الجزائر

« عدم شفافية السوق وراء انتعاش مهنة السمسرة »



عرف الاستاذ حاكمي بوحفص مفهوم السمسرة في أنها كلمة فارسية الأصل ومع ذلك فهي معربة وقد استعملت من طرف العرب في زمن الجاهلية وتعبر عن الوسيط بين البائع (يمثل جانب العرض ) والمشتري( يمثل جانب الطلب) من اجل إمضاء البيع أو إتمام صفقة ما او الحصول علي خدمة ما، بمعني ( الدال على مكان السلعة وصاحبها) ، ولا فرق لغة بين السمسار والدلال، وقد فسرهما القاموس بالمتوسط بين البائع والمشتري ، إذن يمكن القول بان السمسرة مهنة يحترفها شخص حيث يقوم بدور الوسيط بهدف التقريب بين البائع والمشتري وإتمام العملية بشكل سريع مقابل حصوله علي اجرة ‘عمولة' ، وبهذا الشكل فهي مهنة مهمة وضرورية لأنها تؤدي إلي حصول الناس علي طلباتهم وخدماتهم ،وأحيانا تقدم لهم عروض وبأسعار مختلفة مما يؤدي إلي الاختيار والمفاضلة خاصة في العصر الحال المتسم بالتطور والتغير السريع وظروف السوق المتسمة بعدم التقاء العرض بالطلب بسبب تشوهات كل منهما ، وعدم وجود علم بظروف السوق وحجم الطلب والعرض ,خاصة وان الكثير من الناس ليس باستطاعتهم معرفة عيوب السلعة ومحاسنها ،او لا يستطعون البحث عنها لعدم وجود وقت لديهم ومن ثما يفضلون دفع عمولة والبحث عن السماسرة للحصول علي الصفقة أو الخدمة واتمامها ، كما يحدث عادة عند البحث عن سكن أو سيارة او غيرها .هذا هو المعني العام الذي يندرج تحته مفهوم مهنة السمسرة وهي من الناحية الظاهرية مهمة وضرورية بسبب عدم شفافية السوق وعدم تجانس السلع وتوفر المعلومات الكاملة حول السلع والخدمات المختلفة , يؤدي السمسار والتاجر على اختلافهما ومن حيث النتيجة وظيفة اقتصادية واحدة هي الوساطة لتخفيض تكاليف انتقال السلع من منتجيها أو حائزيها إلى طالبيها، فالسمسرة تنشئ علاقة ثنائية مباشرة بين طرفي التبادل بمساعدة السمسار، بخلاف التجارة التي تنشئ علاقة ثلاثية غير مباشرة التاجر أحد أطرافها ومنظور ا قتصادي يعد السمسار وسيطا مثل التاجر و المصرف، لأن مآل نشاطهم في المجتمع واحد وهو تسهيل (تخفيض تكاليف) انتقال السلع والمنافع من منتجيها الأصليين إلى مستخدميها النهائيين،مع أن المنظور الاقتصادي الأكثر وضوحا في الاقتصاد يتعلق (بسماسرة البورصة )، فطبقا لقانون السوق المالي فإن المستثمر لا يستطيع التعامل مباشرة مع السوق بل لابد من وسيط يكون هو المسؤول عن كافة الحركات المالية التي يقوم بها المستثمر، ويتعامل السوق المالي مع هذا الوسيط ويتقاضى منه المبالغ المستحقة عن عمليات البيع والشراء.
كما أن هناك قطاع آخر هو قطاع التوظيف فالوسطاء (مكاتب وسطاء التشغيل)يقومون بتقريب بين العاطلين عن العمل - أصحاب الطلب - وأصحاب الشركات- أصحاب العرض- وهذه الوساطة هامة جدا رغم انها غير متطورة في بلادنا ، وعلي الشباب تكوين مكاتب تشغيل خاصة خريجي الجامعات ،ولكن ضعف هذه المكاتب حاليا وقلتها يؤثر سلبا في سوق الوظائف .
.وهناك العديد من الأشكال التي يتخذها سوق السمسرة علي غرار (سوق السيارات ، سوق العقار ، سوق الصرف الموازي ، مكاتب الوساطة للتشغيل ....الخ
وقد اتخذت السمسرة شكلا جديدا بظهور وسائل الإعلام والاتصال بلجوء السماسرة الي وسائط الإعلام والاتصال وشبكات التوصل التي أضفت عليها الكثير من الايجابيات رغم احطتها بالكثير من المخاطر أكثر من مخاطر السمسرة التقليدية ،وقد عرفت بعض البلدان عدة تشريعات لها .
