هكذا هي السّمراء، منذ الأزل وهي تعاني داء الانقلابات العسكريّة التي عصفت بأمنها ورهنت استقرارها، وجعلتها القارة الوحيدة على وجه المعمورة التي لا يتم التغيير السياسي فيها إلا عبر القوة، ولا يصل الحاكم إلى سدّة الحكم في الكثير من دولها، إلا ممتطيا ظهر دبابة مرتديا بزّته العسكرية عابثا بقواعد الديمقرطية وبالانتقال السلمي للسلطة الذي يسحق في الغالب تحت جزمته.إنقلاب عسكري آخر في بوركينافاسو هو الثاني في أقل من سنة سيرفع بالتأكيد عدد الانقلابات التي شهدتها إفريقيا خلال نصف قرن إلى ما يقارب المائة، لكنه في الوقت ذاته لا يشكّل أي صدمة أو حتى مفاجأة بقدر ما يمثّل خيبة أمل كبرى، لأن بوركينافاسو كان بينها وبين انتخاب رئيس جديد مسافة شهر واحد ليطوي البوركينابيون إرهاصات الانقلاب العسكري الذي أطاح نهاية أكتوبر من السنة الماضية بالرئيس بيلز كومباوري الذي إلتصق بكرسي الحكم لما يقارب الثلاثة عقود، وكان يسعى لتعديل الدستور بالشكل الذي يسمح له بحصد ولاية أخرى. وقد اعتبرت تنحية هذا الديناصور حليف الغرب ربيعا إفريقيا استحاب له الشعب وهلّل له كثيرا معتقدا بأنه سيثمر عهدا جديدا من الديمقراطية.لكن هيهات، فقدر بوركينافاسو مع الانقلابات سيطول على ما يبدو، ومعروف أن هذه الدولة التي كانت تسمى «فولتا العليا»، حصت ستة انقلابات عسكرية خلال 54 عاما، ما جعل لديها رصيدا ضخما من الإضطرابات.ما جرى في بوركينافاسو السنة الماضية والأربعاء الماضي ليس استثناءً، فدول إفريقية عديدة عانت من داء الانقلابات التي جرّتها إلى حروب ومذابح وأزمات إنسانية ناهيك عن التخلّف التنموي والتدخلات الأجنبية المشبوهة.لقد وجدت الانقلابات أرضيتها الخصبة على ما يبدو في إفريقيا، إذ ما أن تنتهي فصول واحد منها في بلد حتى تبدأ فصول آخر في بلد ثان، وقد سجّلنا في ظرف الثلاث سنوات الأخيرة فقط أربعة إنقلابات عسكرية، وقع الأول في مالي في 22 مارس 2012، ثلاه بعد سنة واحدة انقلاب ثان في جمهورية إفريقيا الوسطى والثالث جرت وقائعه في بوركينافاسو نهاية أكتوبر 2014 والرابع تجري وقائعه حاليا في نفس الدولة التي شرّعت أبوابها للمجهول بكل مخاطره وتحدّياته.إن الانقلابات العسكرية، حتى وإن لبّت في بعض الأحيان رغبة الشعب في التخلص من رئيسه كما حصل مع كامباوري، تعتبر أسوأ طريقة للتداول على السلطة، لأن نتائجها في الغالب وخيمة، حيث تدخل البلدان التي تقع فيها في أزمات سياسية وأمنية تعيق التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي، ما يفسّر بقاء السّمراء بعد نصف قرن من استقلال جلّ دولها وبرغم ما تكتنزه من ثروات غير قادرة على تحقيق طموحات شعوبها التي يعيش الكثير منها على التسوّل وفي ظروف تجتمع كلّها لتدفعه إما إلى الهجرة وركوب مخاطر البحر أو حمل السّلاح والانخراط في التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية.فمتى تطلّق إفريقيا زمن الانقلابات لتعيش الاستقرار السياسي الذي يعتبر الركيزة الأساسية لأي نموّ وتطوّر ؟
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/09/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فضيلة دفوس
المصدر : www.ech-chaab.net