الجزائر

فاروق قسنطيني (رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان) ل "الجزائر نيوز": أتوقع 5 مترشحين أقوياء للرئاسيات أما الباقي فدورهم فلكلوري



تطرق رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، في حواره مع «الجزائر نيوز» إلى عدد من الملفات الوطنية كمسألة استقلالية القضاء وقطاع العدالة والحبس الاحتياطي ووضعية السجون، وموقفه من الاحتجاجات التي صاحبت تمرير مشروع قانون المحاماة، بالإضافة إلى ملف المصالحة الوطنية ووضع الطبقة السياسة وتقرير لجنته الأخير حول حقوق الإنسان وموقفه من الانتخابات الرئاسية المقبلة في ظل ما يجري بالبلدان العربية.عدد القضاة المقدر بخمسة آلاف قاضٍ تقريبا غير كافٍ بالنظر إلى عدد القضايا المعروضة عليهم، وبالمقارنة مع عدد المحامين المقدر ب 20 ألف محامٍ أي ما يعادل أربع مرات عدد القضاة، فلا بد من رفع عددهم، لأن القاضي الذي تعرض عليه في جلسة واحدة 50 إلى 70 ألف ملف لا يمكن أن تنتظر منه نتائج سليمة وهناك من القضاة من يدخل الجلسة الواحدة ب 100 ألف ملف.
بحسب تقديراتي هناك عجز بألفي قاضٍ على الأقل، خاصة وأن عدد القضايا في ارتفاع بسبب لجوء الجزائريين إلى العدالة لأتفه الأسباب والمشاكل مقارنة ببعض البلدان الأخرى كفرنسا مثلا.
لا توجد لدينا أرقاما دقيقة، لأن الاحصائيات موجودة على مستوى وزارة العدل وهي لا تتجاوب مع الطلبات الخاصة بالإحصائيات، ولكن نعطيك أرقاما أخرى حتى تفهمي الأمور، فالمحكمة العليا تفصل سنويا في 17 ألف قضية، وهذا يعطي نظرة على العدد الكبير للقضايا، وعندما نقول المحكمة العليا فهذا يعني أن القضايا قد مرت على المجالس وتقلص عددها بأكثر من الثلث. ولكن بالنظر إلى عدد القضايا بفرنسا، فإن محكمة الطعن تعالج سنويا 2500 طعن والجزائر تفوقها بأكثر من سبع مرات من حيث عدد الطعون، علما أن فرنسا عدد سكانها يمثل ضعف عدد الجزائريين أي يفوق 70 مليون نسمة.
الأحكام صراحة تنفذ بشكل كبير مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كانت العملية فيها شبه متوقفة وأصبحت اليوم تنفذ بنسبة 85 بالمائة، وهذا راجع إلى وجود إرادة لحل هذا الإشكال، بالإضافة إلى النشاط المكثف لفئة المحضرين الذين يقومون بالمهمة على أحسن وجه.
القانون جاء فيه تدابير لا بأس بها ورحبت بها لكن أعيب عليه مسألة مهمة وهي مسألة التأديب في حالة خطأ المحامي سواء أثناء الجلسة أو خارجها، لأنه في رأيي عند ارتكاب المحامي لخطأ في الجلسة أو خلال أداء نشاطه مع الزبون أو القاضي أو مع زميله هو أمر طبيعي باعتباره إنسان، ومن المفروض أن تتولى معاقبته اللجنة التأديبية للمحامين بحسب ما كان معولا به في القانون القديم، ولكن في القانون الجديد أصبح وكيل الجمهورية ورئيس المجلس والوزير يتدخلون في إجراءات تأديب المحامي، وهذا ليس مقبولا ولا معقولا. كنا لسنوات نسير بالقانون القديم ولا يمكن إضعاف المحامين في الجلسة بسبب مخاوفهم من أن يتابعون أثناء الجلسة أو يوقفون عن مهامهم، لأن هذا الأمر يشكل خطورة على القضاء ويضعف حق المواطن في محاكمة عادلة.
صحيح، وهو أمر نتأسف له، لأنه ساهم في تمرير القانون لأن فئة المحامين ظهرت ضعيفة، لكنني أجهل أسباب هذا الانقسام الحاصل في صفوف المحامين حول أمور بسيطة، هناك من صفق لصالح تمرير المشروع وهناك من عارضه، لكن في آخر المطاف لاحظنا تراجع سليني عن موقفه المعارض، وهو ما لم أفهمه لأنه أظهر معارضة شرسة للمشروع في البداية لكن سانده في الأخير؟ والآن لم يبق لنا إلا تجريب القانون الجديد وننتظر ما سيفرزه عند الممارسة الميدانية.
