من غرائب ما سمعنا في الفترة الأخيرة، ''الفتوى'' التي صدّرها لنا وزير الشؤون الدينية والأوقاف أثناء زيارته الأخيرة إلى ولاية بشار، والتي قصد من خلالها تخليص السلطة من هاجس مقاطعة الانتخابات الذي بات كابوسا يؤرقها ويشكّك في مصداقية كل الاستحقاقات التي نظّمتها على مدار السنوات الأخيرة، حيث اعتبر غلام الله المشاركة في الانتخابات والذهاب إلى صناديق الاقتراع، أمرا مُلزما شرعا لا يجوز التخلف عنه، لأن الانتخاب في منظوره بمثابة أداء للشهادة، والمعلوم أن من يكتم هذه الأخيرة فإنه آثم قلبه مكتسبا بكتمانها معصية الله.
وبفضل اجتهاد السيد الوزير، عرفنا حقا شرعيا جديدا كنا نجهله إلى وقت قريب، اسمه وجوب الذهاب إلى مكاتب الاقتراع للانتخاب، تماما مثل الحقوق الواجبة بين المسلمين كعيادة المريض واتّباع المسلم لجنازة أخيه المسلم للصلاة عليه. ولعلّ الوزير لم يخطئ كثيرا في فتواه، ولم يُجانب الصواب في استنباطه لهذا الحكم الشرعي، مادام أن صناديق الاقتراع اتّضح بموجب المواعيد الانتخابية التي تم تنظيمها في العشرية الأخيرة، بأنها أضحت مريضة ومعلولة، وهي في أمس الحاجة إلى من يعُودها من المنتخبين، الذين يرفض جانب كبير من المسجلين منهم في القوائم الانتخابية زيارة مكاتب الانتخاب لاختيار ممثليهم.
لقد كان أولى بالوزير عوض أن يُصدر لنا فتواه وحكمه الشرعي لإنجاح تشريعيات الربيع القادم، أن يبحث رفقة من يقاسمونه تخوفات شبح المقاطعة الذي تحوّل إلى مشهد يتكرر في كل المواعيد الانتخابية، في تشخيص الأسباب التي جعلت المواطنين يعزفون بصفة شبه جماعية عن الإدلاء بأصواتهم، ويتنازلون في عُمومهم عن واجبهم وحقهم في اختيار من يمثلونهم داخل قبة البرلمان، والمجالس البلدية والولائية، لأنه إذا تم وضع اليد على الداء يسهل بعد ذلك الوصول إلى الدواء دونما حاجة إلى وعظ أو إرشاد، عندها فقط سيذهب الشعب بكل شرائحه وفئاته إلى المراكز الانتخابية طواعية، ودون أي ترويج لا بـ''الأس أم أس'' مثلما تفعل هذه الأيام وزارة الداخلية، ولا بخطب المساجد التي جنّدت لها وزارة غلام الله كل أئمة الجمهورية.
إن الصناديق الشفّافة لا تكفي لوحدها لإفراز انتخابات نزيهة تُشجع الناس على المشاركة القوية في العملية الانتخابية، إذا لم يتم استئصال الشُبهات التي تجعل الشركاء السياسيين يطعنون في النتائج النهائية، وإرسال الدعوات للمراقبين الدوليين لا يُقدم ولا يُؤخر، في حال عدم مصاحبة هذا الإجراء الجميل بتدابير تضمن حياد الإدارة، ومحاولات استعمال الخطاب الديني التي كشف عنها وزير الشؤون الدينية مؤخرا، لن تنفع شيئا في إقناع مواطنين أصبحت المقاطعة عندهم هي الاختيار الأنسب.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/01/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : محمد درقي
المصدر : www.elkhabar.com