تدل الآثار الأندلسية الباقية وخاصة بقايا مدينة الزهراء على براعة الأندلسيين فى فن الحفر على الرخام، وقد كانت مدينة قرطبة من مدن الأندلس الغنية بمقاطع الرخام، فقد ذكر الرازى “أن بجبل قرطبة الرخام الأبيض الناصع اللون والخمرى” ويحدد ابن غالب مواضع هذه المقاطع، فيذكر أحدها “بفريش الواقعة غربى فحص البلوط، وقرطبة تشتهر برخامها الناصع البياض الشديد الصفاء”. ويمتدح الإدريسى هذا النوع من الرخام فيقول: “بحصن فريش مقطع للرخام الرفيع الجليل المنسوب إليه، والرخام الفريشى أجل الرخام بياضًا، وأحسنه ديباجًا، وأشده صلابة”
وقد استغل خلفاء بنى أمية فى الأندلس ممن عُرفوا بولعهم بالبنيان أمثال عبد الرحمن الناصر والحكم المستنصر، هذه المقاطع الرخامية فى استخراج ما يلزم لصناعة الأعمدة وتيجانها وقواعدها واللوحات التى تكسو الجدران والأرضيات، هذا بالإضافة إلى عمل أحواض السقايات وحواف آبار الوضوء وذكر ابن بشكوال أن الحكم المستنصر أقام أربع ميضآت فى جامع قرطبة استقطع رخام أحواضها من مقطع المناستير بسفح جبل قرطبة وكذلك استخدم الرخام القرطبى فى كسوة جدران الزهراء وكسوة جوف المحراب وجانبيه وخصته وأرضية المقصورة.
وقد تبقى حوض من الرخام غير كامل، محفوظ اليوم بمتحف الآثار بمدريد عليه نقش يحمل تاريخ إنشائه فى سنة 377 هـ بأمر المنصور محمد بن أبى عامر ليوضع فى قصر الزاهرة. وفى متحف قرطبة أجزاء وجوانب من أحواض من الرخام نقشت عليها زخارف نباتية ورسوم حيوانات بارزة وبعض النقوش الكتابية نطالع فى بعضها اسم المنصور. وهناك حوضان رائعان يؤلفان زوجًا من الأحواض، عثر عليهما فى قرطبة والحوض الأكبر رائع الزخرفة ويزدان بسلسلة من الأوراق الملساء المتعاقبة مع ساق تنشق إلى فرعين تعلوها رؤوس أسود وظباء وفى الأركان رؤوس غزلان والحوض الأصغر الزخرفة فيه أقل من السابق فى العناية.
وعثر بقرطبة أيضًا على فوهة بئر مثمنة الشكل حفرت فيها زخرفة من التوريقات تنبعث من ساق متعرجة ويعتقد الأستاذ جومث مورينو أن هذه الفوهة كانت مخصصة للجب الذى أمر المنصور بعمله فى صحن الجامع.
وعثر فى قصر قرطبة القديم على لوح من الرخام نقش فيه عقود زخرفية تخرج منها تشجيرات عنب تتدلى منها عناقيد مثقلة وتوريق يلتف حول نفسه فى رشاقة وعلى هذا اللوح نقش كتابى يحمل اسم شخص لعله عبد الكريم وزير الأمير عبد الرحمن الأوسط.
أما بالنسبة للأحجار فمن المعروف أنها كانت تستقطع من جبل قرطبة ثم تساق على العجل إلى مواقع البناء، ومعظم الأحجار التى استخدمت فى كسوة جدران قاعات الزهراء من النوع الرملى الصلب، وحفرت فيها زخارف نباتية وتزودنا أطلال قصور الزهراء بألوف عديدة من القطع الحجرية التى كانت تؤلف فيما مضى كسوة للجدران وكذلك استخدم الحجر الجيرى اللين المائل إلى الإصفرار فى بناء المسجد الجامع بقرطبة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/09/2017
مضاف من طرف : nemours13
صاحب المقال : د. السيد عبد العزيز سالم، قرطبة حاضرة الخلافة فى الأندلس الجزء الثانى. التصنيفات
المصدر : andalushistory.com