الجزائر

على ماذا يراهن الجزائريون لاسترداد حقوق الشهداء؟ باريس تنفخ لإحياء عظام الأرمن وتراهن على النسيان لدفن ماضيها في الجزائر



لم تكتف فرنسا برفض الاعتراف والاعتذار عما فعله الاستعمار في حق الجزائريين، بل طمست قرنا من الزمن بجرة قلم، من خلال مطالبة تركيا بالاعتراف بجرائمها ضد الأرمن، بينما تغاضت هي عن رؤية جرائمها في الجزائر. الأسرة الثورية ترى في ذلك استفزازا مع سبق الإصرار والتعمد، في وقت تلتزم السلطة الصمت. إذا كان مشروطا على أنقرة أن تنظر إلى ماضيها في المرآة مثلما نصحها بذلك نيكولا ساركوزي، فلماذا يتمنع ساسة باريس عن فعل ذلك، بشأن ماضيها الاستعماري في الجزائر، حتى بعد 50 سنة من الاستقلال؟ ربما فرنسا تراهن على النسيان وعلى رحيل جيل الثورة الحاكم، كما تمنى ذلك برنار كوشنير. ولكن الجزائريين يراهنون على ماذا لاسترداد حقوق شهدائهم؟
تملك أوراق ضغط لا يراد تفعيلها ضد فرنسا
الجزائر تشترط الاعتذار وتفاوض ''بزنس'' تحت الطاولة

 ذكر السعيد عبادو، الأمين العام لمنظمة المجاهدين، أن ''هناك إرادة سياسية حقيقية بالجزائر لدفع فرنسا إلى الاعتراف بجرائمها، وهي ملموسة، ربما الظروف لا تسمح أحيانا لتفعيلها''. هذا التصريح يوحي بأن الجزائر تملك أوراق ضغط حقيقية على فرنسا لكنها موضوعة في خانة ''مع وقف التنفيذ'' لأسباب عليها علامة استفهام. ستجتمع أحزاب التحالف الرئاسي، اليوم، للتنديد مرة أخرى بجرائم فرنسا الاستعمارية ومطالبتها بالاعتراف والاعتذار، وهو موقف ظل يطرح ويتكرر في خطابات الطبقة السياسية الجزائرية برمتها، وحتى لدى مسؤولي الدولة، دون أن يعرف طريقه ولو مرة إلى طاولة المفاوضات الرسمية بين البلدين. وبقيت المسافة نفسها بشأن ملف الذاكرة مطروحة بين الجزائر وفرنسا، رغم رفع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مستوى جرائم فرنسا إلى جرائم النازية، ورد الرئيس ساركوزي في قسنطينة بمقولة ''الطابع الظالم للاستعمار'' كأقصى ما يمكن تقديمه للجزائريين، كما جاء على لسان وزير خارجيتها ألان جوبي الذي قال ''ينبغي أن نتوجه إلى المستقبل وليس إلى الماضي.. ينبغي ألا نبقى نجترّ الماضي الاستعماري''. بالنسبة لفرنسا، الجزائريون ليس أمامهم سوى اجترار الماضي الاستعماري، وهو استفزاز صريح يعني أنه ليس بوسع السلطة في الجزائر فعل أي شيء قد يضر مصالح فرنسا، ولعل ما وقع لمشروع تجريم الاستعمار الذي بادرت به مجموعة من نواب البرلمان، سوى مؤشر على ذلك، خصوصا أن هذا المشروع لتجريم الاستعمار يعدّ أول إجراء ملموس أخرجه النواب للضغط على باريس، قبل أن يتم إجهاضه ويتفرق دمه. ويجد هذا الوضع تفسيره، في أن حركة ''البزنس'' بين محور الجزائر ـ باريس لم تتأثر قط بالبرودة التي تطبع العلاقات السياسية بين البلدين، وهو ما يعني أن الورقة التي يمكن بها ثني ذراع باريس تم تحييدها في لعبة عض الأصابع، بعدما تم إخراج الملف الاقتصادي وفصله عن ملف الذاكرة، من خلال تعيين جون بيار رافاران مفوضا لساركوزي مع الجزائر حول الملف دون غيره من الملفات الأخرى المطروحة على الطاولة وتحتها. هذا الفارق الزمني بين المصالح الاقتصادية وبين التأخر في معالجة القضايا السياسية في علاقات البلدين، أظهر أن ساسة باريس براغماتيين فيما تكتفى السلطات الجزائرية بـ ''اجترار الماضي'' على حد تعبير ألان جوبي. ومن شأن الثغرة التي فتحتها فرنسا في ليبيا، حيث أصبح لها موطأ قدمين، أن تزيد من قدرتها على استفزاز الجزائر التي تستعد لإحياء الذكرى الـ50 لاسترجاع السيادة.  
الدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي
''باريس أدركت أن الأسرة الثورية موظفة من السلطة فلم تعد تأبه لصوتها''

