تحتوي مدينة تلمسان على عدة فنادق 1 تقع بالحي التجاري، يقطنها في الغالب الأعم التجار المسيحيون والقناصل، وخاصة منهم ممثلي الشركات التجارية الأجنبية 2، التي تقوم بعملية التصدير والاستيراد والإشراف على التجارة وتنظيمها. ولعلها كانت تتمتع بحصانة تشبه في هذا الأمر البعثات الدبلوماسية والسفارات 3. وكانت بعض الفنادق ملكا عقاريا للجالية المسيحية التي كانت تقيم بها، وتشرف على تسييرها وصيانتها وتوسيعها، وبناء الكنائس وترميمها 4. وقد أشارت بعض المعاهدات التي أبرمها حكام تلمسان مع الدول الأوروبية إلى أن إصلاح وتوسيع الفنادق يقع على عاتق دواوين الجمارك، مما يدل على أن ملكية بعضها يعود إلى الدولة الزيانية 5.
والظاهر أن مدينة تلمسان كانت تشتمل على مجموعة من الفنادق، بالنظر إلى أهميتها التجارية والاقتصادية وموقعها الإستراتيجي في ملتقى الطرق التجارية بين أوروبا وإفريقيا من جهة، وبين المغرب والأندلس والمشرق من جهة أخرى. وقد تركت لنا بعض النصوص أسماء فندقين بمدينة تلمسان هما: فندق الشماعين 6 وفندق المجاري 7، و جاء ذكر اثنين آخرين خصصا لإقامة التجار الوافدين من جنوة والبندقية في وصف إفريقية للحسن الوزان، دون أن يذكر أسماءهم 8.
تبنى الفنادق عادة بالقرب من الأحياء التجارية والأسواق أو داخلها، وفي بعض الأحيان تنشأ خارج الأحياء السكنية، أو بالقرب من أسوار المدينة، وفي الضواحي والأرياض التلمسانية 9. يتألف الفندق من طابقين أو ثلاثة طوابق ، يخصص فيه الدور الأرضي للمخازن والدكاكين والإسطبلات والحمامات، والأفران وقاعة للمداولة والأحكام؛ تفتح على أفنية واسعة، وتحت أشجارها المياه الجارية 10. وتوجد في بعض العمارات الحانات الخاصة بالتجار المسيحيين 11، وتحيط بالفندق مساحات شاسعة داخلية تستعمل لتفريغ أو تحميل البضائع حتى يسهل على الموظف المكلف بالضرائب مراقبة حركة البضائع بعين المكان، تجنبا لعدم إخفاء السلع والتهرب من دفع الرسومات المقررة على شتى البضائع.
كان كل طائفة تجارية مسيحية تلجأ إلى خدمات مترجمين مقابل مبلغ من المال، وكان عليها دفع حقوق أخرى مثل حق الوزن والتخزين والتفريغ الذي يقوم به الحمالون، ولعل أغلبهم كانوا مسلمين من أهل المدينة، وربما يوجد مسيحيون من بينهم. وكان الزيانيون يكثرون من فرق الجمارك المؤلفة من الرجال والنساء، حتى يتمكنوا من مراقبة حركة البضائع الواردة والصادرة بشكل مستمر وفعال، وبالتالي تمكين خزينة الدولة من إيرادات مالية مهمة ومنع تفشي ظاهرة التهرب الجبائي والإحتيال 12.
وعملت تلمسان على وضع نظام جمركي يشمل كل تراب المملكة الزيانية، حيث كانت لها جمارك مركزية وأخرى فرعية بالمدن الساحلية كوهران وهنين، وغيرها من الموانئ التابعة لنفوذ بني زيان. وكان هذا النظام يمكن التجار المسيحيون، الذين يدفعون مستحقات الضرائب لدى مكاتب الجمارك بالمدن الساحلية للدولة، من الإعفاء عند دخولهم إلى المدن الداخلية بمجرد تقديم وصل الدفع 13.
أما الطابقان الأول والثاني، فقد خصصا لنوم وراحة التجار. يحيط بالفندق سور خارجي عالي سميك الجدران يفصله عن البناءات الأخرى، وله باب تغلق ليلاً 14. وعلى الرغم من عدم وجود معاهدات تنص على واجب حماية التجار المسيحيين، فإن سفر الأوروبيين إلى تلمسان والإقامة بها والإحتكاك بالتلمسانيين وبجاليات أخرى لم تكن لتقلق حكوماتهم، ولعل ذلك يكشف عن مدى تطور التجارة الخارجية في الدولة الزيانية بسبب الاستقرار السياسي والأمني والنمو الاقتصادي الذي كانت تعيشه منطقة المغرب الأوسط 15.
