الجزائر

غطاء سياسي للممارسات واللاّءات الإسرائيلية


غطاء سياسي للممارسات واللاّءات الإسرائيلية
إنّ مسار المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية الجارية حاليا لا يؤثر على قضايا الوضع النهائي، ولا على نتائجها سواء قدّر لها النجاح وفق سقفها الزمني المحدد بتسعة أشهر أو الدوران مجدّدا في نفس حلقة التفاوض المغلقة أو الإعلان عن فشلها الحتمي كسابقاتها.وذلك راجع بالإضافة إلى طبيعة سياق المفاوضات التي انطلقت رسميا في 30 جويلية الماضي برعاية أمريكية، للتقاطع البيني لأهداف الطرفين من التفاوض بين مقاربة فلسطينية للحل النهائي ومسعى إسرائيلي لاجترار أوسلو في طبعته الثانية وسط بيئة طاردة للأول، جاذبة لأي تسوية في ظل الانحياز الأمريكي والغربي للاحتلال الاسرائيلي، وضعف الدعم العربي والاسلامي للقضية الفلسطينية.فبعد جمود العملية السلمية تمكّن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال ستة جولات مكوكية للمنطقة من جمع الطرفين على طاولة المفاوضات لطرح قضايا الوضع النهائي (اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود والأمن والمياه وغيرها) خلال تسعة أشهر للوصول إلى اتّفاق سلمي من شأنه إنهاء جوهر الصّراع العربي الاسرائيلي. وأمام الضغط الأمريكي والتخاذل العربي جعل السلطة الفلسطينية تدفع إلى تكسير شروطها المسبقة لاستئناف المفاوضات بوقف الاستيطان وتحديد مرجعية واضحة وفق حدود 1967 والافراج عن الأسرى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو (1993) دفعة واحدة، فذهبت للتفاوض خالية من أوراق القوة والضغط، جاء ذلك بعد أربع سنوات عجاف من أي تحرك جدّي للسّلام.وهكذا جلس الوفد الفلسطني المفاوض إلى طاولة المفاوضات دون إجماع وطني ودون بدائل أخرى ذات أهمية استراتيجية، واكتفى بإنجاز يتيم وضعيف على أهميته باتفاق إطلاق سراح 104 من الأسرى القدامى ضمن أربع دفعات بحسب تقدّم مسار المفاوضات دون أن تنجح جبهة الرفض العريضة في ثني السلطة عن قرار استئنافها على وقع استمرار الاستيطان والاعتداءات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين رغم المسعى الأممي الذي نالت من خلاله فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو بالمنظمة الدولية في 12 نوفمبر من السنة الماضية، والمطالبة بمحاكمة إسرائيل على جرائمها.فالمفاوضات تجري دون مرجعية ولا شروط مسبقة، وكأنّها غطاء سياسي للممارسات نفسها ومصدر راحة لراعيها وداعمها الأمريكي مادام المظلوم يفاوض الظالم في حالة ضعف، فالقيادة الفلسطينية تسير في خيارها التفاوضي على وقع زهاء ألف وحدة استيطانية جديدة شهريا منذ انطلاق المفارضات وقرابة 19 ألف وحدة مماثلة منذ بداية العام الحالي. وفي ظل التهويد والاقتحام المتكرّر للمسجد الأقصى والمقدّسات الدينية، فإنّ الاحتلال الاسرائيلي يمضي في عدوانه من دون أن تسهم جلسات التفاوض من كبح عجلة مشروعه الاستيطاني التوسعي على المساحة المخصّصة لإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة، مستبقا قضايا الوضع النهائي بقانون صدر في 21 أكتوبر 2013 يفرض على الحكومة موافقة ثمانين عضو كنيست قبل البدء في أي مفاوضات تتعلّق بتقسيمها أو التنازل عن أي جزء منها.