الجزائر

فتوى جمعية العلماء المسلمين أباحت عدم صيام المجاهدين إبان الثورة مجاهدون خالفوا الأوامر وآخرون اكتفوا بالماء والكسرة



وجد قادة جبهة التحرير الوطني أنفسهم، مضطرين بسبب قسوة ظروف الحرب خلال الثورة، لطلب فتوى من جمعية العلماء المسلمين بخصوص شهر رمضان، وأصدر هؤلاء العلماء فتوى تبيح عدم الصيام. وبالفعل التزم المجاهدون بالفتوى الشرعية، وبعد الاستقلال تمكنوا من صيام الأيام التي أفطروها خلال رمضان بين 1954 و.1962 ويروي عدد من المجاهدين التقت بهم ''الخبر''، ظروف رمضان خلال الثورة، وكيف تعاملوا مع الفتوى التي تبيح عدم الصيام.

المجاهد عايسي محمد الشريف قائد المنطقة الأولى بالأوراس
الثورة ألزمت المجاهدين بالإفطار بعد استفتاء علماء الجزائر

 قال المجاهد محمد الشريف عايسي، قائد المنطقة الأولى للولاية الأولى أوراس النمامشة، إن المجاهدين في جبال الأوراس واظبوا خلال السنوات الأولى من الكفاح المسلح، على صوم رمضان كلما حل، فلم يكن أحد منهم يجرؤ على الأكل، حتى وهو يخوض المعارك ضد القوات الفرنسية، لكن اشتداد الثورة، وتصاعد ردع القوات الفرنسية لهم، نتج عنه بروز ظروف قاسية، فصدرت فتوى من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تبيح عدم الصيام.
 وأضاف عايسي: ''بعد انعقاد مؤتمر الصومام يوم 20 أوت 1956، تلقى قادة الثورة في الأوراس، وباقي الولايات، تعليمات مسنودة بفتوى لعدد من العلماء الجزائريين تلزمهم بالإفطار في رمضان، لمواجهة مشقات الكفاح المسلح والتنقل الدائم عبر الجبال والوديان لمقارعة العدو الفرنسي''.
وأوضح عايسي أن المجاهدين استقبلوا هذه التعليمات التي حملت صيغة إلزامية بشيء من التحفظ، إلا أن الكثير منهم التزم بها عن قناعة، خاصة بعد أن زكاها وأيدها أئمة المنطقة وعلماؤها وقضاة الثورة الذين كان جلهم من تلاميذ جمعية العلماء المسلمين، حرصا على تمكنهم من خوض المعارك، ونصب الكمائن للعدو الفرنسي، وهم في أوج قواهم.
ورغم ذلك فقد كان الكثير من المجاهدين، حسب محمد الشريف عايسي، يكتفون بشرب الماء، وتناول بعض ''الكسرة'' التي يحملونها معهم. وأصر على التأكيد بأن إفطار المجاهدين في رمضان كان عن اقتناع بجواز ذلك، خاصة وأن بعضهم كان حافظا لكتاب الله، حيث أدركوا جواز الإفطار للمسافر، وهم يعتبرون أنفسهم مسافرين بحكم تنقلهم بصفة دائمة من منطقة لأخرى لمقارعة القوات الفرنسية وسط ظروف طبيعية ومناخية شاقة جدا. وأردف ذات المتحدث: ''لكن المجاهدين لم يكونوا يظهرون عدم صيامهم، حين يتصلون بأهاليهم، أو بسكان القرى والمداشر الذين يجهلون تماما إن كان المجاهدون مفطرين أم لا، حتى لا يثيروا أي حساسية تجاههم من قبل أفراد الشعب الصائمين''.
وحينما سألناه إن كان جميع المجاهدين يلتزمون بالفتوى، التي أصدرها علماء الجزائر وزكاها قضاة الثورة في مختلف المناطق، لم يخف محدثنا أن بعض المجاهدين كانوا يخفون عدم صيامهم عن قادتهم خارج أيام المعارك. وكشف أنه كان يصوم أحيانا خفية على المجاهدين، رغم إصراره كقائد منطقة على تنفيذ تعليمات وأوامر الثورة بضرورة حث المجاهدين على الإفطار في رمضان.
 وبعد الاستقلال حرص على قضاء الأيام التي أفطر فيها مع دفع الفدية، وفق ما تقره الشريعة الإسلامية، وأكد أن جل المجاهدين الذين يعرفهم تمكنوا من صيام الأيام والأشهر التي أفطروا فيها إبان الثورة التحريرية.  
باتنة: الشاذلي زفادة