الإشكال في قطاع المحاماة أنه عرف -للأسف- زحف عدد من الفئات التي لا تربطها أية علاقة بالقطاع، وهذا الوضع يستدعي اتخاذ تدابير لتنقية المهنة من الدخلاء دون إعاقة عمل الشباب الطموح، فهناك من الطلبة من يلتحق بالمحاماة معتقدا أنها مهنة سهلة ومربحة، لكن سرعان ما تواجههم المشاكل ميدانيا ويجبرون بعدها على مغادرة النشاط، لذلك فإن عدد المحامين بالجزائر المقدر بعشرين ألف محامٍ، عدد كبير ومبالغ فيه، وهو يفوق الحد المطلوب، لأننا نرى أن عدد المحامين أكبر من عدد الموقوفين في الجلسة الواحدة.
ليس كل المحامين، لكن البعض منهم للأسف، هذا النوع من المحامين عددهم قليل ولا يشكلون أغلبية، نحن نستغل هذه الفرصة لنقول لهم إن مهنة المحاماة ليست مهنة للتجارة ومن يرغب في الكسب السريع من الأفضل له أن يتجه مباشرة إلى التجارة لأن المحاماة مهنة نبيلة.
تفشي الفساد مخيف، وتداول الحديث عنه راجع إلى أنه في السابق لم يكن في مقدورنا الحديث عن الفساد في الصحافة لأنه من الصعب كشفه، لكن اليوم الأمور تغيرت. أما السبب الثاني أن الجزائر لم تكن تتوفر على الموارد المالية كما هو الحال الآن وكانت تعاني من المديونية، واليوم بعدما تحسنت وضعيتها ماديا كثرت الصفقات المهمة، ومعروف أنه كلما كثرت الصفقات يكثر معها الفساد.
الكل يعلم أن قضية سوناطراك1 سارية بالعدالة، وسوناطراك 2 بصدد التحضير لها، أما قضية الخليفة فليست قضية فساد بل هي قضية نصب واحتيال وقد أدين مرتكبها عبد المؤمن خليفة المحتال الذي سرق زبائنه، وأنا عندي موكلين مسجونين منذ 6 سنوات في القضية نفسها.
وأنا طالبت بتشديد العقوبات على المتورطين في قضايا الفساد، لأن القانون الجزائي الحالي لا يعالج الظاهرة بنوع من الصرامة لأنه يعتبر الرشوة مجرد جنحة، وأظن أنه من الضروري النظر في القانون لتشديد العقوبة على الفساد لجعله جناية، لعل هذا يخوف من يقدم على الفساد لأن العقوبة القصوى في الجنحة هي 10 سنوات، كما أن القانون في حد ذاته غير معقول ومنطقي لأنه يضع من يسرق 500 ألف دينار، ومن يسرق 500 مليار في المستوى نفسه من حيث العقوبة، وأنا رأيت حالات سرق أصحابها 20 ألف مليار طبق عليهم قانون الفساد، كما طبق على من سرق 1800 مليار وهناك من الشباب من يسرق مجرد بورتابل يسجن بالمدة نفسها «خمس سنوات»، وأنا هنا لا أشجع سرقة البورتابل لكن هذا الأمر غير طبيعي، والمهم هو ضرورة أن تتوفر نية صادقة لمحاربة الفساد بفرض عقوبة تبدأ من 5 سنوات إلى حد المؤبد إذا اقتضى الأمر، لتخويف الناس على الأقل لوقف الظاهرة، لأنه من غير المعقول أن يستمر الوضع على هذا الحال، ومؤخرا تم تصنيف الجزائر في المرتبة الثالثة عالميا في مجال انتشار الرشوة وهذا عيب وأمر مخجل.
يجب الاعتراف أن العدالة تعالجها بطريقة معقولة صراحة، وليس لدي ما أعلق عليه لأن القضاة لا يطبقون إلا القانون، يجب فهم أن القاضي لا يمكن أن يعالج قضية فساد إلا إذا قدمت إليه، لأنه لا يمكنه الخروج إلى الشارع للبحث عن الفساد.