يوضح الدبلوماسي السابق عبدالعزيز رحابي، أن الأسرة الثورية أخطأت بوضع نفسها في موقع توظيف من السلطة، ما أفقدها صوتها في فرنسا، ويقترح رحابي الإبقاء على مطلب الاعتذار قائما، لكن مع إقامة علاقات استراتيجية مع باريس.
هل التمسك بمطلب الاعتذار هو الطرح السليم والوحيد لبناء علاقات قوية مع باريس؟
 أولا، كل المسائل التي تمس علاقات الدول لا يوجد فيها طرح واحد وأوحد، إذا أردت أن تخرج من مشكل يجب تصور عدة طروحات، وفرنسا ترفض الاعتذار لأنها، كما يبدو، فهمت أن أصحاب هذا المطلب يريدون إبقاء الوضع في حالة انسداد. ففي فرنسا ما يزال اللوبي في الجنوب يحظى بقوة كبيرة ولديه وعاء انتخابي قوي، رغم وجود فرنسيين ومؤرخين ورجال في الحكومة، مستعدون لتحرير بيان سياسي يحمل الاعتذار. ففرنسا بخصوص هذا الملف رهينة لوبي نافذ يعتبر نفسه خسر الجزائر، ونفوذ هذا اللوبي وقوته مصنوعة من غياب لوبي يقابله يدافع عن الجزائر.
ما هي الأوراق التي تمسك بها الجزائر في الملف الفرنسي؟
 فلسفة اللوبي مفقودة في الثقافة السياسية الجزائرية، ومفهوم اللوبي لدينا هو اللوبي الشخصي، أما أن تكون الدولة لوبي، فهذا مازال بعيدا عن تصورات الجزائر. الدولة كانت قادرة على صناعة لوبي من المتعاملين الاقتصاديين الفرنسيين الذين يتعاملون معنا، وكان بالإمكان صناعة لوبي من أكبر جالية في فرنسا، لكن إذا أعطيتها شعورا بأنها جماعة ضاغطة، فالدولة لم توظف التجارة الخارجية ولا جاليتها في صناعة هذا اللوبي.
هل قامت الأسرة الثورية بدورها في هذا الملف؟
 خطأ الأسرة الثورية أنها وظفت ملف الثورة لأسباب سياسية داخلية ضمن ما يعرف بـ''الريعة السياسية''، وهذا التوظيف الداخلي لم يغالط الفرنسيين الذين باتوا مقتنعين بأن الأسرة الثورية تابعة للسلطة الجزائرية ولما تتحرك يفهم أنها دفعت من قبل السلطة، ما جعل مواقفها موظفة ومناسباتية. المنفذ أن نبقي ملف الذاكرة مفتوحا، لكن نعمل على ''استغلال'' فرنسا من تكنولوجيا واقتصاد وتكوين للكوادر، لأن النظر إلى الماضي فقط دون المستقبل هو خوف من الماضي. الغريب أن طرحا بدأ يظهر وهو طرح وهمي، والقائل بإقامة علاقات استراتيجية مع أمريكا نكاية في فرنسا، لأنه يعارض أهم أساسيات العلاقات الدبلوماسية، والغريب في ذلك أن أمريكا حليفة لفرنسا ولن يجعلا أبدا مصالحهما تتعارض.         
  حاوره: عاطف قدادرة

ساركوزي يبكي على مليون أرميني ويتجاهل ستة ملايين جزائري 
فرنسا تذكّر تركيا وتنسى عارها الاستعماري في الجزائر
 تجمع، أمس، الآلاف من المتظاهرين الأتراك أمام مقر السفارة الفرنسية في أنقرة لمطالبة باريس بالاعتراف بجرائمها في رواندا والجزائر، وفي ذلك رسالة أنه يتعين على ساركوزي أن يحتفظ بالنصائح لنفسه، وأن على فرنسا أن تتفرج على عارها الاستعماري الذي خلفته في الجزائر.
يجيد الساسة الفرنسيون ''النفاق السياسي والخطاب المزدوج واللا صدق''، حسب أردوغان، ولا يجدون حرجا في مطالبة تركيا بالاعتراف بإبادة الأرمن العام 1915، مثلما يفعل ساركوزي، لكن هذا الأخير ومعه الدولة الفرنسية يدير وجهه عن الحقيقة المتكشفة وعن الجرائم المروعة والمجازر الرهيبة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر. وعندما تطالب باريس أنقرة بالاعتراف بمقتل مليون ونصف من الأرمن، تتناسى الستة ملايين جزائري الذين أبادتهم على امتداد فترة احتلالها الاستيطاني للجزائر، بينهم مليون ونصف مليون شهيد قتلوا خلال الثورة التحريرية. وفي الوقت الذي يهدد ساركوزي تركيا بالسعي لتمرير قانون تجريم إنكار إبادة الأرمن، على نفس طريقة إقرار قانون معاداة السامية، يقرّ في المقابل العمل بقانون تمجيد الاستعمار واعتباره نقلا للحضارة إلى الشعوب المستعمرة، وعندما يعتقد ساركوزي أنه ''مضى من الوقت ما يكفي لاعتراف تركيا بإبادة الأرمن، بعد ما يقارب القرن من تلك الأحداث''، يتجاهل أنه مضى من الوقت ما يكفي لأن تعترف فرنسا بإبادة قبائل جزائرية كاملة وقطع رؤوس مشايخها، والاحتفاظ بهم في متاحفها، وارتكاب مجازر الثامن ماي 1945، حيث قتل 45 ألف شخص في يوم واحد، ودفن الآلاف في القبور الجماعية إضافة إلى التعذيب الجماعي.
الواضح أن فرنسا تحتاج إلى تذكيرها الدائم بجرائمها الاستعمارية في الجزائر، مع ضرورة أن ترتفع الأصوات المطالبة باعتذار فرنسا على ''عارها'' الاستعماري في الجزائر. وفي باريس نفسها يستعرض التاريخ أوراقه كل 17 أكتوبر من كل سنة، عندما رمى بوليس الحضارة الفرنسية الجزائريين أحياء في نهر السين.