المجاهد نوري الحسين
صُمت خفية فلم أقدر على حمل البندقية  وأدركت أني أخطأت
 قال المجاهد نوري الحسين البالغ من العمر تسعة وسبعين سنة، والذي قضى نحو ست سنوات يتنقل بين جبال فالمة خلال ثورة التحرير، إن المجاهدين غالبا كانوا لا يصومون شهر رمضان، بناء على فتوى صادرة عن جمعية العلماء المسلمين تجيز لهم الإفطار، وأوضح أنه صام ذات مرة واحدا وعشرين يوما وكان يفطر على ''المعكرونة'' بالماء والملح، وأحيانا يأكل الحشائش إذا توفرت.
حاول السيد نوري أن يقدم صورة عن يوميات المجاهدين خلال ثورة التحرير، وكيف كانوا يقضون أيامهم في شهر رمضان تحديدا، فقال: ''قضيت قرابة الست سنوات أتنقل بين جبال دباغ، هوارة وماونة، حيث كانت هذه الأخيرة المحطة التي عينت فيها لأداء عملي الثوري. وكان قانون جبهة التحرير الوطني يمنع علينا الصوم، بسبب المخاطر التي تتربص بالثوار، كما أن المستقبل بالنسبة لنا كان مجهولا، حيث لا نعلم أين سنتوجه ولا أين سنحط رحالنا وهل سنجد ما نأكله، فكان لزاما علينا أن نستعد تحسبا لأي طارئ، وكنا نخضع حتى للمراقبة من قبل فرقة حتى لا نصوم، وقد تدعم ذلك بالفتوى التي أصدرتها جمعية العلماء المسلمين، والتي تبيح للمجاهدين الإفطار خلال شهر رمضان، وكان صومنا يقتصر على أيام فقط عندما نتأكد من استقرارنا في مكان ما''. يذكر السيد نوري ما حصل معه خلال سنة 1960، عندما قام بمخالفة رأي الجماعة وأدائه للصوم، وقال ''صمت واحد وعشرين يوما لكني ندمت كثيرا على ذلك، كنا مجموعة تتشكل من تسعة أفراد كنت الوحيد من بينهم الصائم، فأوكلت لنا مهمة على مسافة بعيدة كان الجميع نشيطا، عداي حتى البندقية لم أتمكن من حملها، فتأكدت أنني قد أخطأت عندما خالفت رأيهم''. وفي ما يتعلق بما كان يتناوله المجاهدون من أكل، قال محدثنا ''كنا نتولى الطهي بأنفسنا، خاصة وأن المنطقة التي كنا نقيم بها معزولة عن السكان ومحاصرة من قبل الجيش الفرنسي. كان أكلنا يقتصر على ''المعكرونة'' بشكل رئيسي. أحيانا تكون بالماء والملح، وأخرى نضيف لها الطماطم إن تحصلنا على المؤونة. وقد تعلم المجاهدون أيضا كيفية تحضير ''الكسرة'' عندما يتوفر لدينا الدقيق، وباقي الأعمال التي تقوم بها النساء، وأحيانا ومن شدة الجوع وانتهاء المؤونة، كنا نأكل ''الحشائش''، وحتى هذه لم تكن تتوفر في كل حين، بحيث كانت تنمو في فصل الربيع، وهذا ما يطيل أيام الجوع التي تصل لأربعة أيام متتالية أحيانا، فكنا نستعين ببعض الناس ليوفروا لنا المؤونة من منطقة ''وادي المعيز حاليا''، حيث كانت بها منازل للفرنسيين ومحلات''.
فالمة: م. أم السعد


حسب شهادة اللواء المتقاعد جوادي
العقيد عميروش كان متسامحا مع جنوده
  يكشف الدكتور سعيد سعدي، في كتابه ''عميروش، حياة، موتتان، وصية''، أن العقيد عميروش لم يفرض الصيام على المجاهدين بالولاية الثالثة، إلا على من هو قادر على تحمله. واستنادا إلى شهادة المرحوم لخضر بن طوبال، فقد عقد العقيد عميروش اجتماعات مع المجاهدين ليقول لهم بصريح العبارة إن كل واحد حر في صوم رمضان.
واستند الدكتور سعدي، في ذات الكتاب، لشهادة اللواء المتقاعد والمجاهد عبد الحميد جوادي، أنه تلقى توبيخا من قبل رؤسائه لأنه أصر على الصوم. ويضيف اللواء جوادي: ''وصل بنا الأمر إلى أن أفطرنا في وسط شهر رمضان داخل مسجد، ولم يكن هناك مع ذلك لا تحد ولا تجاوز للحدود. كان قادتنا يملكون الإيمان، ولكنهم يقدّرون الظروف. لأن البقاء دون أكل يومين أو ثلاثة أو حتى أربعة أيام في حالة الحصار، وادّعاء الصوم في مثل تلك الظروف، أمر ينم عن عدم مسؤولية''.
الجزائر: ح. ع