تكلمنا عن الصحافة والصحة والتربية والعدالة والحبس الاحتياط والسكن، وتطرقنا إلى قضايا تقليدية وغرضنا منها معالجة هذه القضايا وليس تصفية حسابات مع أي كان، لأن أهدافنا المساهمة في تحسين الوضع من خلال حل المشاكل التي واجهت عمل اللجنة.
هذه فرصة لوضع النقاط على الحروف، لأقول إن التقرير ليس تقريري أنا شخصيا، لأن اللجنة مشكلة من 44 شخصا كلهم معينين بمرسوم من رئيس الجمهورية منهم من يمثلون الوزارات الهامة والثقيلة مثل العدالة والدفاع والداخلية والصحة والتربية، ومنهم من يمثل المجتمع المدني، لذلك هذه ليست لجنة قسنطيني فقط والتقرير ليس تقريري وأنا مجرد منسق والتقرير لم أكتبه أنا بل وضعه أعضاء اللجنة الذين أحترمهم لأنهم موجودين لإعطاء رأيهم وهم أحرار فيه. الانتقادات التي وجهت لي ذات طابع سياسي وأنا لا أمارس السياسة وحدودي القانون، وأحترم آراء الآخرين، ونحن في اللجنة نتجنب قدر المستطاع التطرق إلى المسائل السياسية لأننا ملزمين بالقانون الداخلي للجنة والمرسوم الرئاسي يمنعنا من الخوض في المجال السياسي ونحن مقيدين بمجال حقوق الإنسان وفقط.
السجون تحسنت بشكل كبير، وهذا القطاع حقق أهدافه في مجال إصلاح العدالة، وبتسلم مقرات السجون الجديدة العام المقبل ستتحسن الأمور أكثر، ولكن ما يجب التأكيد عليه هو الارتفاع المتواصل لعدد حالات الحبس الاحتياطي، الذي لا يرجع إلى السجون بل إلى قضاة التحقيق الذين يبالغون في استعمال هذه القاعدة في التحقيقات، ونقول بأن الحبس الاحتياطي مبالغ فيه ولا يصلح لأي شيء، ونحن نطالب القضاة بالإنقاص منه لأن هناك بديل له، فعوض حبس المتهم يمكن وضعه تحت الرقابة القضائية والإفراج عنه، وعندما تثبت إدانته يمكن إيداعه السجن نهائيا. ولو تعطينا وزارة العدل الإحصائيات الحقيقية لا نجد حالات الإفراج المؤقت الغير معمول به على الإطلاق من قبل القضاة، لم نفهم سبب هذا الوضع وهو لغز يحيرنا، لذلك في كل مرة تتاح لنا الفرصة نقول للقضاة إنكم تبالغون في مسألة العمل بالحبس الاحتياطي رغم أنه حالة استثنائية في القانون لكنه تسبب في امتلاء السجون بالأبرياء.
هناك 55 ألف سجين بالجزائر- بحسب إحصائيات الوزارة، وهذا العدد ليس له أي علاقة بكثرة الإجرام بل بالمبالغة في استعمال إجراء الحبس الاحتياطي الذي تفشى بالرغم من تنديدنا به لسنوات، وأشير هنا إلى أنه عندما تطرقنا إلى المسالة مع القضاة لاحظنا أنهم متخوفين من أن يتهموا بأنهم لا يؤدون مهامهم لذلك يفضلون حبس المتهم تفاديا لأي تعليقات إذا ما تم الإفراج المؤقت على المتهمين.
لابد من إيجاد حلول للمسألة، طالبت بإعادة النظر في القانون وإنشاء غرفة خاصة مكونة من 3 قضاة لإقرار الحبس الاحتياطي أو رفضه، كما هو معمول به في فرنسا، لأنه ليس من المعقول إبقاء قاضٍ واحد يقرر الحبس الاحتياطي لأن الأمر مرتبط كذلك بمعنويات القاضي لأنه إنسان في آخر المطاف ويمكنه أن يقع في الخطأ. ثلثا عدد المساجين هم حالات احتياط أي ما يعادل 38 ألف حالة وعند التأكد من براءتهم يمكن تعويضهم لكن رمزيا ومعنويا، ونحن نفضل تقليص الاجراء، لأن هناك مبدأ دستوري وهو «قرينة البراءة» التي لابد من احترامها، وفي حال التأكد من إدانة المتهم وقتها يوضع في السجن ولكن ما يحدث ببلادنا هو العكس.
