كانت الحرف والصناعات في مدينة تلمسان مختلفة ومتنوعة، تعددت منها أصناف الحرفيين والعاملين في القطاع الصناعي والحرفي، وما إليهم، تميزوا بالنشاط والمهارة في إتقان صناعتهم ومنتوجاتهم الحرفية التقليدية، التي عرفت تطورا ملحوظا في عاصمة بني زيان(86).
فقد كانت العصور الوسطى الإسلامية، تتميز بنظام الطوائف الحرفية المتخصصة، وهو تنظيم شعبي يعرف بنظام النقابات (87)، أو الاتحادات المهنية(88)، تتجمع كل طائفة في مكان واحد، وتتسمى بنوع الحرفة أو التجارة التي تمارسها لأن أصحاب الحرف هم تجار في نفس الوقت، ولهذا نجد الأسواق مقسمة بين هذه الطوائف، المختلفة مثل: العطارين، والقبابين، والاسكافيين، والسراجين، والنجارين، والدرازين، والحدادين، والدباغين، والصباغين، وسوق الكتب عبر أحياء المدينة وحارتها. فكانت جميع الصنائع والتجارات بمدينة تلمسان موزعة على مختلف الساحات والأزقة (90).
أما الصناعات التي يمكن أن تؤثر على حياة الناس أو تحدث تلوثا في المحيط، أو تسبب إزعاجا للسكان، فكانت تقام خارج أسوار المدينة، وكذلك الصناعات التي تحتاج إلى تدفق المياه، فإن مكانها في الغالب على ضفاف الأنهار والمنحدرات، كدباغة الجلود والصباغة، والحدادة والأرحية، وهي صناعة تعتمد على الموارد المائية ومواردها الأولية من البادية (91).
وقد تكون ملكيات الورشات المهنية والوحدات الصناعية لعائلة واحدة، كعائلة أبي زيد النجار- السالف الذكر- الذي يملك ورشات صناعية لغزل الصوف الرقيق ونسجه وبيعه لمختلف الأقطار (92).
وكذلك كانت للجد الخامس، لأبي عبد الله محمد صاحب كتاب "فهرست الرصاع" ورشة صناعية، ومحلات تجارية، بمدينة تلمسان، وقد كان صاحبها يتفنن في ترصيع مصنوعاته، التي كانت تتميز بالجودة والإتقان (93)، وتميزت معامل الأصبغة بتلمسان، حتى صارت لها شهرة كبيرة بين الدهانين (94).
وكانت بعض الحرف ملكا لأشخاص، إذا تعلق الأمر بحرفة محدودة، كالحدادة والدرازة والنجارة وغيرها، من الحرف التي لا تتطلب عددا كبيرا من العمال (95).
أما الدباغة والصباغة، والتعدين وأعمال البناء، فإنها تحتاج إلى عدد أكثر من اليد العاملة وتكون في غالب الأحيان، لمجموعة من الشركاء (96).
وأما الصناعات الكبيرة كصناعة السفن، واستخراج المعادن كما هو الشأن، في منطقة سوق التي تبعد عن مدينة تلمسان بنحو خمسة عشر ميلا (97)، فهي منطقة مشهورة بصناعة الحدادة وبكثرة مناجم الحديد (98).
وكذا أعمال البناء تحتاج إلى عدد كبير من العمال وقد استعان سلاطين بني زيان وأمرائهم، في مجال البناء والتعمير، بالمهندسين والبنائين والفنيين الأندلسيين(99)، وبآلاف الأسرى النصارى، في إنجاز مشاريعهم العمرانية الكبيرة وصناعاتهم الحربية، بمدينة تلمسان(100).
وكان أبو حمو موسى الثاني يعتني بالصناعة، أيما اعتناء ويقدر أصحابها، ويشجعهم على احترافها، بل وضعهم في فئة اجتماعية تلي مرتبة الأشراف والفقهاء مباشرة، حينما يجلس لاستقبال الفئات المختلفة، للمجتمع التلمساني في قصره بالمشور يوم الجمعة (101).
وقام بتشييد بدار الصناعة سنة 766هـ/1365م، ذات الفائدة الحربية وهي دار استقطب لها الصناع، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وديانتهم، وصناعاتهم فكان العمل فيها نشيطا، قائما على قدم وساق، ونظرا لأهمية هذا المصنع وإنتاجه الحربي الإستراتيجي الهام، فقد كان أبو حمو الثاني يتفقد صناعته مرتين كل يوم (102)، وقد وصف يحي بن خلدون هذه الدار وصفا دقيقا بقوله: "إن دار الصنعة السعيدة، تموج بالفعلة على اختلاف أصنافهم، وتباين لغاتهم وأديانهم، فمن دراق ورماح ودراع، ولجام ووشاء، وسراج وخباء ونجار وحداد وصائغ ودباج وغير ذلك، فتصطك لأصواتهم وآلاتهم الأسماع، وتجار في أحكام صنائعهم الأذهان، وتقف دون بحرهم الهائل الأبصار، ثم تعرض قومتهم أصيلان كل يوم مصنوعاتهم فيه بين يدي الخلفية (أي السلطان) أيده الله.... وينصف العاملين من أرزاقهم عدلا هكذا أبدا" (103).
وكانت الورشات الحرفية والوحدات الصناعية، لمدينة تلمسان، تضع العديد من المواد المصنوعة، كالأغطية الملونة والألبسة والأقمشة بمختلف الألوان (104)، والحائك والبرنوس التلمساني المشهور بخفته وجودته ومتانته المطلوب في جميع الأقطار المغربية (105)، وصناعة الزرابي والفرش والسلال ونسج الحلفاء والجلود المنقوش، والحقائب والأحذية وغيرها من الصناعات التقليدية التلمسانية، التي تصدر إلى أوروبا(106) وكذلك عرفت المصابغ في المدينة حركة، بحيث كان العمال يقومون بصبغ الخيوط بالألوان المختلفة، وصباغة الصوف ومختلف أنواع الجلود (107).
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com