الجزائر

عقود استغلال لبعث الحياة فيها: حديقة باردو .. مشروع يختنق في مدينة تفتقر لرئة سياحية



لا تزال حديقة باردو، بقسنطينة، غير مستغلة بالشكل المطلوب، رغم مرور أربع سنوات تقريبا على افتتاحها، بالمقابل يطرح مشكل شح مرافق الترفيه بقوة في المدينة، فالحديقة التي كان يعول عليها كثيرا، لم تحقق الغرض منها، بسبب موقعها و تاريخ المنطقة، التي اشتهرت سابقا بانعدام الأمن، ما خلف حاجزا نفسيا يمنع الكثيرين من زيارتها، رغم جمال الموقع المتاخم لوادي الرمال و المطل على أجمل جسور قسنطينة، و تنوع الأصناف النباتية التي تتوفر عليها بوصفها مرفقا بيداغوجيا، و عليه تسعى السلطات المحلية إلى تحسين خدمات و آفاق المرفق، بطرحه للاستغلال عن طريق الامتياز، في محاولة لتوفير بدائل سياحية مناسبة.* هدى طابي
وقّع مؤخرا، مدير الإدارة المحلية عقود استغلال الفضاءات الترفيهية بحديقة باردو، لصالح ثلاثة مستثمرين، افتكوا المزايدة التي أعلن عنها قبل مدة، مع تنصيب المعنيين و التأكيد على الانطلاق في استغلال النشاطات، ابتداء من يوم الثلاثاء 17 ماي الجاري، على أن يتم تجسيد العملية تدريجيا، في أقرب الآجال، مع إلزام المتعاملين بالحرص على تجسيد المشاريع بالمعايير المطلوبة، وفقا لما تتضمنه عقود الاستغلال و دفتر الشروط.
مرفق واعد ظلمته الذاكرة
تعمل الحديقة، وفق برنامجين صباحي من التاسعة إلى غاية منتصف النهار و مسائي ينطلق إلى الساعة الثالثة زوالا، وهي الفترة التي اخترناها لزيارتها.
لاحظنا طيلة تواجدنا في المكان، بأن زواره يعدون على رؤوس الأصابع، وأغلبهم عشاق أو أصدقاء، أما العائلات فغائبة تماما، أطلنا الانتظار، لكن لا شيء تغير، عندئذ تقربنا من أحد الحراس، و سألناه عن سبب نقص الحركية و محدودية عدد الزوار، فقال، بأن هذا الوضع سائد منذ افتتاح المرفق، و أن العائلات لا تزور الحديقة إلا قليلا، ويكون ذلك خلال عطل نهاية الأسبوع في الغالب.
بعد قرابة ساعة و نصف من التجوال في المكان، لمحنا أخيرا رجلا رفقة أبنائه الثلاثة، دخلوا إلى الحديقة للتو، تقربنا منهم وجمعنا بهم حديث قصير، حيث أخبرنا الوالد، بأنه من سكان الحي، و كثيرا ما يزور الحديقة رفقة صغاره للاستمتاع بالطبيعة و الهدوء و الألعاب، خصوصا و أن المكان مجهز بعدد مقبول منها ، مشيرا إلى أن الحديقة لا تنشط فعلا، إلا بعد الساعة الخامسة و النصف تقريبا، وأن أغلب زوارها هم من سكان الحي أو الأحياء القريبة، فصورة باردو، بقيت «سيئة» ، رغم مرور السنوات و تغير الظروف، حيث لا تزال الذاكرة الجماعية، تحتفظ بتلك الصورة النمطية التي تربط الحي بكثرة الاعتداءات و السرقات، لذلك يرفض الكثيرون فكرة زيارة الحديقة، و يعتقدون بأنها تفتقر للأمن، رغم أن المرفق مؤمن بشكل جيد.
أحد حراس الحديقة قال، بأنه يوافق الرجل في طرحه، فالكثيرون يجهلون بأن الحديقة مجهزة بشكل جيد، و تتوفر على الحراسة و الأمن، و على حظيرة لركن السيارات، ولا يزالوا حبيسي النظرة القديمة للحي و لكل ما يرتبط به، وهو خطأ أرجعه إلى ضعف الإعلام، كما عبر، ولولا ذلك لتحولت الحديقة إلى وجهة أولى للقسنطينيين، خصوصا وأنها توجد في وسط المدينة.