هناك العديد من الفئات من عانت أثناء المأساة الوطنية، وهناك من ضيع مصنعه وهناك من ضيع غنمه وماله وهناك من حرق بيته من قبل الإرهاب.. وهذه الأمور تعني سكان المناطق النائية، ولم يتم تعويضهم وعددهم على الأقل يقدر ب 3 آلاف حالة ممن اتصلوا بنا، وعددهم في اعتقادي يتراوح ما بين 5 إلى 10 آلاف حالة، منهم من ضيع كل شيء، والمصالحة الوطنية لم تتكفل بهم، ومبدأ المصالحة الوطنية ينص على ألا يقصى أحد، وهو الحال بالنسبة لمساجين الجنوب وعددهم كبير، يتراوح ما بين 15 إلى 18 ألف، اقترحنا تعويضهم بالرغم من أن بعضهم من مناضلي الفيس، بالإضافة إلى أنهم مواطنين ولابد أن يدرجوا في مساعي المصالحة لأنهم أبرياء ما دام تم الإفراج عنهم، خاصة وأن الكثير منهم فقد صحته، وحتى تنجح المصالحة لابد أن تكون شاملة ولماذا نضيع هذه الفئة ما دمنا نعمل على تحقيق نجاح هذا المسعى.
نحن إلى حد اليوم لم نجد شخصية أو شخصيات لديها الشجاعة لمعالجة ملف المصالحة بكل جوانبه وعلى أحسن ما وجه، مثلا ملف الحرس البلدي الذي يستلزم معالجة بطريقة عادلة ولابد من أن تنظر لهم المصالحة بعين الاعتبار ونحن نسعى لإرضاء أكبر عدد ممكن من الفئات حتى تصبح المصالحة حقيقة وتسمح بطي الصفحة.
كما أننا طالبنا بإنشاء وزارة وتعيين وزير يتكفل بمهمة تنفيذ بنود المصالحة الوطنية حتى تتفرغ إلى كل ملفات المأساة الوطنية وعندما تنتهي من مهمتها يتم حلها ولكن لم يتم الاستجابة إلى مطلبنا هذا، ونحن نفتقد لآليات تطبيق هذا الأمر لأن مهمة لجنتنا القانونية تقتصر على اقتراح الحلول وليس تنفيذها لأننا لسنا أصحاب قرار.
موقف رئيس الجمهورية مما اقترحناه في إطار ملف المصالحة الوطنية مبدئيا إيجابي، لكن لا أعرف لماذا لم تتقدم الأمور بالرغم من أنه لم يرفض كل ما قدمناه، لكن أؤكد أن الأمور جد حساسة. صراحة لا أعرف على أي مستوى مسار المصالحة متوقف.
أشاطرك الرأي، وهذا راجع إلى حالة العجز التي تعيشها الأحزاب الكبرى الهامة مثل الأرندي والأفلان وحمس بسبب الأزمات الداخلية التي يعيشونها، ولا نعرف حقيقة هذه الوضعية، وما دامت الأحزاب لا تنشط فكل شيء في الدولة يتوقف والصحافة يمكنها أن تعلق على الأوضاع لكن لا يمكنها تعويض الأحزاب، لأن الصحافة ليست هي السلطة وليست المعارضة ولابد لهذه الأحزاب أن تضع نفسها على السكة والانطلاق في العمل.
بالنظر إلى ما يحدث في الدول العربية نحن نحمد الله، ولو أن الأمور مازالت ناقصة عندنا وبمتابعة ما يجري في تونس وليبيا وسوريا ومصر، فإننا نتذكر مقولة -من شاف الموت سيقتنع بالحمى- ولكن ما حصل في الجزائر يمكن أن يتكرر ولابد على الأحزاب أن تلعب دورها ولابد أن تتم الانتخابات المقبلة بشفافية ولا بد أن نمكن الشعب من اختيار رئيسه بكل ديمقراطية، على أن تبقى الكلمة الأخيرة للصندوق، ونتمنى أن تجري الأمور بهدوء ويكون عدد المترشحين كبير وفي المستوى.
عدد المترشحين الأقوياء في الرئاسيات المقبلة لن يتعدى الأربع أو خمس شخصيات، أما الباقي فهم مجرد مهرجين دورهم فلكلوري، نتمنى أن الأحزاب الكبرى تقدم مترشحين بارزين يشرفوا ويرفعوا مستوى هذه الاستحقاقات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)