الجزائر

علمها عند ربي



علمها عند ربي
الشيخ: سلمان العودةحينما كنت أهم بإعداد مادة لمقالي هذا الأسبوع كان الموضوع الحاضر في الذهن هو أحاديث الفتن والطريقة السليمة لقراءتها والتعامل معها.وقد حسم هذا الخيار مجموعة من رسائل الإخوة الأفاضل تستفسر عن مثل هذا الأقاويل المتناقلة في المواقع والمنتديات ونصيبها من الصدق .. وكيف الموقف منها ومن مثيلاتها.وقد جاء في السنة طائفة كبيرة أصطلح على تسميته ب (أحاديث الفتن ) وهي تتعلق بأخبار آخر الزمان وما يقع فيه والقتال الملاحم ونحو هذا.ويلحظ أولاً: أن في هذا الباب الصحيح وغيره والضعف عليها أغلب ولذا تجد الكتب المتخصصة في الفتن مظنة للضعيف ككتاب نعيم بن حماد وأبي عمرو الداني وابن كثير وغيرهم كثير وإن كان يقع فيها الصحيح وفي البخاري ومسلم طرف وافر من ذلك.والتحقق من صحة الحديث شرط في اعتباره وإن كان ا لسياق المتعلق بالاعتقاد أو بالحلال والحرام والأصول عامة أوكد في التحري من أبواب الفضائل والفتن والسير وغيرها.لكن يقع لبعض القراء تساهل مرذول في سوق روايات التوراة والإنجيل وسفر دانيال وكتب التنجيم والتنبؤات جنباً إلى جنب مع الأحاديث النبوية بزعم أنها تعززها وهذا يكشف هشاشة المنهج العلمي لدى الكثيرين وخضوعه للذوق والعاطفية.ثم إن فهم هذا الذي صح منها وتنزيله على محله هو من المواقع الخطرة التي يستزل الشيطان فيها بعض المؤمنين.وإذا كان الخلاف يقع في المسائل العلمية الظاهرة فكيف بالمسائل الغيبية المستقبلية الغامضة ؟!لكن يقع أن بعض المتورعين عن الخوض في مسائل الفروع البينة بحجة أن لا علم لديهم ويهجمون على اللون الآخر بلا تأن ولا روية ولا يستحضرون هيبة الشريعة فيها كما يستحضرونها في غيرها وقد كان من الشراح وأهل العلم السابقين من يقع لهم نوع استعجال في بعض علامات الساعة وأشراطها ربما بسبب قوة اليقين وقصر الأمل ولكن لا يتعدى هذا لديهم الاستعداد للمعاد وذم أهل الزمان ونحو هذا.لكن لم يتجرأ أحد ممن يعتد به في تحديد التواريخ وتقحم حرمة الغيب وتعريض نصوص الوحي للبس والريبة والشك لدى عوام المسلمين وهذه ثانية.أما الثالثة فإن أحاديث الفتن لا تنسخ المحكم من الشريعة بل المؤمن: مطالب بالعمل به وإجرائه على وجهه حتى يقوم يقين قاطع بخلافه.وجانب الأصل قوي ثابت عزيز لا ينتقل عنه إلا بمثله وليس من التقيد بسلطان الشريعة أن يدع المرء مخالطة الناس وأمرهم ونهيهم وتعليمهم اتكاءً على أحاديث الاعتزال عند فساد الزمان مثلاً لمجرد شعور عارض وإن كان هذا قد يقع بالنظر إلى حال شخص بعينه أو في زمان ومكان خاص وليس بالنظر إلى عموم الأمة.فمن الخلل البيّن أن تبنى مواقف دعم ومساندة أو انقطاع وإغفال أو حمد أو ذم أو غير هذا لمجرد خاطر عرض في الذهن أن هذا قد يكون هو ما أخبرت به الأحاديث بل يبنى هذا على قاعدة الشريعة في الولاء والبراء والحب والنصرة والمصلحة ونحو ذلك.ورابعاً: فإن هذا الباب مزلة أقدام ومظلة أفهام كما قيل ولا يحسن التشاغل به إلا للحذاق المتقنين من علماء الحديث والسنة والفقه في الدين.وبعض الكتبة صيروا أحاديث الفتن وأشراط الساعة كتركيبة لعب الأطفال يحاولها من هنا ومن هنا حتى يبدو له أنها طاوعته وأذعنت له ويختصر بهذا بحوثاً عريضة في تحديد الأشراط وتمييز كبيرها من صغيرها وترتيب حدوثها وتسلسلها وتثبيت صحيحها من سقيمها.ولست أرى وجهاً من الأهمية للإلحاح على هذه المسائل سوى استعجال الغيب والبرم بالواقع والنقص في تحري الأسباب الصحيحة وضعف التوكل على الله.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)