نقلنا سؤالنا إلى خارج سياج الفضاء الفسيح، و استطلعنا خلال جولتنا، آراء بعض زبائن سوق النحاس القريب، الذي لا يبعد عن الحديقة سوى ببضع خطوات و المفاجأة أن جل من سألناهم يجهلون فعلا، بأن هناك حديقة حضرية مجانية، مفتوحة أمام الزوار يوميا، حتى أن هناك من يعتقدون بأن المشروع لم يدخل حيز الخدمة بعد.
سيدة تحدثنا إليها، قالت بأنها شاهدت الحديقة مرارا من أعلى جسر سيدي راشد، لكنها لم تفكر يوما في أن تغامر و تنزل إليها، لاعتقادها بأن المنطقة غير آمنة. وقال رجل، بأنه يفضل الفضاءات المفتوحة، مثل غابة البعراوية، على زيارة الحدائق المسيجة، لأنها تفتقد للطابع العائلي، و أضاف بأن مدخل الحديقة الرئيسي معزول نوعا ما، ولا يشجع على زيارتها، والوصول إليه يتطلب المرور خلف عدد من الورشات الميكانيكية، التي يوحي منظرها، بأن المكان ليس مناسبا للتجول العائلي.
أحد تجار باردو الذين تحدثنا إليهم، أخبرنا من جهته، بأن الحركية تكون أكثر خلال عطل نهاية الأسبوع، وعندما تبرمج بعض الجمعيات نشاطات مختلفة في المكان، حيث تستقبل الحديقة زوارا من عديد الأحياء القريبة و البعيدة، أغلبهم عائلات.
في المقابل تقل الزيارات خلال أيام الأسبوع، و تكاد تنعدم خارج فصلي الربيع و الشتاء، كما قال التاجر، مضيفا أن المشكلة لا تكمن في الحديقة لأنها جميلة و مجهزة، بل تتمثل في غياب ثقافة الاستجمام عند القسنطينيين، وهو أمر أرجعه إلى التعود، لأن ضعف المرافق و غياب الأمن و سوء استغلال الفضاءات القليلة المتوفرة على مدار السنوات، كرس فكرة الحرمان في أذهان الكثيرين، لدرجة أن منهم من قاطعوا الحدائق الحضرية على اختلافها، وتركوا استغلالها للمنحرفين و غيرهم، وهو ما يفسر ضعف الإقبال على حديقة جميلة كحديقة باردو، والتوجه إلى أماكن أخرى غير آمنة فعلا، مثل الطريق المؤدي نحو المطار.
من جانبه، قال حمزة بوعريوة، ممثل جمعية إرث لحماية وترقية التراث المادي و غير المادي بقسنطينة،بأنه يتعين على جمعيات المجتمع المدني، العمل أكثر لتنشيط هذا الفضاء، من خلال برمجة نشاطات مختلفة، من شأنها أن تعرف بالحديقة أكثر، و تشجع العائلات على زيارتها، بما يساعد على تحريك دفة السياحة الداخلية المتعثرة، خصوصا و أن موقع الحديقة سياحي بامتياز، وهو تحديدا ما دفع أعضاء جمعيته، إلى تنظيم إفطار جماعي في الحديقة خلال شهر رمضان المنصرم، كمساهمة جمعوية في دفع قاطرة النشاط السياحي.
سنوات للقضاء على القصدير و أخرى للتخلص من مخلفاته
الحديقة التي دخلت حيز الاستغلال رسميا في يوم 05 جويلية 2018 ، تتربع على مساحة إجمالية قدرها 65 هكتارا، يستغل منها حاليا، 14 هكتارا ، ممتدة على طول الجهة الغربية، فيما لا تزال المساحة المتبقية قيد التهيئة، و قد أنشئت في موقع كان لسنوات عديدة، مستغلا بشكل فوضوي، بعدما تكاثرت فيه أكواخ القصدير كفطريات، فحولت باردو إلى حي شعبي منبوذ، يرتبط ذكره عند الكثيرين بانعدام الأمن والجريمة وغياب التهيئة، و رغم أن القصدير أزيل بشكل نهائي مع برمجة عمليات الترحيل التي استمرت من سنة 2007 إلى غاية 2016، إلا أن تاريخ الحي، ظل يلاحقه كلعنة قديمة، حالت دون كسر تلك الصورة النمطية السلبية التي ارتبطت به، وهو تحديدا ما أحبط جهود عصرتنه و تسبب في عزل الحديقة الحضرية، رغم الحاجة الماسة إلى فضاءت للاستجمام و الترفيه في مدينة كقسنطينة، ما يتطلب عملا جادا للتعريف بالمكان و تقديمه سياحيا بشكل مقبول.
