تعالج رواية "سر دار القصبة" للروائي والكاتب المسرحي عبد الله خمّار، أزمة الثقة الموجودة بين الحاكم والمحكوم، بين الطبيب والمريض، المعلم والتلميذ، بين الأصدقاء، وبين أفراد الأسرة الواحدة، وتقدم حلولا لاستدراك بعضٍ منها.واعتمد عبد الله خمّار في مُؤلَفه، على السرد، الحوار، والمونولوج، حيث جعل شخصيات الرواية علاقاتها المتشعبة بنفسها، فتظهر مزاياها وعيوبها وطبيعة العلاقات التي تربط بينها، حيث طرح من خلال عشرين فصل قضية اجتماعية معقدة تصب في صراع الخير والشر والفضيلة والرذيلة، والتناقض بين العالمين مع البقاء للأصلح، فهي مقال حي لحياة كثير من الناس.وتبدأ "سر دار القصبة"، بحدث رئيسي في سبتمبر 1960، بالقصبة وأبطاله "أجداد" شخصيات الرواية حيث بينهم عداوة أثرت في سلوك الأحفاد وفي العلاقات فيما بينهم، فيعود الأمر إلى استشهاد ثلاثة من المجاهدين في القصبة هم عباس السايس، قدور العلاف، والصدّيق عسلي، واتهام عبد النور القاضي بخيانتهم والوشاية بهم إلى المستعمر الفرنسي، ثم وُجدت جثة عبد النور في القصبة وأُشيع أن المجاهدين قتلوه جزاء لخيانته.وتكمن العقدة في الشخصيات الشابة التي تحمل أسماء أجدادها والصراع فيما بينهم وبين حفيد الخائن، لكن هناك شخصيتان محوريتان في الرواية يدور بينهما الصراع طيلة الوقت وهما عبد النور القاضي وعباس السايس، فكلاهما قُتِلَ جده ووُجدت جثته في القصبة في سبتمبر 1960، وكلاهما أيضا سُمّي باسم جده. والاختلاف بينهما أن جد عباس شهيد وجد عبد النور خائن، وأهل الحي يعتقدون أنه الذي كان سببا في سجن وتعذيب وقتل كثير من المجاهدين من أبناء الحي.تتكفل كل جدة بتربية حفيدها، وهذا ما يؤثر في قيم وأخلاق كل منهم.ويعود أساس الرواية إلى الإعلان عن بيع دار رجل الأعمال أنور عسلي شقيق الشهيد الصدّيق عسلي، فتتسرب رسالته التي كتبها لولده بأن جده قد اشترك سنة 1936 في إخفاء مجوهرات وأموال سرقها ثلاثة شبان فرنسيين من محل جواهري إيطالي يدعى "جيوفاني" في شارع ديزلي، العربي بن مهيدي حاليا، وعندما قُتل اللص الذي خبأ المجوهرات عند جده، اضطر هذا الأخير لدفنها في حديقة الدار وبنى فوقها غرفة، وعباس الحفيد رجل أعمال وقد همه الخبر، وتتوالى الأحداث إلى أن ينكشف سر الدار.تعالج الرواية الآثار الناجمة عن حرب التحرير، الصلح والمسامحة، الفن والثقافة، الفساد والجريمة، النصب والشعوذة، الربيع العربي، لكن التركيز كان على حرب التحرير والمصالحة الوطنية، فالتحرر من الاستعمار كان نتيجة كفاح طويل تُوّج بالثورة، لكن هناك من لا يتمتع بهذه النعمة ويُنغّص عليه حياته موقف أحد أفراد عائلته وخيانته للمجاهدين، ومن هؤلاء عبد النور القاضي الذي كان يدفع ثمن خيانة جده، أما المصالحة الوطنية التي تم الاستفتاء عليها سنة 2005، لم يرحب بها الجميع ونفسه عبد النور رفضها لأن والداه قد اغتيلا على يد الإرهاب.تبدو الأمور سهلة للآخرين، وإن تحدثوا عنها سينسونها، لكن هناك ألم دفين يشعر به أفراد العائلة إذا ما لطخ أحدهم سمعتهم حتى لو كان ذلك منذ زمن بعيد، فالإحساس بالحرج الدائم من أن جدك قد خان الثورة لا يمكن لأحد تقييمه أو إدراكه مثل أفراد العائلة المعنيين، هناك حرج سيرافقهم إلى غاية انتهاء حياتهم، فمنهم من يهجر المكان الذي يعيش فيه، لكن هذا الأمر لا ينطبق على الجميع، فليس الجميع يقدرون على مغادرة أراضيهم لسبب وأسباب.وبالنسبة للمغفرة، فهي ليست دائما سهلة، الكثير رفض المصالحة الوطنية لأن أهله تأذّوا، هناك عائلات فقدت الجميع خلال الإرهاب وهناك قصص ترتعد لها الفرائس، فكيف لهم قبول المصالحة، الأمر لا يتعلق بالحقد أكثر مما يتعلق بعدم خيانة ضحايا العائلة.يُذكر أن "سر دار القصبة" صادرة عن منشورات المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية للروائي عبد الله خمار المنحدر من ولاية بسكرة، الذي ولد بدمشق ودرس فيها ثم في الجزائر، اشتغل بالتعليم والإدارة والتربية والترجمة، أصدر كتبا تعليمية وأدبية واهتم بكتابة الشعر والرواية والمسرحيات. من مؤلفاته، رواية "كنز الأحلام"، "جرس الدخول إلى الحصة"، وأعمال أخرى نشرت على الأنترنت، ومسرحيتا "فندق الأحلام الوردية"، و"هموم الكاتب بوعلام". وقد أصدر خمار بداية سنة 2015 مسرحية باللغة العربية تحت عنوان "عزاب مع سبق الإصرار" كرّم فيها المرأة وذكر فضائل الارتباط في مجتمع لم يعد شبابه يرغب في الزواج.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 23/12/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : زينة بن سعيد
المصدر : www.eldjazaireldjadida.dz