في مدينة الأبيض سيدي الشيخ
فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ
- الجزء التاسع والأربعون بعد المائة-
بقلم: الطيب بن إبراهيم
*إرسالية الأبيض والأسماء المستعارة
لماذا تلجأ بعض المجموعات والتنظيمات من رجال الدين لأسماء مستعارة ؟ ليس بطريقة عفوية ولكن بطريقة رسمية مُمَنهجة ومدروسة؟ وهي الظاهرة التي كانت سائدة بين جُلِّ رجال إرسالية إخوة يسوع الصغار بمدينة الأبيض إن لم نقل كلهم وهذا في الظروف العادية ولا أتحدث على الظروف الاستثنائية كما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية حيث غير إخوة الإرسالية أسماءهم كما اعترف بذلك رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم. لكن من المؤكد أن رئيس الإرسالية شخصيا كان له اسم مستعار شيخ الخلوة حتى قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية أي منذ مجيئه للأبيض سيدي الشيخ سنة 1933. إنه سؤال يفرض نفسه بإلحاح وينتظر الإجابة عليه واعتقد أن الإجابة الكافية هي عند من يعنيهم الأمر مباشرة من أصحاب الأسماء المستعارة ومن يدير شأنهم.
نحاول الوصول إلى إجابة عن التساؤل حول الأسماء المستعارة التي يلجأ لها الشخص أو المجموعة حيث يستبدلون أسماءهم الحقيقية بأسماء مستعارة ؟ فالاحتمال الأول الذي يتبادر إلى الذهن أن ذلك الشخص أو ذلك التنظيم في موقف يخاف على نفسه من شيء ما أو تُعرف حقيقته فهو يحاول أن يتخفّى باسم مستعار حتى لا تعرف هويته كشخص أو كتنظيم . والاحتمال الثاني يندرج في إطار سياسة التكيف الاجتماعي والثقافي مع المجتمع الجزائري وثقافته العربية والإسلامية وهو التكيف الذي عم بقية مظاهر المستشرقين والمنصرين خاصة نزلاء إرسالية الأبيض فتجاوز ذلك التكيف الاسم المحلي إلى لباس العباءة والبرنوس والشاش وحمل السبحة وإلى أبعد من ذلك كالإقامة بالبادية وتربية الحيوانات من أغنام وماعز وحمير وجمال ومشاركة البدو الرحل في سفرهم عبر الصحراء مع قوافل جلب التمور فكانت أسماؤهم كلها عربية محلية. وهذا النوع من التكيف هو ما أوصي به المستشرقان: ماسينيون ولويس غاردي وقبلهما أوصى به مرجعهما الروحي شارل دي فوكو وهؤلاء الثلاثة كلاهم استعملوا أسماء مستعارة؟!.
لقد تميزت إرسالية إخوة القلب المقدس التنصيرية بمدينة الأبيض سيدي الشيخ بظاهرة الأسماء المستعارة أكثر من أي إرسالية أخرى فكل من تعامل معها مباشرة أو بطريقة غير مباشرة إلا وكان له اسم مستعار إما مؤقتا أو بصفة دائمة. ويمكن القول أن إرسالية الأبيض تكاد أن لا تجد أحدا من نزلائها دون أن يكون له اسم آخر غير اسمه الحقيقي بما فيهم المستشرقون الكبار الذين مروا من هناك والذين اشتهروا بأسماء ليست هي أسماؤهم الأصلية التي سُجِّلوا بها في مصالح الحالة المدنية.
*المرجع الروحي شارل دي فوكو والاسم المستعار
يظهر أن تلامذة شارل دي فوكو بإرسالية إخوة القلب المقدس بمدينة الأبيض لم يكونوا هم أول من بدأ باستعمال الأسماء المستعارة ولكن فعلوا ذلك اقتداء بشيخهم شارل دي فوكو فهو قدوتهم قبل غيره وهو بالنسبة لهم أول من استعمل اسما مستعارا متخفيا به بل استعمل أكثر من اسم مستعار منها يوسف رابين Joseph Rabbin مدعيا أنه يهودي ولد بمولدافيا وذلك أثناء دخوله للمغرب برفقة زميله اليهودي المغربي رابين ماردوشي أبو سرور ماردوخاي الذي ساعده على التخفي بلباس يهودي ليجوب المغرب شمالا وجنوبا مع القوافل ابتداء من شهر جوان سنة 1883م إلى شهر ماي سنة 1884 عبر الطرق الممنوعة على غير المسلمين وعندما استقر دي فوكو في الجنوب الشرقي الجزائري ما بين سنتي 1905 و 1916 في مدينة تامنغست اشتغل باللسانيات واللغة الطوارقية وألف كتابه الذي هو عبارة عن منجد ترجم فيه اللغة الطوارقية إلى اللغة الفرنسية ووضع لعمله هذا اسما مستعارا آخر هو موتلنسكي Motilinsky.
