الجزائر

عن دار «القصبة» حياة عبد الحميد بن زين في رواية «تالغودة»



صدرت مؤخّرا عن دار «القصبة» للنشر، الترجمة العربية لرواية «تالغودة» لعمر مختار شعلال التي تحكي جزءا من سيرة حياة وكفاح الصحفي والمناضل في الحركة الوطنية عبد الحميد بن زين، خلال الفترة 1931-1945 بين بجاية وسطيف، وقدّمها شعلال في أسلوب بسيط وممتع، تمازجت عبر صفحاتها ال 238 طفولة بن زين وحياته الشخصية بواقع الجزائر المر إبان الاستعمار الفرنسي، زمن الحرب العالمية الثانية، ولكن «الكتاب ومع أنه يستلهم وقائع وأقولا حدثت بالفعل، إلا أنه في النهاية رواية تمتزج فيها الحقيقة بالخيال»، يقول المؤلف. وذكر الروائي في مقدمة عمله -الذي ترجمه مختار عالم- بآخر أيام بن زين من خلال لقاءاته معه في شقته بباب الوادي في الجزائر العاصمة، حيث كان يعاني من مرض خطير ألزمه الفراش وأودى بحياته في 2003، فبن زين وقبل وفاته -يقول شعلال- كانت في جعبته عدة مشاريع أدبية، أهمها تدوين قصة حياة الشاعر التركي الملتزم ناظم حكمت الذي كان بن زين يكنّ له إعجابا شديدا.
وجاء في الرواية، أنّ المحيط العائلي والثقافي الذي نشأ في أحضانه بن زين بين بني ورثيلان وحمام قرقور(على الحدود بين سطيف وبجاية)، كان له أكبر الأثر في صقل شخصيته، حيث كان شديد التأثر بجدته الشاعرة تاسعديت التي تكفلت بتربيته، غير أنّ حياة بن زين عرفت تحوّلا كبيرا بقرار والديه منح حضانته لعمه القاضي زين العابدين الذي أخذه معه إلى مدينة بجاية، حيث كان يقطن.
وفي بجاية -المدينة التي حملت أحلام هذا الطفل الريفي وعرفته بالكثير من الأصدقاء- كانت يومياته تتأرجح بين حفظ القرآن والتعلم بالمدرستين الفرنسية والعربية، وبين الحي الشعبي «باب اللوز» والميناء -يضيف الكاتب-، فتح بن زين عيناه على معنى العمل الشاق لحمالي الميناء، كما تعرف على الإضراب، وكل هذه الأمور أفهمته طبيعة الهيمنة والاضطهاد اللذين كان يسلطهما المعمرون على الجزائريين.
وكان عام 1939 منعطفا مهما في حياة بن زين، إذ غادر بجاية وهو في الثالثة عشر من العمر إلى سطيف، حيث التحق بالمدرسة الفرنسية الثانوية، لينضم بعدها في 1940 إلى حزب الشعب الجزائري وكله وعي بفكرة التحرّر وضرورة العمل مع من يؤمنون به، ومثّل نزول القوات الأمريكية والإنجليزية في الجزائر في نوفمبر 1942 أهمية كبرى للجزائريين، خصوصا مع وصول الجيش الإنجليزي إلى سطيف، حيث أدرك الناس أن الجيش الفرنسي الذي انهزم أمام الألمان ليس بتلك القوة التي كانوا يعتقدونها.
وبتوقف الدراسة في الثانوية، اضطر بن زين في 1942 إلى مغادرة مقاعد الدراسة للتوجه إلى العمل قصد مساعدة عائلته، في ظلّ الفقر المدقع الذي كان يعيشه الجزائريون آنذاك، فينتقل الشاب عبد الحميد إلى القصر، وهناك يتعرّض لأوّل اعتقال له بتهمة التحريض على «المساس بالأمن العام».
وفي خريف 1944، يعود بن زين وزملاؤه للالتحاق بالدراسة، فيكون شاهدا على المجاعة التي ألقت بأوزارها، وأثّرت إحدى رحلاته إلى بوڤاعة قرب سطيف، فيه كثيرا عندما وقف على هلاك عائلات بأكملها نتيجة الأمراض والجوع، فكان لمشهد أم وطفليها وهم يتنازعون وطائر العقاب على «التالغودة» -النبتة التي كان سكان المنطقة يملأون بها بطونهم في عز أيام المجاعة- التأثير العميق في نفس بن زين، إلى درجة أن الكاتب اختار «التالغودة» عنوانا لروايته.
في 8 ماي 1945 تاريخ نهاية الحرب العالمية الثانية، شارك بن زين في مسيرة سلمية نظمت بسطيف، تحت إشراف حركة أحباب البيان والحرية قصد تذكير زعماء «فرنسا الحرة» بوعود حق تقرير المصير التي قطعوها على أنفسهم تجاه الشعوب المستعمرة، وجاء رد الفرنسيين قاسيا لبن زين، مما جعله يغادر إلى بوڤاعة، ليعود بعد ما هدأت الأمور إلى سطيف قصد الالتحاق مجددا بالمعهد، ولكن تم اعتقاله وزجّ به في المعتقلات، حيث تعرض لأبشع أشكال التعذيب، إلى حين إطلاق سراحه في 1946.
وختم عمر مختار شعلال روايته بتفاؤل بالاستقلال، مذكّرا باتّصال بن زين بعد تحرّره بحزب الشعب الجزائري المحظور ومشاركته في لقاءات مع المناضلين قصد إعادة إحياء هياكله المفككة، مؤكّدا في نفس الوقت على أنّ 8 ماي 1945 الذي مثل انتصارا على الفاشية، مثل أيضا «انتصارا للفاشية». الرواية وإن كانت مشوقة وعبرت من خلال حياة بن زين عن وضع الجزائر في الثلاثينيات والأربعينيات، وكيف أن الحركة الوطنية مهدت بنضالاتها لقيام ثورة الفاتح نوفمبر 1954، شابتها أيضا بعض الأخطاء الإملائية والنحوية.
ولد عمر مختار شعلال بسطيف سنة 1946، إذ عرف بنضالاته في حزب الطليعة الاشتراكية، وله عدة مؤلفات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)