1 : كان الفندق يلعب دور النزل والمخزن والإسطبل حسب المستشرقة Mas-Latrie. أنظر:
Mas-LATRIE, Traités de paix et de commerce et documents divers concernant les relations des chrétiens avec les arabes de l’Afrique septentrionale au moyen age, paris, 1872, p.167.
2 : Sid Ahmed BOUALI : Les deux grands sièges de Tlemcen, Alger: ENAL,
1980, p.107, note n° 185.
3 : Charles, E. DUFOURCQ, L’Espagne catalane et le Maghreb aux XIIIè
et XIVè siècles, Paris, 1968, p. 521.
4 : سامي سلطان، "الجاليات الإيطالية في الدولة الزيانية"، مجلة سيرتا، عدد 10، أفريل 1988، ص.91.
5 : سامي سلطان، "الجاليات الإيطالية في الدولة الزيانية"، مجلة سيرتا، عدد 10، أفريل 1988، ص91.
6 : R. BRUNSHVIG , La berberie orientale sous les Hafsides des origines à la fin du XVè siècle, t.2, Paris : Maisonneuve, 1947, pp. 431-432.
7 : أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن مريم، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان ، تحقيق: محمد بن أبي شنب، الجزائر: المطبعة الثعالبية، 1908، ص 275.
8 : الحسن الوزان، وصف إفريقية، ترجمة: محمد حجي ومحمد الأخضر، بيروت: دار الغرب
الإسلامي، 1983، ط 2، ج 1، ص20.
9 : سامي سلطان، "الجاليات الإيطالية في الدولة الزيانية"، مجلة سيرتا، عدد 10، أفريل 1988، ص90.
10 : في غالب الأحيان كان يوجد حماما خاصا بالمسافرين والتجار بداخل الفندق ، وإذا لم يتوفر الفندق على هذا المرفق، فعادة ما كان يخصص للمقيمين حماما بالمدينة يغتسلون فيه مرة في الأسبوع بدون مقابل. أنظر: Mas -LATRIE, Traités de paix et de commerce et documents divers concernant les relations des chrétiens avec les arabes de l’Afrique septentrionale au moyen age, paris, 1872, p.169.
11 : نجاة باشا، التجارة في المغرب الإسلامي خلال القرن 8هـ/14مـ، تونس: منشورات الجامعة التونسية، 1976 ، ص.105.
12 : Attallah DHINA: Les états de l’occident musulman aux XIIIè et XIVè siècles, Alger : OPU/ENAL, 1984, p.485.
13 : Attallah DHINA: Les états de l’occident musulman aux XIIIè et XIVè siècles, Alger : OPU/ENAL, 1984,p.478.
14 : Georges MARCAIS, Tlemcen et le commerce eurafricain, Eurafrique, juillet 1953, p.8.
15 : سامي سلطان، "الجاليات الإيطالية في الدولة الزيانية"، مجلة سيرتا، عدد 10، أفريل 1988، ص90.
أريد صور مدينة تلمسان الحلوى
مرام - أستاذة تاريخ و الجغرافيا - عين الدفلى - الجزائر
06/04/2014 - 187977
أريد أهم المناطق السياحية مع الصور
rara rano - تلميذة - عين دفلى - الجزائر
06/04/2014 - 187975
هناك رسالة ماجيستير بعنوان فنادق مدينة تلمسان في الفترة الزيانية مناقشة من جامعة الجزائر سنة 2004، تجدون فيها كل ما تعلق بالفنادق الاثرية في المدينة ، وعن قريب سيكون كتاب بحول الله
ع - استاذ جامعي - قسنطينة - الجزائر
04/04/2011 - 13212
تحياتي وقبلاتي الحارة لجميع سكان مدينة تلمسان الرائعة والساحرة ...............هذه المدينة التي تسكنني ولا أسكنها
أتنمى أن أسكن فيها الى الأبد انشاء الله
فضيلة لوصيف - أستاذة لغة عربية - سطيف - الجزائر
04/01/2011 - 9930
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com