غريب ما يحدث في هذه الأيّام الحوالك، من تطاول على أعلام الأمّة من فئات من الغوغائيين، ممّن لا علاقة لهم بأحكام الشّريعة ولا بمقاصدها، بل تجد الواحد فيهم ربّما لا يتقن حتّى أركان الوضوء، ومع ذلك يطلق العنان للسانه ولقلمه لينال من حملة الدِّين وورثة الأنبياء، الذين هم سبب عصمة الأمّة من الضلال، وهم أولياء اللّه الّذين قال فيهم المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم: “مَن عادى لي وَلِيًّا فقد آذَنْتُه بالحرب”.
قال أبو حنيفة رحمه اللّه: إن لم يكن الفقهاء أولياء اللّه فليس للّه وليٌّ، وقال عكرمة رضي اللّه عنه: إيّاكم أن تُؤْذُوا أحدًا من العلماء، فإنّ مَن آذى عالمًا فقد آذى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. والعلماء هم حراس الدّين وحماته من الابتداع والتّزييف، ففي السنن يقول عليه الصّلاة والسّلام: “يحمل هذا العِلم من كلّ خَلَف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”. فهم صمّام أمان الأمّة، وإنّ بقاءهم نجاة الأمّة وهلكتهم هلكتها.
قال هلال بن خباب: سألت سعيد بن جبير، قلت: يا أبا عبد اللّه، ما علامة هلاك النّاس؟ قال: إذا هلك علماؤهم، فهذه هي منزلة العلماء ومكانتهم في الدّين، وبالتالي يجب على كلّ مسلم أن يتأدَّبَ معهم أشدّ الأدب، قال الطحاوي رحمه اللّه: وعلماء السّلف من السّابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثـر، وأهل الفقه والنّظر، لا يذكرون إلاّ بالجميل، ومَن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل.
فانظُر، يا رعاك اللّه، إلى هذا الأدب الرّفيع الّذي ينبغي أن يكون للعلماء ورثة الأنبياء، واليوم نرى عكس ما كان من احترام العلماء وتقديرهم؛ إذ نرى أناسًا انسلخوا من أخلاق السَّلف، كما تنسلخ الحيّة من جُحرها، لا يراعون لشيخ حُرمة، ولا يوجبون لطالب علم إلاًّ ولا ذِمّة. وهاك، للأسف، صورًا من عدوانهم وتطاولهم: فهذا أحدهم يعيِّر العلماء بأنهم فقهاء الحيض والنفاس، والآخر يخاطبهم قائلاً: متى تخرجون من فقه المراحيض ودورات المياه؟! وثالث يصف أحد علماء الأمة وخيرتها بمفتي الناتو، “كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا”، ورحم اللّه الإمام أحمد الذي كان يخاطب من عذبوه واتهموه قائلا: “بيننا وبينكم الجنائز”.
إن تكفير العلماء وتضليلهم وتبديعهم صار، عند هؤلاء الشواذ، من البديهيات التي لا تحتاج إلى نقاش، بل بلغت السفالة والحماقة ببعضهم أن يصف أشراف الأمة وسادتها بأنهم من عيِّنة المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع؟! لا إله إلا اللّه. مما لاشك فيه أن هؤلاء الصبية إن أنصفناهم قلنا: إنهم قليلو التربية إن لم يكونوا معدَميها. لقد كَفَّرَ القرآنُ جماعةً من المنافقين إذ سخروا من مجموعة من الصّحابة القُرَّاء، ووصفوهم بالجبن وكبر البطن، فأنزل اللّه تعالى قوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّه وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/06/2013
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : الشيخ عبد المالك واضح
المصدر : الخبر الجمعة 14 جوان 2013