الجزائر - Seraidi

عين بربر بين الماضي و الحاضر



عين بربر بين الماضي و الحاضر
عين بربر قرية عتيقة تنام على سفوح جبل الإيدوغ غرب بلدية سرايدي ولاية عنابة بعد أن عاشت حيوية و نشاط خلال الأحقاب السالفة تبرزها المعالم الطبيعية و الاقتصادية من آثار مادية و غير مادية التي تقف شاهدا على ما عرفته هذه المنطقة العريقة من ازدهار على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي الذي تغذى من طبيعة خلابة و أرض خصبة وغطاء نباتي كثيف متنوع و باطن يزخر بالمعادن المختلفة من نحاس و زنك و رصاص و احتياط كبير من الفلسباط هذه الأرض الغنية التي تمتد و تمتد لتعانق البحر على طول ساحل صخري متعرج كان صيتها مدويا و نورها متلألئ تجد اسمها في كتب أطفال المدارس و على خرائط المهتمين بثروات البلاد و اقتصاد الوطن لتوفرها على واحد من أكبر و أهم المناجم التي وُجدت في الجزائر منذ العقود الأولى للاحتلال مما جعل الاستعمار يهتم كثيرا بعين بربر و يبني قرية اقتصادية بها لمضاعفة أعمال النهب لهذه الثروة الضخمة فشد الفرنسيون و المعمرون الرحال إليها و عاشوا بها حياة البذخ و الرفاهية و تعايش معهم السكان المحليون فهم فضلوا أو أرغموا على العيش بأطراف القرية طبعا حياة الاستغلال فهم يعملون بالمنجم كعمال بسطاء أو في مزارع المعمرين أو يستغلون الأراضي الجبلية الوعرة التي لم يضع المستعمر يده عليها و يمارسون تربية المواشي على غرار البقر و الماعز و الضأن و يسكنون أكواخا من القش أو الحجارة و الطين في أحسن الأحوال لكن رغم هذه الحياة البسيطة إلا إنها عرفت استقرارا على مدى فترة طويلة من الزمن لما توفره الطبيعة من خيرات من جهة و ما يوفره النشاط الاقتصادي من عمل و تسوق و تنقل من جهة أخرى هذا النشاط هو المنجم أو بالأحرى المناجم فالمتجول بعين بربر يجد عديد الخنادق التي تتوغل في باطن الأرض باحثة على المعادن استغلت في أزمان متعاقبة آخرها منجم عين التوتة الذي انطلقت به الأشغال سنة 1926 و أنشئت له محطة للفرز و المعالجة بالقرب من الميناء و هو ميناء صغير غير مجهز يستعمل فقط لنقل المعدن الخام إلى ميناء عنابة يربط بين المنجم و المحطة مصعد هوائي تيليفريك كان استغلال المنجم يتم بوتيرة و بلهفة يوحي إليك كأن المستعمر كان يشعر بقرب رحيله نعم خلال هذه الفترة اندلعت الثورة التحريرية و لعل هذه التضاريس الوعرة المسالك وسط الغابات الكثيفة و الصخور المنتصبة على سفوح الجبال و أطراف الوديان كانت معقلا للثوار بل هي كانت مركزا للعبور و النقاهة فلا وجود لمجاهد خاض الكفاح المسلح في الشرق الجزائري لا يعرف عين بربر حتى أن كثيرا من قادة الناحية كانوا يتمركزون بالمنطقة لقد ذكر القائد سي محمد قديد في سرد واقعة الشهيد البطل قويسم عبد الحق " كانت مجموعتان تتكون من 18 مجاهد أغلبهم مسؤولون انتقلنا إلى المنطقة الرابعة بعدما كنا متمركزين بناحية عين بربر فى اتجاه مقر الولاية الثانية بتراب المنطقة الثالثة بناحية القل لحضور اجتماع العام لإطارات الولاية السياسية و العسكرية لتدارس الوضع على الساحتين العسكرية و السياسية فى ظل الأوضاع الجديدة التى وصلت أليها القضية بعد المفاوضات الجارية بين قيادة جبهة التحرير الوطني و العدو الفرنسي " هذه شهادة محررة تدل على أن عين بربر كان بها مسؤولون و سياسيون في جيش التحرير لذا حشد المستعمر قوات كبيرة بالمنطقة موزعة على مفرزتين إحداها بعين بربر و الثانية بعين التوتة ما زالت منها مراكز الحراسة قائمة ، كما قام العدو بتجميع السكان في محتشدين مطوقين بأسلاك شائكة و تحت الأضواء الكاشفة لكن هذه الإجراءات الردعية لم تمنع المواطنين من الاتصال بالثوار و إمدادهم بالدعم اللوجستيكي إلى غاية طرد المحتل و استقلال البلاد و رحيل المستوطنين و المعمرين مع بقاء بعض الفرنسيين التقنيين المنجمييـن حتى تأميم المناجم سنة 1966 . بعد الاستقلال استمر استغلال المنجم و استمرت الحياة باعتبار المنجم هو القلب النابض لعين بربر إلى غاية نهاية السبعينات لما ضعفت طاقته الإنتاجية و تقلص عدد العمال و أصبح لا يوفر العمل لكل السكان و أمام تجاهل المجالس البلدية لاحتياجات السكان من عمل و سكن و تعليم خاصة فأصبحت لا توفر للمتعلمين سوى المرحلة الابتدائية ما أرغم الكثير على الرحيل إلى مدينة عنابة أو سرايدي كما عادت بعض العائلات التي قدمت من مناطق أخرى و التي استقرت هناك قصد العمل إلى بلداتها أو إلى وجهات أخرى و انخفض عدد السكان و ظهر الاحتياج لدى بعض العائلات رغم إنشاء مصنع بروميطال لإنتاج المراجل الذي وظف الكثير من السكان و بالموازاة مع هذا يحترف بعض الأفراد مهنة الصيد البحري يستخدمون ميناء غير مجهز بالوسائل اللازمة ما جعل عدد الصيادين قليل ووسائلهم بسيطة الساحل يعرف تناقص ملحوظ في الأسماك على غرار السواحل الجزائرية يجد هؤلاء الصيادون مشاكل متعددة على رأسها التسويق و التبريد ، أما تربية المواشي لا يعتمد عليها السكان كمصدر رزق أساسي رغم أن هذا النشاط تمارسه عائلات كثيرة إلى أن تقلص مع بداية العشرية السوداء هذه السنوات التي عانى خلالها المواطنون الويلات باعتبار المنطقة أقل ما نقول عنها إنها كانت ميدانا للمعركة مما أجبر الكثير من السكان على الرحيل فرادى و جماعات خاصة بعد سقوط عشرات الضحايا حتى خلت من سكانها تماما فلم يطأها أحد إلا بعد ثلاث سنوات عندما استقر بها الأمن و خضعت السكنات للترميم حينئذ عاد القليل من الذين رحلوا مثل الصيادين و أكثرهم فضلوا الاستقرار في المناطق التي انتقلوا إليها على العودة إلى عين بربر و التي أصبحت بالنسبة لهم مزارا يحجون إليه كلما اشتاقوا إلى دروبها أو استنشاق هوائها و الوصول إليها يضعك على طريق كثير التعرجات و المنحدرات بين الأشجار الطويلة و الغابات الكثيفة تستقبلك عين بربر بشربة ماء باردة من عين النشعة إنه منبع يتدفق من أسفل الصخور بمدخل القرية عندها تجد مفترق الطرق لو تستدير نحو اليمين تصل إلى الحي العتيق وما هي إلا مسافة مئات الأمتار حتى يتراء لك منظر جميل مخطط أرضي مائل plan incliné طبيعي يمتد من قمة الجيل إلى أن يلامس صفحة الماء على الشاطئ يصنف من أحسن المخططات المائلة الطبيعية في العالم و الوصول يكون على الشاطئ عند الميناء فهي محطة الزوار لا تنسى أن تنظر خلفك ليخيل لك أنك أسفل قمع يتسع كلما رفعت نظرك و بالقرب منك تنتصب هياكل المنشآت الاقتصادية تعود إلى أحقاب مضت إنها مناظر تفتن البصر




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)