الجزائر - A la une

عن داري «أكت سود» و»سولان» الفرنسيتين سيرة جديدة بالفرنسية للروائي مولود فرعون



عن داري «أكت سود» و»سولان» الفرنسيتين سيرة جديدة بالفرنسية للروائي مولود فرعون
كان الكاتب الجزائري الراحل مولود فرعون يكتب بالفرنسية كي يقول للفرنسيين بأنه ليس فرنسيا، كتب «ابن الفقير»، «الدروب الوعرة» و»الأرض والدم» في سرديات تنبثق من أعماق الوطن الجزائري القابع تحت الاحتلال، ولم ينس فضح «ظلام الاستعمار» ليقول للفرنسيين: لا، بلغتهم.أصدرت دار نشر «أكت سود» الباريسية، بالتعاون مع دار «سولان» بمناسبة مرور نصف قرن على اغتيال الكاتب الجزائري الفرنكفوني (1913-1962) على يد «منظمة الجيش السرّي» الفرنسية (OAS)، سيرة مهمة عن حياته وضعها الصحفي والكاتب الفرنسي جوزي لانزيني.
وأهمية هذه السيرة تكمن أولا في كونها المحاولة الأولى لسرد قصة حياة فرعون الغنية بالأحداث والإنجازات. وفي هذا السياق، نتعرف أولا على ظروف ولادته ونشأته في قرية «تيزي هيبل» داخل عائلة أمازيغية فقيرة لم يمنعها بؤسها من تعليمه، فالتحق بالمدرسة الابتدائية في قرية «تاوريرت موسى» المجاورة، واستطاع بفضل مثابرته واجتهاده الحصول على منحة دراسية سمحت له بالالتحاق بالمدرسة الثانوية في قرية «تيزي وزو»، ثم بمدرسة المعلمين في الجزائر العاصمة.
ولأن المدرسة لم تكن مصدر ثقافته الوحيد، يتوقف لانزيني مطولا عند العادات والتقاليد الأمازيغية التي تشرّبها فرعون منذ نعومة أظفاره، وعند الحركات الثورية الأمازيغية ضد المستعمر الفرنسي التي تركت قصصها أثرا بالغا داخله، وعلى رأسها ثورة الشيخ المقراني عام 1871، دون إهمال دور المحيط النسائي في تعليمه الرقة والمقاربة السلمية للآخر من خلال قصص كانت تسردها له عمّاته وخالاته ويتفوّق فيها منطق الرأفة والمحبة على منطق العنف.
في روايته الأولى «ابن الفقير» (1950) التي تشكل نوعا من السيرة الذاتية، لم يسع إلى التحدث عن نفسه بقدر ما عكف على تصوير الشعب الأمازيغي الذي انتمى إليه.
وبعد تخرجه، اشتغل فرعون في التعليم، فعاد إلى قريته وعين فيها مدرسا عام 1935، ثم انتقل عام 1946 إلى المدرسة التي استقبلته تلميذا في قرية تاوريت موسى. وانطلاقا من عام 1952، نشط في إطار العمل الإداري التربوي قبل أن يُعين مديرا لمدرسة «نادور» في العاصمة عام 1957، ثم مفتشا لمراكز اجتماعية عام 1960. ولسد النقص في الإمكانيات الموضوعة تحت تصرّفه، لجأ إلى أنماط تربوية حديثة -بما فيها اللعب- لتنمية حب المعرفة لدى تلاميذه.
إلى جانب جهده التربوي اللافت، يكشف لانزيني نشاط فرعون النقابي الذي حاول من خلاله مواجهة سياسة التمييز العنصري التي اتبعها المستعمِر الفرنسي في جميع المجالات، وأدّت إلى إفقار الجزائريين، تجويعهم، إذلالهم ومصادرة أراضيهم، مما دفع بالكثير منهم إلى مغادرة البلاد للعمل في المنفى في ظروف صعبة، كما فعل والد فرعون طوال حياته.
