الجزائر

عندما يغيب التّراحم في شهر الرّحمة!



عندما يغيب التّراحم في شهر الرّحمة!
يحدث أن تمرّ في صباح كلّ يوم من أيام رمضان، بالمحلات التي تبيع أكياس الحليب، فتلفت انتباهَك طوابير الصّائمين الذين يضطرون إلى الاستيقاظ في ساعات الصّباح الأولى لأجل الظّفر ببضعة أكياس، ومنهم من يوقظ أبناءه ليشاركوه هذه المهمّة اليومية، وقد يتوزّع أفراد الأسرة الواحدة على عدة محلات لتحصيل أكبر عدد ممكن من تلك الأكياس التي يزداد عليها الطّلب في رمضان..يبدو لك من أوّل وهلة أنّ أولئك الذين يكابدون مشقّة الوقوف في تلك الطّوابير الطّويلة بشكل يوميّ، جميعهم مِن أصحاب الدّخل الضّعيف والمتوسّط، فلا تملك إلا أن تقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل في هذه الحكومة التي تعذّب شعبها بأكياس الماء الملوّن"، لكنّك تدقّق النّظر في حال أولئك المعذّبين، فترى بينهم كثيرا من ميسوري الحال الذين يمكنهم اقتناء علب الحليب وإيثار الفقراء بالأكياس، لكنّهم يصرّون على مزاحمة الفقراء وعلى الدّخول في خصامات ونزاعات يومية لأجل أن يوفّروا بضع عشرات من الدّنانير، ولو أدّى بهم الأمر إلى التأخّر عن أعمالهم وإلى إنفاق أموال زائدة في أبواب أخرى لأجل الحصول على أكياس الحليب، ومن ذلك أنّ أحد هؤلاء استأجر سيارة ب300 دج لتطوف به حول المحلات بحثا عن الأكياس المفقودة، ليعود في النّهاية بخفّي حنين!وما قيل عن طوابير الحليب يقال ما هو أنكى منه عن طوابير قفّة رمضان، حيث يرتضي بعض الموسرين أن تهدر كرامتهم ويقضوا ساعات طويلة تحت لفح الشّمس لأجل أن يظفروا بمساعدات لا تتعدّى قيمتها 5000 دج، هي في الأصل مرصودة للفقراء الذين يمثّل هذا المبلغ قيمة مهمّة بالنّسبة إليهم.. بل ربّما يستعين الموسرون بالوساطات ليُحصّلوا ما ليس من حقهم.مثل هذه المظاهر، كان يفترض أن تغيب عن واقعنا سائر شهور العام، لأنّنا مسلمون نسمع ونحفظ حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"، وأحرى أن تغيب في رمضان الذي يُفترض أن يكون شهرا للتراحم والتآزر، تمتدّ فيه أيادي الأغنياء والموسرين لإعانة إخوانهم الفقراء والمساكين. ففي هذا الشّهر يجد الغنيّ والموسر وطأة الجوع، فيحسّ بحاجة إخوانه، فيؤثرهم بشيء ممّا أنعم الله به عليه، ويتنازل عن بعض الكماليات لأجل أن يعين إخوانه في تحصيل الضّروريات.إنّه لأمر مؤسف حقا حين تتوالى أيام رمضان، من دون أن يجد كثير منّا للصّيام أثرا في قلوبهم وأحوالهم وأخلاقهم.. ويأتي رمضان كلّ عام ويرحل، ونحن لا نزال نتحلّى بالأنانية والأثرة، همّ كلّ واحد منّا نفسه وكفى.. لا يهمّه أن يعاني جاره أو قريبه.. يغلق أحدنا بابه ويستمتع بألوان المطاعم والمآكل ويملأ رفوف ثلاجته بأكياس الحليب ومختلف صنوف الأطعمة، بينما يقاسي جاره أو قريبه، وربّما أخوه لأبيه وأمّه، لأجل أن يوفّر لأسرته ضروريات العيش.ولعلّ ممّا يحزّ في النّفس أكثر أن تسمع وترى عند الأمم الأخرى من مواقف للتآزر والتعاون في أوقات الأزمات ما يثلج الصّدر، تقابلها مواقف مشينة تتداولها عدسات الكاميرات لما يعيشه بعض المسلمين في مواسم الطّاعات!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)