لا أوافق التحليل الذي يستثني ولاية غرداية عن مختلف ولايات الوطن بكونها تتعرض لاضطرابات ناتجة عن خصوصيات وادي ميزاب، ذلك أن ما تعرفه غرداية اليوم عرفته ولايات أخرى قبلها وستعرفه ولايات ومناطق أخرى بعدها، إذا ما لم يتم اعتماد سياسة استباقية لما سيحدث هنا وهناك.غرداية مثل كل الولايات الجزائرية عرفت اضطرابات نتيجة أمن المواطنين (بريان 2007، 2009) ولأسباب لها علاقة بالتنظيم العمراني (مليكة 2012)، وحتى من أجل كرة القدم (القرارة 2013) ناهيك عن مشكلات الشغل والسكن التي تعرفها كل الولايات اليوم.ما يحدث في غرداية هو جزء من كل، يحدث في كامل التراب الوطني، تحكمه نفس الأسباب ونفس الظروف ونفس المعطيات، ولكنه يتجلى في كل مرة بصيغة مختلفة. هذه المرة تجلى بصيغة أهل غرداية وأخذ لون وادي ميزاب بكل عناصر الطيف التي يتشكل منها. الأسباب هذه لها علاقة أولا بأداء المؤسسات، وثانيا بالظروف الداخلية الضاغطة على المجتمع، وثالثا بالمحيط العالمي وتأثير العولمة والتكنولوجيات الجديدة للاتصال.وكما يبدو جليا، هي أسباب تشترك فيها كل ولايات ومناطق الوطن، ويمكن أن تتجلى في مخرجات ضاغطة واحتجاجات مختلفة حيث ما توفرت البيئة المناسبة والعامل المحرك. ولا يمكننا البحث في غيرها من الأسباب إذا أردنا أن لا تتكرر نفس الظاهرة في غرداية أو تبرز في طبعات أخرى في ولايات أخرى.البحث العمق ينبغي أن ينصب على كيفية أداء المؤسسات المختلفة لعملها باحترافية ومن غير تجاوز لأحكام القانون ومعاقبة كل من تسبب في ذلك.البحث المعمق ينبغي أن ينصب حول لماذا تم تحطيم الصناعة الميزابية الناشئة التي كانت تشكل عصب الحياة الاقتصادية للمنطقة، من خلال سياسة الاستيراد الأعمى للخردوات المختلفة ومنتجات الصناعات الصغيرة والمتوسطة؟البحث المعمق ينبغي أن ينصب حول كيف تم تحويل مركز الثقل المالي من أيدي عائلات شريفة ذات مصادر للثروة معروفة وشرعية منذ قرون من الزمن إلى أيدي عصابات أصبحت تجمع المال الفاسد بطرق غير مشروعة وتريد أن تتحكم في المجتمع الميزابي من خلاله. البحث المعمق ينبغي أن ينصب حول مدى تأثير التكنولوجيات الجديدة للاتصال في النسيج الثقافي المتماسك منذ قرون وضعف البديل المقدم لتحصينه من التخريب والهدم. البحث المعمق ينبغي أن يرتكز على فهم معاناة الشباب نتيجة البطالة والأفق المسدود في مجال الحصول على سكن وتحقيق الاستقرار العائلي . البحث المعمق ينبغي أن ينصب حول كيفية صيانة الشخصية الميزابية من الذوبان وتوفير كافة الوسائل لترقيتها وتعميم نموذجها الناجح في التضامن والتكاتف الاجتماعي عبر كل ربوع الوطن.البحث المعمق ينبغي أن يشمل كل هذه وأكثر، إذا أردنا بالفعل أن تصبح غرداية هي الجزائر والجزائر هي غرداية، أما دون ذلك فحديث على هامش الموضوع.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/01/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشروق اليومي
المصدر : www.horizons-dz.com