أما نشاط فرعون الكتابي، فيتناوله لانزيني بشكل مسهب، داخل السيرة وفي ملحق خاص في نهايتها، مبينا قيمته الأدبية الكبيرة ومضمون كتبه المثير الذي يعكس فكرا سلميا نبيلا، ونفاذ بصيرة بالنسبة إلى الأوضاع السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والإنسانية التي عايشها، وبالتالي التزاما بقضايا أمته بعيدا عن أي تطرّف.
ففي روايته الأولى «ابن الفقير» (1950) -التي تشكل نوعا من السيرة الذاتية- لم يسع إلى التحدث عن نفسه بقدر ما اعتنى بتصوير الشعب الأمازيغي الذي انتمى إليه، بعيدا عن المقولات المتداولة حوله.
وفي رواية «الأرض والدم» (1954) قارب موضوع المنفى بصعوباته ونتائجه على شخصية المنفي، كما تناول موضوعي الهوية والشرف. وفي كتاب «أيام قبائلية» (1954) صوّر بأمانة مؤثرة وطرافة مشاهد من الحياة اليومية في القرى الأمازيغية. أما في رواية «الدروب الوعرة» (1958) فكشف -من خلال قصة حب- صدام ثقافتين: الثقافة التقليدية للقرية الجزائرية وثقافة المهاجر، واستعان بشخصية نسائية فرنسية لنقد سلطة الاستعمار.
وفي البحث الذي يحمل عنوان «أشعار سي محند» (1960)، عمد فرعون إلى ترجمة عدد كبير من قصائد الشاعر الأمازيغي «سي محند»، مع استخلاص المراحل الرئيسية لحياته، ومن خلال ذلك، تقديم شهادة إضافية على مقاومة الشعب الأمازيغي للاستعمار الفرنسي بواسطة الشعر التقليدي.
وفي ديوان «رسائل إلى الأصدقاء» (نشر عام 1969)، نقرأ جزءا مهما من مراسلاته مع أساتذة، أدباء وناشرين، مثل إيمانويل روبليس وألبر كامو. بينما يتألف كتاب «الذكرى» (نشر عام 1972) من نصوص متفرقة، قارب فرعون فيها الأدب الجزائري أو موضوع الاستقلال الحتمي لوطنه، رصد رواية «مدينة الورود» (نشر عام 2007) التي لم يتمكن من إنجازها إلى معركة الجزائر العاصمة وجعل منها استعارة لاستحالة التعايش بين الجزائريين والفرنسيين في الجزائر.
أما كتاب «يوميات» (1955-1962)، فيشكل شهادة قيمة على حرب الجزائر لوصف فرعون فيه أحداث هذه الحرب الصغيرة والكبيرة، كما يشكل مرجعا مهما يسمح لنا بمتابعة تطور موقفه من هذه الحرب التي ستحصد مئات آلاف من القتلى قبل أن تجعل منه ضحيتها الأخيرة.
وحول استخدام فرعون الفرنسية لغة لكتبه، يقول لانزيني؛ «فرعون ليس من أولئك الذين يعتقدون بأن اللغة الفرنسية هي حتما لغة الاستعباد والاستعمار الثقافي، بل ما سمح له بفهم الآخر، تفسير نفسه، قول اشمئزازه وقرفه لأكبر عدد ممكن، بالتالي بلوغ أرضية الآخر بواسطة هذا السلاح المشترك الذي وصفه كاتب ياسين (بجزية حرب).
ولأن فرعون استوحى معظم كتبه من معيشه، اعتمد لانزيني عليها بشكلٍ كبير لكتابة سيرته، كما يتجلى ذلك في الاستشهادات الغزيرة المقتطفة من هذه الكتب، والتي تمنح نصه بعدا أنطولوجيا أكيدا. وفي حال أضفنا الأسلوب الجميل الشيّق الذي صقله لكتابة هذه السيرة ومعرفته العميقة بتاريخ الجزائر التي تظهر في استطراداته التي لا تحصى حول هذا الموضوع، لتجلت لنا كل قيمة عمله.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)