المجاهدَان صيفي رابح وزاغز بشير
نصوم خلسة على القيادة ونفطر على الكسرة والماء
أكد ضابط جيش التحرير بالولاية السادسة المجاهد صيفي رابح، أن العديد من المجاهدين إبان الثورة التحريرية كانوا يحاولون صوم رمضان، لكن تعليمات قيادة الولاية تمنعهم وتجبرهم على الإفطار، على اعتبار أن الظرف يتعلق بالحرب، ولا يمكن معرفة موعد مباغتة العدو. ناهيك على أنه ليس من المعقول مواجهة المستعمر المدجج بمختلف الأسلحة والمجاهدين في حالة صوم.  وقال الحاج رابح إن المجاهدين كانوا في أغلب الأحيان يتنقلون من جبل إلى آخر. موضحا أن هناك من كان يصوم خفية وتعرض للمساءلة من أجل توعيته. واستدل محدثنا بالمجاهد بن سهلة عياش الذي عقدت له جلسة من طرف المسؤولين الذين شرحوا له الظرف من جميع الجوانب وأقنعوه بالإفطار.
وفي نفس السياق، يقول المجاهد زاغز بشير إن العديد من المجاهدين كانوا يصومون رمضان دون علم القيادات. مؤكدا أنه صام في سنوات 57 و58 و59 خلسة عن مسؤوليه. وعن الظروف التي كانوا يعيشونها في هذا الشهر الفضيل في زمن الثورة المباركة، قال المجاهد زاغز بشير: ''طيلة أربعة أيام كاملة لا نتناول سوى فنجان القهوة. وفي ظل عدم توفر الأكل فإن كل فرد يحصل في أحسن الحالات على قطعة ''كسرة وقارورة ماء''. وأشار محدثنا إلى أن حالة الحرب وعدم الاهتمام بالأكل كانت تدفع المجاهدين إلى الصوم أحسن لهم، حيث كان الفرد يبقى على الجوع ليومين أو ثلاث. وضرب لنا المجاهد زاغز مثالا بمعركة جبل بوزكرة قرب مدوكال، أين دارت معركة مع العدو من السادسة صباحا إلى الحادية عشر ليلا، حيث ظل قرابة 330 مجاهد، لازال البعض منهم على قيد الحياة، دون أكل أو شرب لمدة طويلة.
بسكرة: ل. فكرون

مجاهدون من سطيف يروون يومياتهم
أفطرنا أيام رمضان وسددنا الدين بعد الاستقلال
 التقت ''الخبر'' بالمجاهدين سعيد شربال، وذوداي التواتي، وعمي عزوز، بمقر المنظمة الوطنية للمجاهدين بسطيف، وأوضحوا أنه نظرا لصعوبة مهمة المجاهدين خلال الثورة، واستنادا للظروف القاهرة التي كانوا يعيشونها، فقد أمرت قيادة جبهة التحرير الوطني، بالإفطار في رمضان، وهذا بناء على فتوى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وأكد المجاهدون بأنهم قد سددوا الدين، وصاموا خلال أيام الاستقلال ما أفطروه خلال أيام الحرب والاستعمار. ورغم تعليمات جبهة التحرير الوطني التي كانت تنص على عدم الصيام، كان بعض المجاهدين يصومون رمضان، وقال المجاهد سعيد شربال إنه صام أول أيام الشهر الفضيل سنة 1957، معتبرا بأن طبيعة العمل الجهادي كانت لا تتغير، والحركة من منطقة إلى أخرى ضرورة أمنية، وبالتالي فلا مركز معين للإفطار ولا للسحور. وقال: ''حدث وأن مشيت سيرا على الأقدام رفقة 35 مجاهدا من زملائي من منطقة بني فيلكاي ببجاية، إلى جبال البابور بين سطيف وجيجل، على مسافة حوالي 30 كيلومترا، وذلك في إطار تنقلات لتأمين المجاهدين، ودامت الرحلة حوالي 9 ساعات، وقد وصلنا إلى منطقة بابور في حدود آذان المغرب، حينها أخذنا قسطا من الراحة، وأفطرنا على رغيف خبز وشربة من الماء لنكمل بعدها المسيرة، وفي اليوم الثاني من الشهر الفضيل، كانت لنا وجهة أخرى، فلا مجال أثناء الحرب للتوقف والثبات لمدة طويلة بمكان واحد''.
سطيف: ع. ربيقة
 



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)