الجزائر

فضاء القصة



فضاء القصة
تقديم : ' .. الزمن يقهر كل شيء فينا ، جبروتنا ، تطاولنا على غيرنا ، تفاهمتنا 'الدكتور عبد القادر بن سالم من مجموعته القصصية : الصمت و الجدارلا تزال الظلمة سيدة المكان تلّف مطار وهران في تلك الصائفة . داخله تزاوجت العتمة بالأضواء الباهتة ،والأروقة تكاد تخلو بالتمام عدا رجال الصيانة والأمن والجمارك يستعدون ليوم لا ريب مثقل بالمهام . لاحظ ذلك لدى وصوله فتهالك على إحدى الكراسي فلقد جاء قبل الوقت المحدد مما يسمح له بأن يأخذ سنة من النوم جلوساً فيوقظ نفسه ثم يعود إلى أخرى أطول ،هاته المرّة فتح عينيه فرأى المسافرين من كل فج عميق و الحركة تدّب بأقصى ما يمكن ، تحرّك مع المتحركّين ،إلى أن وجد نفسه في الطائرة كانت الشمس لا تزال تمارس لعبة الخجل على الكون وكأنه خطيب ،جاء ليبني بها .هي الطائرة كانت تريد أن تقلع وقد فعلت فاستوت في السماء كالطود ،لاحظ أن تجاويف نفسه زاخرة بأشواق صلدة كالجلمود وبدأ يداعبه حلم اللقاء بأمه التي أخبر أنها مريضة بشكل لا يبعث على الإرتياح . ها هو يدخل دهاليز ذكرياته الطفولية فيرى نفسه جالسا جوار أمه تحدّثه عن"طولا " صاحبة السن الخضراء والغول الذي اعترض طريق أمها يوم كانت حاملا بها فأخبرها أنه سيخطف البنت حين تضعها و تشرف على النضج ويهرب بها متى وجدها وتعرّف عليها . كانت أمّه جادة في الحكي فما قالته كان صحيحاً ،الطائرة تلفظه في مطار"الدار البيضاء " فيستقل القطار و تبدأ رحلة الرقص داخل إحدى المقصورات طوال ليلة بكاملها يتوالى الإستذكار "لطولا " ذات السن الخضراء .وأخيراً وصل و عانق أمه عناقاً ليس قوياً حتى لا يكسّر ذراعيها فلقد أضحت أوهن من بيت عنكبوت .توقّف الحكي كما توقّف حمار الشيخ عند العقبة ،شاخ الزمن لم يعد ذلك الزمن الجميل كانت أمه كالفراشة تتنقل من مكان إلى آخر وتضرب الأرض بأرجل من حديد . فترتجف الحيطان .اليوم تدفقت الأمراض من كل نوع وصوب . أمه لا تذكر بالكاد أنها حكت له حكاية الغول فلقد استحالت إلى قصائد كتبها شاعر مجنون فألقى بها في البحر يوم أعلن إفلاسه ،أمه أصبحت لا ترى وهي التي كانت ترى على مسافة ثلاثة أيام و تخرج الشعرة البيضاء من اللّبن و تسمع دبيب النملة وهي تسعى . لا تذكر من أنها هي نفسها قالت له بأن يوسف ابن عم " طولا "حمل سيفا ضخماً وحرّر ابنة عمه من الغول .أمه تتحسس وجهه بيدّيها النحيلتين . قالت له وهي تفعل ذلك لازلت طفلا صغيراً يا ولدي ما عدت أحكي طال العهد فلقد أصبحت حكاية . فالغول يا ولدي أضحى هاته الأمراض التي تنهشني كالذئاب أتعبت نفسك يا ولدي وأنت تعرضني على الأطباء هم عجزوا أمام هذا الغول الحقيقي .أحس برغبة شديدة في البكاء بدون توقّف لكن عامل السن الذي يحمله لا يسمح هو نفسه بدأ غول من أمراض تزحف نحوه . ورأى أن يودّع أمه حتى يفك نفسه من ألم عملاق كاد يأخذ بحياته ،وينفلت خارجا ، " البلارج " يشرئب من فوق المحطة وهو يراه هارباً من دموع والدته المنهارة ويظل القطار يحمله في رحلة الطويلة والليل يطوّفه تأسف البلارج لهاته الرحلة لا يجب أن يلتفت فهو مثخن ببضائع أحزان ويظل القطار يدوس المحطات الصغيرة طوال الليل ليعهده إلى طائرة المغرب العربي لتعود به إلى بيته ولا ينسى أنه قالت له حكايتي ذهبت مع الوادي أما أنا فلا أظن أني سأبقى مع الأجواد ."لغة مشّفرة ولّدت لديه أشحان عميقة كبئر ناشفة .وانتبه إلى صرة دستها أمه خلسة في حوائجه ففتحها حين عاد إلى بيته فوجد فجراً مشرقاً وبحراً هادئاً وصباحاً مربحاً . فقال بامتنان مخلوط بأسى : شكراً يا أمي !! ".




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)