الجزائر

عطاء بن رباح.. الأعرج الذي يتدافع طلاب العلم على مجلسه



عطاء بن رباح.. الأعرج الذي يتدافع طلاب العلم على مجلسه
شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة.عطاء بن رباح; إمام أهل مكة وعالمها وفقيهها، فعلى الرغم من أنه كان أشل أعرج مما يعيق حركته بين الناس إلا أنه كان عالما وفقيها، كان إن جلس في حلقته العلمية يتدافع الآلاف من طلاب العلم على النهل من علمه وعطائه لدرجة أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يقول: "لا يفتي الناس في موسم الحج إلا من عطاء بن رباح".
كان اسما على مسمى عطاء في العلم فلم يكن يبخل على من أتاه سائلا أو متعلما أو ناقدا، فبيّن ذلك وذاك يروح ويعود هو من حصل العلم منذ طفولته، رغم عائقه الجسمي كان يعاني من صعوبة كبيرة في الذهاب إلى مجالس العلم والحلقات ومتابعة أو مصاحبة العلماء، فقد أصيب بشلل الأطفال وزد على ذلك فقد إحدى عينيه في الصغر.
ابتلي العابد الفقيه المتعبد لله ليلا ونهارا سكنا وحركة، جهرا وسرا، في أهم شيء في صحته وعافيته فهو من الرجال الذين صدقوا الله على ما عاهدوه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا وغيروا في أمرهم شيئا، فلا شلله ولا فقدانه للبصر أقعده حبيسا عن التعلم والدراسة.
عبدا حبشيا أسودا لا يؤبه له، لكن بسرعة فائقة تمكن من بناء نفسه بنفسه، فأصبح ذلك العبد الحبشي فقيها عالما وإمام يجالسه الولاة والخلفاء والعلماء، فالعلم رفع مكانته بين الناس وكسب قلوبهم.
لم يكن عطاء بن أبي رباح متخذا من علمه وعطائه مكسبا أو رزقا يرتزق منه فجعله صدقة جارية مبتغيا به وجه الله عزّ وجل إذ لم يكن يذهب لا للقصور ولا للملوك وكان يعيش على الخبز والملح الذي يكلفه بضع دراهم، أما منزله فهو المسجد يوزع وقته ليلا ونهارا بين العبادة والتعلم والتعليم فهو الذي خلف حلقة الفتيا التي كان عقدها ابن عباس رضي الله عنهما، وإذا كان الناس يذهبون لابن عباس يستفتونه، ماذا يقول لهم، أتستفتونني يا أهل مكة وفيكم ابن أبي رباح؟ رغم زهده في الدنيا وقلة ماله ووجاهته، لكن كما سلف الذكر كان رفيع الشأن بين الناس حتى أكسبه المهابة لدى الخلفاء ومن لطائف ذلك قصته مع "سليمان بن عبد الملك" لما ذهب لأداء الحج وكان معه ابناه وأراد أن يعرف المناسك ذهب إلى "عطاء بن أبي رباح" في المسجد وكان هذا الفقيه الجليل حينها يصلي لما انتهى من الصلاة جلس إلى أمير المؤمنين وابنيه وشرعوا يستفتونه في حاجتهم وهو يجيب حتى انتهوا من الأسئلة هموا بالانصراف فقال سليمان لابنيه: "يا بني لا تنيا في طلب العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود".
عشرون سنة معتكفا في المسجد أعطاها للعلم والتعلم لم يشتك يوما لا نصبا ولا لغوبا اسبغ الله عليه السكينة والحلم والتواضع، فلم يلطخ لسانه بما لا يرضي الله، فكان ترجمان للحق والخير هو الذي كان يوصي بحضور مجالس العلم، لأن الملائكة تحفها بأجنحتها وتنزل رحمة الله عليها، ويتجلى الله بالصفح والمغفرة.
وكان حسن خلقه الاستماع والإنصات لمحدثه فيلزم الصمت، وفي ذلك يقول: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كاني لم أكن سمعته وقد سمعته قبل أن يولد فأريه أني لا أحسن منه شيئا.
عاش هذا التابعي الجليل ثمانية وثمانين عاما علما إماما وفقيها أفتى للناس نصف قرن، وحج سبعين حجة، وكان ينادي في كل موسم حج من كانت له مسألة فليذهب إلى عطاء بن أبي رباح، توفي في السنة الرابعة عشرة بعد المائة للهجرة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)