ورغم أنّ المؤشرات الرّاهنة لا تشير إلى امتلاك الادارة الأمريكية خطّة واضحة لحل الصراع وإنما إدارته فقط، إلاّ أنّ المحاذير تبقى قائمة من مغبة الخروج بصيغة ما لتسوية العملية السلمية والقطع على أي خيارات أخرى مثل القيام بانتفاضة ثالثة.وتزداد تلك المخاوف في ظل مسعى أمريكي لإغلاق الملف على وقع المتغيرات الجارية في المنطقة إزاء ما يتردّد حول الاتفاق المرحلي بالتغاضي الفلسطيني عن الاستيطان مقابل الافراج عن الأسرى، والموافقة على تبادل أراضي بنسبة 9، 1٪ ممّا يعني الابقاء على 65٪ من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.إنّ نسخة "أوسلو 2" ستكون في أحسن أحوال التفاوض بانتظار الفلسطينيين، فالحكومة الاسرائيلية لا تؤمن بحل الدولتين وليست راغبة في السلام في ظل برلمان عنصري يضم غلاة المستوطنين والمتطرفين اليمنيين.وإذا كانت احتمالات التوصل إلى اتفاق ما بين الفلسطينيين والاسرائيليين واردة عند الكثيرين فإنّه لا يفضي إلى وضع حد للصراع، وإنما سيغيّر تفاعلاته وإدارته بوسائل وأساليب أخرى، فالفجوة كبيرة بين شروط الحد الأدنى للتسوية المقبولة عربيا على الصعيد الرسمي والتسوية كما يريدها الكيان الصهيوني أو يفرضها.ويزيد من اتّساع الفجوة والهوة بين المفاوضين اختلاف الهدف، فالمفاوض الفلسطيني يسعى لبلوغ اتفاق نهائي خلال السقف الزمني المقدر له وصولا إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، بينما المفاوض الإسرائيلي يريد في أقصى ما يمكن أن يبلغه اتفاق مؤقت يسمح بتأجيل القضايا الشائكة في جلسات تفاوضية أخرى، وفي النتيجة فإن نسخة "أوسلو 2" ستكون في انتطار الجانب الفلسطيني في أحسن الأحوال التفاوضية، فالحكومة الاسرائيلية الحالية يمينية متطرّفة واستيطانية كسابقاتها لا تؤمن بحلّ الدولتين، ولا ترغب في السلام ولا تقديم أي شيء للفلسطينيين، إضافة إلى انتفاء وجود اختلاف حقيقي بين الأحزاب الاسرائيلية بمختلف توجهاتها اليسارية واليمينية والدينية تجاه القضية الفلسطينية، حيث ترفع جميعها لاءات العودة إلى حدود 1967 وتقسيم القدس وحق العودة ووقف الاستيطان وغيرها، فهي تريدها دولة منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح أو رفضها كليا.ولغة التفاوض لأجل التفاوض تعني الابقاء على الوضع القائم من حيث استمرار وجود السلطة، وحفاظ بعض النافذين على مكاسبهم وامتيازاتهم من خلال مناصبهم بالقرب من السلطة.ورغم قناعة أطراف فلسطينية بفشل المفاوضات قياسا بتجارب سابقة واستحالة تمكّنها من إنهاء الصراع وفق ما رسم لها أمريكيا، وعدم إيمان الجانب الاسرائيلي بحلّ الدولتين إلاّ أنّ هناك أصوات تخرج بفكرة التفاوض التكتيكي وليس الاستراتيجي، والذي يهدف إلى انتزاع المزيد من المكاسب على الأرض حتى ولو كانت صغيرة وإرضاء المجتمع الدولي، وعدم ظهور الجانب الفلسطيني وكأنّه سبب عرقلة جهود العملية السلمية، غير أنّ الفلسطينيين في كل جولة تفاوض يخرجون بخسائر فادحة وقضم جديد للأراضي.وكل اتّفاق يتم التوصل إليه لن ينهي الصراع ولن ينهي الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني، وستبقى قضايا جوهرية عالقة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)