يذكر أن الحديقة البيداغوجية، تعد الخيار الثاني الذي طرح كمشروع لاستغلال الوعاء العقاري الممتد على مساحة 130 هكتارا، خلفها برنامج إعادة الإسكان، بعدما كان الحديث آنذاك، متمركزا حول انجاز ناطحات سحاب و قطب ثقافي و متحف و قصر للعلوم و قاعة للزيارات و مسرح و حديقة للسيارات، غير أن التكلفة الكبيرة للمشروع، دفعت السلطات المحلية، إلى سحب المشروع، و الاكتفاء بإتمام مشروع الحديقة الإيكولوجية، التي واجهت أيضا بعض العراقيل التقنية بسبب مشكل الانزلاق، خصوصا على مستوى مدخلها الرئيسي، إذ اضطرت السلطات في سنة 2016، إلى تخصيص مبلغ بقيمة 4 ملايير دج، لأجل حل هذه المعضلة.
نحو تأجير المرفق لأجل استغلال أنجع
الحديقة، ذات الطابع الإيكولوجي تم تقسيمها، إلى مساحات مخصصة لزراعة العديد من الأصناف النباتية، على غرار 700 صنف من الأشجار المثمرة و أشجار الصنوبر والزيتون ، إضافة إلى الورود و غيرها، وذلك لتكون محطة ميدانية للزيارات المدرسية، وحقل تجارب و أبحاث تابع لجامعة قسنطينة 1، كما أنها مرفق مجهز بالعديد من الألعاب، مع توفير كراس و طاولات للجلوس و مراحيض عمومية، إلى جانب حنفيات تستمد مياهها من منبع روماني قديم، كما توجد فيها أيضا دار البيئة مطاطلة الطاهر، و مزرعة بيداغوجية، وشلالات اصطناعية متاخمة لوادي الرمال، و مركز حراسة و حظيرة لركن السيارات، ناهيك عن هياكل خدماتية، منها كافيتيريا و مطعم.
مع ذلك فإن عدم استغلال المرافق الخدماتية، أثر على الإقبال، فالمكان لا يوفر أكثر من فضاء مفتوح للجلوس أو اللعب، و يستحيل أن تجد بمحاذاته، كشكا أو محلا لاقتناء قارورة ماء واحدة، لذلك رخصت قبل أيام، الإدارة المحلية بقسنطينة، لمستثمرين خواص، باستغلال المرافق الترفيهية و الخدماتية الموجودة وهو إجراء جاء عقب دراسة اقتصادية وبيئية، أعدت بالتنسيق مع جامعة صالح بوبنيدر.
ومن المتوقع أن يساهم هذا التوجه في دفع السياحة الداخلية بالمدينة، كما أكد، نصر الدين بقيرات، مدير المؤسسة العمومية الولائية لإنجاز وصيانة المساحات الخضراء، الذي كشف للنصر، بأن مستثمرا معروفا بنشاطه في مجال الإطعام السريع، حصل على ترخيص لاستغلال جزء من دار البيئة كمطعم، فيما ستجهز الحديقة أيضا بكافيتيريا، ستكون على مستوى المزرعة البيداغوجية، مع توفير أكشاك صغيرة قريبة، لبيع الجرائد و توفير الخدمات الروتينية. و أكد المتحدث، بأن الحركية تراجعت فعلا بفعل جائحة كورونا، غير أن معدل زيارات الحديقة الحضرية مقبول جدا في الفترة الحالية، و يتراوح بين 300 إلى 700 زائر يوميا، كما أن الأمن متوفر طيلة ساعات الاستقبال و النظافة مضمونة، و شروط التهيئة
محترمة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)