أستاذ التاريخ محمد القورصو
''هل طويت صفحة الاعتذار فرنسيا أم هناك مطبات تواجه الجزائر؟''

 صرَح محمد القورصو، أستاذ التاريخ، بأن تخلي السلطات الجزائرية عن سنّ قانون يجرم الاستعمار الفرنسي، ''يشجّع أحفاد المستعمرين على مواصلة استفزازهم'' في موضوع رفض الاعتراف بجرائم الاحتلال. وقال إن الفلسفة الاستعمارية ''ستبقى منتهجة من طرف الفرنسيين، سواء أكان الحكم يمينيا أو يساريا''.
وذكر محمد القورصو لـ''الخبر''، أن فرنسا ''تعوّدت على اللعب بمشاعر الجزائريين غير مبالية بالإسقاطات السياسية على العلاقات الثنائية. لكن هل يمكننا الحديث عن خطورة هذه الإسقاطات في الوقت الذي ينمو  الاستثمار الفرنسي بالجزائر؟
ويعتقد القورصو بأن إعلان مسؤولين فرنسيين (وزير الداخلية وسفير فرنسا بالجزائر) عن رفض الاعتراف بجرائم الاستعمار، ''هو استفزاز ولكنه ليس الأول من نوعه، فقد كان مسبوقا بتصريحات شبيهة وسوف لن يكون الأخير''. وقال إنه يتساءل ''هل بإمكاننا أن نتحدث عن رد فعل جزائري حيال هذه الاستفزازات، في الوقت الذي طوي  ملف قانون تجريم الاستعمار؟ فإذا كان المشروع ناقصا كما سمعنا أو غير مستوفٍ الشروط القانونية، لماذا لم يطلب من أصحابه تصويبه؟ بل لماذا لم تنصّب لجنة رسمية للتدقيق في حيثياته القانونية والسياسية؟''. وبخصوص تصريحات وزير الداخلية، كلود غيان، الأسبوع الماضي بتركيا، بشأن ما ذكره الرئيس ساركوزي بأن الاستعمار في الجزائر ''كان ظالما''، وأن ذلك كافٍ لقلب الصفحة مع الجزائر، قال القورصو وهو  أهم المختصين في الشق التاريخي من العلاقات الجزائرية الفرنسية: ''السؤال المطروح بعد ما قاله غيان، هو: هل الصفحة طوتها فرنسا لوحدها أم توجد مطبات ومصاعب تواجه السلطات الجزائرية لتجريم الاستعمار؟ علما وباعتراف المؤرخين الفرنسيين، أن عهد ساركوزي يتميز بعودة الثقافة الاستعمارية. فإذا كان الأمر كذلك، ما هي المطبات والمصاعب ومن يقف وراءها ولصالح من؟''. أما عن ما صرح به ساركوزي في خطابه بقسنطينة نهاية 2007، فهو مجرد عبارات سقطت في سلة المنسيات لأنها لم تتبع بإجراءات تدل على أن فرنسا اتعظت وتابت وتخلت عن فلسفتها الاستعمارية في التعامل مع الجزائر''. وبشأن قول السفير الفرنسي كزافييه دريانكور لما زار سجن سركاجي الأسبوع الماضي، بأن الاعتذار غير وارد، ذكر القورصو: ''بإمكاني أن أتقبل رفض فرنسا الاعتراف بجرائمها والاعتذار عن ممارسات الاستعمار، لكن ما لا يقبل أن لا تسعى الجزائر لدفعها إلى الإقدام على هذه الخطوة. ما لا يقبل عدم وجود خطة سياسية منبثقة من بيان أول نوفمبر توحّد الصفوف وتجرّم الاستعمار. وأقول من جديد إن عدم إصدار قانون يجرم الاستعمار يشجع فرنسا على الاستمرار في استفزازاتها''.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)