الجزائر

غرق في فنجان مطر



راحت ''اليتيمة''، خلال نشرة أخبار الثامنة ليوم أول أمس، وهي تعد ورقة عن مخلفات التقلبات الجوية في بلادنا، وما تركته من هول وتدمير، تردف تغطيتها بموضوع آخر عن البركان المدمر الذي ثار بأندونيسيا والفيضانات التي اجتاحت هايتي إثـر الإعصار الذي ضرب البلاد المزلزلة هناك. ورغم أن ''يتيمتنا'' خالفت العرف المعهود بالحفاظ على الورقة الدولية في نهاية النشرة، وكانت نيتها في ذلك تمرير رسالتها الحاملة لشعار ''إذا عمت خفت''، فإن فكرتها زادت من وقع ووطء المصيبة، باعتبار أن تشابه صور الجزائر وهايتي وأندونيسيا يزيد من هول الكارثة الجزائرية، وليس العكس، وشتان بين قطرات مطر وإعصار وبركان.هكذا كان الغرق في فنجان مطر، ليعود المشهد المكرر من يومياتنا التي كلما نزلت زخات من المطر، كلما تملكنا الخوف، وعم الذعر وسط العباد لما تعيشه طرق البلاد من فيضانات عارمة، وكأن إعصارهم ليأتي على اليابس قبل الأخضر في هذا الزمن الأضجر.قد يتساءل البعض: لماذا يا ترى غيرت السماء علاقتها تجاهنا وصارت بحبوحة ولا تشح علينا في السنوات الأخيرة، إلى درجة أن أمطارها لا تتوقف حتى تغرقنا في خيراتها؟ قد يذهب البعض في تفسيراته إلى التغير المناخي، والى الثقب الحاصل في طبقة الأوزون، والحقيقة كل الحقيقة أن فيض السماء جاء لكشف الثقوب، وليس الثقب، التي تسبب فيها بنو البشر عندنا في مدننا التي نكاد لا نعثـر فيها على مشروع واحد احترمت فيه مقاييس الإنجاز على أكمل وجه، من الرصيف البلدي إلى السيار الوطني.أتذكر خلال السنوات الماضية حينما كنا نعاني من موجة جفاف، كيف كانت وزارة الشؤون الدينية منهمكة في استنساخ بيانات لإقامة صلوات الاستسقاء، أما اليوم فالاستنساخ تحول إلى حالة طرقاتنا ومجمعات سكناتنا التي صارت تتشابه في حالة الغرق العام الذي ملكنا، لقد صرنا نعيش الغرق كلما نزل الغيث، وتحولت النعمة إلى نقمة عندنا، فهل نصلي صلاة الاستسقاء، أم نتضرع للمولى حتى تجف السماء والعياذ بالله ؟على وزارة الشؤون الدينية ألا تتوقف عن تدوير آلة الاستنساخ، حتى تمطر السماء وتمطر، ففي مطرها كشف لعيوب ما تم إنجازه، وفي مطرها فضح لعجز ما لم يتم تنفيذه، وفي مطرها تأكيد على تخلف معلن لمجتمع يعيش الانتحار ولو ببطء.وعلى وزارة الشؤون الدينية أيضا، بعد أن تنتهي من مهمتها هذه، أن تلتفت إلى ظاهرة أسلمة الغربيين عندنا الذين نسمع عنهم يوميا، لتكشف للرأي العام بأن إقبال هؤلاء على النطق بالشهادتين وفي بلادنا بالذات، لا سبب له غير أن هؤلاء آمنوا بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، بعد ما رأت أعينهم ما لم تره عين، وسمعت آذانهم ما لم تسمعه أذن، من صور الاعوجاج اللامتناهي في مجتمعنا بدءا بالغرق وفي فنجان مطر.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)