و يبرز دور السمسار في نجاح كثير من الأعمال التجارية والعقارية، وله مكانة نظامية لا تنكَر في العديد من البلدان كما خصصت له بعض الأنظمة (عمولة بنسبة معينة من قيمة الصفقة)، تدفعها الأطراف التي يقوم بالتوسط لديها أو بينها.
والسمسرة هي وساطة يتعهد فيها بالبحث عن مطلوب (سلعة او خدمة) بالشروط التي يحددها من يكلفه بهذه الوساطة، وينحصر دوره في تقريب وجهتي نظر طرفي العقد البائع والمشتري أو المؤجر والمستأجر، نظير عمولة نسبة معينة من قيمة الصفقة يؤديها كلا الطرفين أو أحدهما،ورغم آثارها الايجابية الواضحة من حيث الوساطة وتقريب البايع من المشتري وتقليص وقت إجراء الصفقة أو عقد البيع ، ومن ثما تساعد علي تسهيل النشاط الاقتصادي وانجاز الأعمال جانب الي جنب مع المؤسسات الرسمية .
ولكنها قد تؤدي إلي أثار سلبية من حيث عدم المعرفة الدقيقة بالأشخاص سواء ما تعلق بالوسيط أو البائع وما قد يحدث نتيجة التحالف من اجل خداع المشتري، ومن حيث عدم إظهار العيوب والتركيز علي ذكر المحاسن وما يكتنف العملية من غش أو تدليس ، هذه الآثار لا يمكن تلافيها إلا بواسطة إطار تشريعي ومؤسساتي ومؤسسات فعالة ومناسبة وضبط السوق وهيكلته بالإضافة إلي كثرة المتعاملين والوسطاء ، كل هذه الفراغات سمحت بطريقة أو بآخري إلي انتشار هذه الظاهرة التي تحتاج إلي معالجة وتحسين للاستفادة منها لصالح النشاط الاقتصادي وانجاز الأعمال .
إن هذا المجال في بلدنا يحتاج إلي تاطير وتشريع ومؤسسات ملائمة بهدف إعادة بعث هذه الأنشطة ومساهمة هذه الوظيفة في تنشيط الحركية الاقتصادية ، وينبغي توجيه الشباب وخاصة خريجي الجامعات للإنشاء مكاتب وساطة في المجال المصرفي والتجارة وفي قطاع الأعمال والتوظيف ، وعلي الدولة أن تحدد في هذا القطاع الوجبات والحقوق بدقة منعا للتلاعب بموارد وممتلكات الناس وغشهم وتضلليهم بإصدار قوانين صارمة .
اما بخصوص السمسرة والمناولة ورغم اوجه التشابه بينهما ،فأن المناولة هي أن يلجأ شخص معين "المقاول" Entrepreneur إلى شخص أخر"المناول " (Sous-traitant ) ، بإنجاز المشروع أو جزء منه ما لم ينص عقد المقاولة على خلاف ذلك ونجده يكون إما تعاون مباشر أو غير مباشر.
يمثل مفهوم المناولة أحد أشكال العلاقات بين المنشآت بما يمثل شبكات من الصناعات، والتي تمثل نمط العلاقات الأفقية بين المنشآت، ويشير أيضا إلى أحد أشكال الاعتماد المتبادل بين الوحدات الإنتاجية، حيث تقوم أحد الوحدات بإنتاج المنتج النهائي لصالح وحدة أخرى، وذلك وفقا للمواصفات والجدول الزمني الذي تحددها الوحدة التي يتم الإنتاج لصالحها.
ومن المهم القول بان هذا المجال يشهد ضعف كبير وعدم تنظيم بسبب عدم كفاية التشريعات اللازمة لتنظيم هذه المهنة و ضرورة وضع ضوابط للسوق عامة ولمهنة السمسرة أو الوساطة بصفة خاصة ، فغياب التنظيم قد يخلق نوعا من الفوضى ويقلل من ثقة المستثمرين بالسوق ومن شأنه أيضا خلق سوق موازية وفتح أبواب الشائعات على مصرعيها وإتاحة التلاعب في الأسعار من قبل الساعين إلي تحقيق الربح والثروة على حساب الآخرين بدون ضوابط وقيود قانونية.
وأملنا انه ببناء جزائر جديدة غدا لن يكون فيها مجال للممارسات والسلوكيات الغير قانونية ببناء منظومة جديدة وسيفتح المجال أمام الإطار التشريعي ليحل محل الفراغات والثغرات القانونية في جميع الأنشطة والممارسات الاقتصادية ، وستكون المؤسسات الفعالة محل المؤسسات الهشة التي سمحت بانتشار هذه الظواهر السلبية وتحول الممارسات إلي ممارسات قائمة علي القانون بدلا من الو لاءات الفردية الضيقة .
حكيمة.ق


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)