الجزائر

عن كركلا والألعاب النارية... هوامش



عن كركلا والألعاب النارية...                                    هوامش
في هذا الفضاء كتبت منذ عام هامشا بعنوان "هرمنا يا كركلا" بمناسبة إشرافه على العمل الاحتفالي الذي افتتحت به تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، قلت فيه بأن أمّة لا تكتب تاريخها بنفسها وتعبّر عن ذاتها بالفن والجمال ليست أهلا للمنافسة في زمن صراع الهويّات وتصادم الحضارات.
تمنّيت أن تكون آخر مرّة نلجأ فيها إليه في هكذا احتفاليات، لا انتقاصا من قيمته وفنّه، ولكن تمنيت أن يكون قد علّمنا الصيد في سواحلنا، لا أن يحمل لنا كل مرّة سلة من السمك من بحر بيروت...
لماذا أحسّ كثيرون مثلي بالخيبة ليلة الخامس جويلية، وهم يشاهدون من وراء شاشات التلفزيون بداية الاحتفالات بخمسينية الثورة، هل لأن هذه الاحتفاليات كانت دون سقف تطلّعاتهم، وما كانوا ينتظرونه منها أم أن هناك أسبابا أخرى أدّت إلى هذا الإحساس؟
كان الكثيرون يتوقعون أن يشمل العرس جميع الجزائريين بدون استثناء، وتطال الفرحة جميع ربوع الوطن، فإذا بها تتوقف عند ميناء سيدي فرج، في احتفالات رسميّة بحتة كان حظّ بسطاء الجزائريين فيها قليلا.
الجزائريون الذين تقاسموا أهوال المحن التي تنوء بحملها الجبال الراسيات، وتشاركوا هموم الوطن الذي حلموا به أخضرا، تتسع أفراحه للجميع وجدوا أنفسهم منسيين في عرسهم.
كنت أتمنّى أن تكون دعوة الجزائريين للفرح والاحتفال بنفس الحدّة والإلحاح الذي يدعون به إلى الالتفاف حول وطنهم الجزائر. في أوقات الملمّات والشدائد والمدلهمّات حين يجدّ الجدّ، كأن يكون بنفس الطريقة التي دُعوا بها إلى انتخابات العاشر ماي منذ شهرين، التي شكّلت منعطفا حاسما في تاريخ الجزائر، حين كانت الجزائر على شفا حفرة من الربيع العربي.
كنت أتمنّى أن يكون فرحنا أبسط مما كان، بساطة شعبنا، وأن يكون أعمق وأكثر تمثيلا لإنّيتنا الجزائرية، وما هو أصيل فينا، لا أن يكون فرحا مستوردا شكلا ومحتوى، يكون على طريقتنا نحن بالزغاريد والبارود العربي والفنتازيا لا على طريقة شرق كركلا في دبكاته، ولا على طريقة الغرب في ألعابه النارية..
متى كانت الألعاب النّارية المستوردة من الصين، والتي تعتبر مظهرا فرنسيا مسجلا في احتفالات 14 جويلية، مظهرا من مظاهر الاحتفال بأعياد الجزائر ؟ كأننا نحاول أن ننافس فرنسا كي نصبح ندّا حضاريا لها من حيث نقلّدها تقليدا أعمى، لا طائل من ورائه غير هدر المال العام.
بعد خمسين سنة من الاستقلال لم يكن حريا بنا أن نفكّر في استيراد مظاهر فرحنا، فعندنا لو وثقنا في أنفسنا ومقدّراتنا وكفاءاتنا ما يكفي ويصدر إلى الخارج، وما كان يغنينا عن اللجوء إلى كركلا لكي يهندس لنا ملحمة "أبطال القدر"، بطريقته النمطية المكررة، التي سبق وأن شاهدناها في احتفالية تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، التي لا يحسن غيرها، طريقته الوفية لثقافته وتراثه الذي تربّى عليه، ولا يمكن أن ينضح إلا بما فيه. ومن غير المنطقي أن نطالبه بأن يكون خبيرا في طبوعنا الغنائية،وفي رقصاتنا المتنوعة، وفي طرائق تعبيرنا الكوريغرافية.ولذلك فإن العيب ليس في كركلا، ولكن في من اختاره وأوكل إليه مهمّة الإشراف على "أبطال القدر".
ليس لأحد أن يقنعنا بأن الجزائر بعد خمسين سنة من الاستقلال لا تملك كوريغرافيين وفنّانين بمستوى كركلا، قادرين على تصميم وإخراج احتفالياتنا، وعلى كتابة نصوصنا وصياغة ملاحمنا، بشكل ينسجم مع خصوصياتنا الثقافية وتقاليدنا التي تربّينا عليها وتوارثتها الأجيال، أبا عن جد.. هل يستطيع أحد مثلا أن يقنع خليجيا سعوديا بالتخلّي عن لباسه الممّيز وسيفه ورقصته أو يقنع زنجيا إفريقيا بالتخلّي عن عريه وإيقاعه، وهو يحتقل بعيده الوطني.
وإذا فرضنا حقّا بأننا لا نملك كوريغرافيين بمستوى كركلا، مؤهلين وخبراء في التعامل بالبريد الإلكتروني، ألم يكن حريّا بنا أن نعرف قدر أنفسنا، ونعمل بما لدينا من إمكانات وطاقات فنية وإبداعية، هل كنّا بحاجة إلى كل هذه البهرجة المكلفة في الاحتفال بعيد استقلالنا الخمسين في وقت ندعو فيه مواطنينا إلى التقشف وشدّ الحزام.
مجرد أسئلة بريئة أطرحها في خمسينية الثورة، طرحتها قبل الاحتفال وبعده وكل عام والجزائر بخير وبهاء وفرح.
أحمد عبدالكريم


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)