه وتطرد منه القانون والمكلفين بتطبيقه.
لكل جزائري وجزائرية تجربة خاصة مع هذا الوضع، والذين مازالوا يؤمنون بدولة القانون لا بد أنهم استنجدوا بالشرطة أو الدرك، أو غيرها من الهيئات، وسمعوا جميعا مقولة ''لا يمكننا أن نتدخل. لأننا إذا فعلنا يتفاقم الوضع ونتسبب في مسيرة أو قطع الطريق. لا بد أن نحافظ على السلم''. لكن في الواقع، هذا الحرص على السلم أنتج ''فوضى عارمة'' مشابهة تماما لما يحدث في الدول التي طردت فيها الشعوب حكامها. الفرق بيننا وبينهم هو أن حكامنا لا يزالون بيننا لكنهم اختاروا ''الاختفاء عن الأنظار''، وجمدوا تطبيق القانون، وتركوا الجزائريين يتدبرون أمورهم وحدهم في فوضى لا أحد يعلم إلى أين يمكن أن توصل البلاد.



lahcenebr@yahoo.fr




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)