*إرسالية الأبيض والأسماء المستعارة
وإذا عدنا لمجموعة إخوة إرسالية الأبيض إخوة القلب المقدس كما كانت تسمى في البداية فبدون استثناء من كبار القوم إلى صغارهم كلهم غيروا أسماءهم بأسماء أخرى مستعارة فمنهم من احتفظ باسمه المستعار خلال تواجده بالأبيض وتخلى عنه بعد مغادرتها وهكذا كان حال رئيس الإرسالية الأول الأب روني فوايوم شيخ الخلوة ومنهم من احتفظ باسمه الجديد إلى غاية وفاته كما كان حال خليفته الأب ميلاد عيسى الذي غير اسمه الأصلي من أونيزيم روتايو Retailleau Onésime وأصبح يسمى ميلاد عيسى.
ويبدو أن أغلبية نزلاء الإرسالية الذين كانت لهم أسماء مستعارة كان حالهم كحال أول رئيس للإرسالية الأب روني فوايوم الذي تخلى عن اسمه المستعار شيخ الخلوة مباشرة بعد مغادرته للأبيض ولم يعرف بهذا الاسم في أي مكان آخر في الجزائر أو فرنسا. فتخلوا عن أسمائهم المستعارة منذ مغادرتهم للأبيض باتجاه بلدانهم الأصلية. حيث كانت أسماؤهم المستعارة مرتبطة فقط بفترة وجودهم في الأبيض أو في باديته.
وأبرز مستشرق أقام بالأبيض اختار اسما مستعارا له بدل اسمه الحقيقي بل اختار أكثر من اسم له هو المستشرق الفرنسي لويس غاردي Louis gardet. لم يكن اسم Louis gardet هو اسمه الحقيقي المسجل به في الحالة المدنية وأن اسمه الحقيقي هو André Harlaire ومع ذلك لم يحتفظ باسم شهرته Louis gardetعندما حل بالجزائر خاصة بمدينة الأبيض سيدي الشيخ وتحول اسم لويس غاردي المستعار إلى اسم مستعار آخر عرف به بالأبيض قرابة خمس عشرة سنة هو الأخ ماري أندري frère Marie André وبقي يحمل هذا الاسم منذ سنة 1933م وهو تاريخ تواجده بالأبيض سيدي الشيخ إلى غاية سنة 1947 وهو تاريخ مغادرته لها نهائيا إلى فرنسا حيث عاد لمسقط رأسه مدينة تولوز واشتغل بالتدريس في جامعتها باسمه المستعار الأول لويس غاردي. وحتى المستشرق المصري الزائر لإرسالية الأبيض في مهمة ثقافية لعدة أشهر مع لويس غاردي الأب جورج شحاتة قنواتي كان في الأبيض باسم مستعار هو ماري مارسال Marie marcel.
وهكذا يمكننا القول أن بعض المستشرقين كانت شهرتهم بأسمائهم المستعارة التي اشتهروا بها أكثر من شهرتهم بأسمائهم الحقيقية ومن يعرفونهم بأسمائهم المستعارة لا يعرفونهم بأسمائهم الحقيقية وهذا ما كان عليه حال لويس غاردي الذي اشتهر بهذا الاسم في الجزائر وفرنسا وفي العالم دون اسمه الحقيقي الذي لا يعرفه به إلا بعض الخواص.
*إخوة بادية الأبيض وأسماؤهم المستعارة
إخوة إرسالية بادية الأبيض الذين كانوا في مهام غير قيادية فجميعهم إلا واستعمل اسما مستعارا عربيا محليا خلال فترة وجوده في الأبيض أو بواديه والتي كانت مدة إقامتهم في الأبيض تتراوح ما بين السنة الواحدة إلى أكثر من عشرين سنة وسرعان ما تخلوا عن أسمائهم المستعارة بمجرد مغادرتهم الأبيض وعلى سبيل المثال نذكر مجموعة من بين نزلاء إرسالية الأبيض وبواديها بأسمائهم الحقيقية والمستعارة:
Ernest jaccard كان يدعى ابراهيم و Hervé guivarch كان يسمى يوسف و Danilo البرازيلي كان يدعى عباس و Jean-François Berthelin كان يسمى يحيى و Yvon Poey كان يسمى حبيب و Pierre Chalet كان يسمى عبد الحميد و Jean-Michel كان يدعى عبد الحفيظ و Irénée Thu كان يدعى سالم و François كان يدعى الطاهر و Michel Bousson كان يدعى مزوزي و alias André Roch كان يدعى سليم و Pierre Laferrière كان يدعى إسماعيل والقائمة طويلة...
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 23/01/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : يتبع
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com