الجزائر

غموض لا يخدم البلاد



غموض لا يخدم البلاد
الغموض السائد بشأن انتخابات الرئاسة الجزائرية المقبلة مرده أمران: رغبة الرئيس بوتفليقة والمحيطين به في ترشحه/ترشيحه لعهدة رابعة لكن في ظل صعوبات وضعه الصحي المعروف، وثانياً ضعف وربما تلاشي منظومة ”صناعة الرئيس من قبل العسكر” التي اعتادتها البلاد في محطات رئاسية سابقة.رغبة ”الفريق الرئاسي” في مواصلة بوتفليقة لمشواره على رأس هرم السلطة قديمة، لكنها تجددت بقوة منذ عودة الرئيس من رحلة استشفائه في فرنسا، وما تبعها من تغييرات على مستوى الحكومة والأمن والمجلس الدستوري، وطبعاً الحسم السريع لأزمة قيادة حزبي السلطة. وكثيرون أدرجوا أيضاً جولات الوزير الأول عبد المالك سلال إلى الولايات ضمن تلك ”الرغبة”. كما تمخضت ماكنة تحقيق تلك ”الرغبة” عن تحوير فكرة تعديل دستوري ”القديمة نسبياً”، وتوظيفها، بعد مرور رياح ”الربيع العربي” عن البلاد بسلام، لاستحداث منصب نائب الرئيس، ما يسهل على الرئيس الضعيف صحياً عقبة تنظيم الحملة الانتخابية!الآن، بعد مضي أشهر على تلك الاندفاعة، بات يلوح في الأفق مناخ سياسي مغاير، تمثل في بروز تنافر وتلاسن ضمن من برزوا بقوة لتأييد العهدة الرابعة، خصوصاً بين سلال الذي طرح اسمه إعلامياً مرة لمنصب نائب الرئيس ومرة للرئاسة نفسها، وعمار سعداني الذي جاءت به ”الخلطة السريعة” لقيادة جبهة التحرير، القاطرة الرئيسية في قطار الترويج للعهدة الرابعة. واتسم المناخ الجديد أيضاً بتبخر فكرة التعديل الدستوري لاعتبارات عدة، وأيضاً بعودة الحديث عن طرح اسم سلال مكان بوتفليقة ليكون الفارس الرئاسي ”الرئيسي”. وما زاد الطين بلة أن المناخ القديم والجديد ارتسم لدى الرأي العام في الغالب من خلال تسريبات فقط، وجعل الحكومة الغائب الأكبر عن التواصل مع المواطنين في قضية مهمة مثل الرئاسيات. أمام المعطيات الميدانية تبرز حقائق مرحلية استراتيجية أخرى في البلاد، تتعلق بالتغييرات في هيكلية النظام السياسي وتسجيل غياب لمنظومة إجماع العسكر ”التقليدي” على اختيار رئيس للبلاد. وواضح أن هذه المنظومة تلاشت بفعل التصعيد القوي لجناح رئيس الجمهورية، على مدى السنوات الماضية، وخفوت نفوذ الأركان الرئيسية الأخرى في الحكم.المعطيات الميدانية تدفع باتجاه خسارة فريق الرئيس بوتفليقة لرهان العهدة الرابعة، أو على الأقل مضيهم نحوها على مضض، والحقائق الاستراتيجية تدفع باتجاه غياب إرادة أركان الحكم التقليدية لفرض مرشح سلطة، وتعبيد خريطة طريق لإنجاحه في السباق الانتخابي.وعليه، فإن البلاد تبدو متجهة، وربما لأول مرة منذ تبنيها الانتخابات الرئاسية التعددية، إلى الذهاب نحو سباق رئاسي في ظل مناخ سياسي مختلف، وبهذا قد يجد الجزائريون أنفسهم في سابقة من نوعها مطالبين بالاختيار بين أسماء غير محسومة مسبقاً. طبعاً، هذا مجرد سيناريو، ومشكلة البلاد أنها لا تزال في مرحلة التخمين بشأن سيناريوهات من يترشح ومن لا يترشح قبل أقل من أربعة أشهر فقط من موعد الاقتراع.هذا المناخ العام لا يكرس سوى حقيقة واحدة، هي فشل ”الإدارة” الحالية في إحداث إصلاح للنظام السياسي بالبلاد، سواء من حيث الآليات أو الشخوص، والوصول إلى مرحلة يشعر فيها الجزائريون بالأمان السياسي ويعرفون مسبقاً أنهم غداة الانتخابات سيحتفلون بانتقال القيادة السياسية لبلدهم من رئيس إلى آخر وفقاً لآليات ديمقراطية متعارف عليها دولياً، على الأقل مثلما تسلمها الرئيس بوتفليقة نفسه من سلفه الرئيس ليامين زروال، الذي أرهقته ضغوطات الخصوم في مرحلة التسعينيات وأعلن في 11 سبتمبر 1998 عزمه التنحي، لكن بمسؤولية عالية، إذ واصل فترته إلى أن نظّم انتخابات وسلم مفتاح قصر المرادية في أفريل 1999 إلى خلفه في أجواء نادرة الحدوث في العالم العربي.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)