الجزائر

عبد القادر بوعزارة :الموسيقى الجزائرية جزء لا يتجزأ من الريبرتوار العالمي



عن الفن يقول: هو رسالة المشاعر و الأفكار، وعن الموسيقى يؤكد أنها لغة البشرية جمعاء، بها تستطيع كل الأجناس أن تتبادل المشاعر والعواطف وأن العالم بلا موسيقى هو عالم بارد وباهت يعاني الخواء الروحي، أما عن الموسيقى السيمفونية فيعتبرها علم مختص يتطلب المرور بالعديد من المراحل التعليمية، وعن الأركسترا السيمفونية الوطنية فيراها بمثابة مشتلة تجمع أولئك الشباب المولعين بهذا اللون الموسيقي الراقي و التدرب على اكتساب المهنة والاستفادة من خبرات موسيقيين أجانب تأتي بهم المؤسسة كل شهر، إيمانه الكبير بنجاح الموسيقى الكلاسيكية في الجزائر و سعيه لتطوير الأركسترا السيمفونية الوطنية وترقيتها جعلته يتحدث لنا بإسهاب عن هذه الرائعة الموسيقية، إنه مدير الأوركسترا السيمفونية الوطنية "عبد القادر بوعزارة" ، أستاذ آلة الكمان بالمعهد الوطني العالي للموسيقى.
تمر 15 سنة على عمر الأوركسترا السيمفونية، هي مسيرة طويلة ماذا استطعتم أن تنجزون عبرها؟
كانت سنوات عمل مستمرة بدون انقطاع، مبنية على أمرين أساسيين أولهما العلم، وثانيهما المعرفة، ركزنا كل أمورنا على هتين الفكرتين لأن ميداننا حساس جدا، وبهذا تمكنا من إرجاع الحياة لهذه المؤسسة وحب الحياة لدى الفرد الجزائري بعد العتمة الذي كنا نعيشه فترة التسعينات، أردنا من خلال ذلك العمل الدائم تلبية رغبات الجمهور المتعطش لهذا اللون الراقي من الفنون، باعتبار أن الفن رسالة المشاعر و الأفكار، والشيء المؤكد أن عالما بلا موسيقى هو عالم بارد و باهت يعاني من الخواء الروحي، ورغم الظروف الصعبة التي واجهتنا خاصة أثناء العشرية السوداء، إلا أننا لم نيأس يوما بفضل الأمل والإرادة، حيث توصلنا إلى لم الشمل، فمن خلال ميداننا هذا تمكنا من توحيد أبناء الشعب الطيب والذواق و الواعي ، ولهذا وبعدما ما حققناه من نشاطات في العاصمة، اقترحت وزارة الثقافة بدأ مهمة تعميم هذا الفن على كافة الولايات، فبدأنا منذ سنة 2004 نصول ونجول على مختلف ولايات الوطن، التي أدهش جمال طبيعتها الساحر عيون ضيوف الدول الشقيقة الذين صاحبونا خلال رحلاتنا، إلى أن بلغنا لحد اليوم46 ولاية، وقد كانت كل هذه الجولات الفنية الماراطونية للأوركسترا السيمفونية عبر البر، ما عادا ولايتي أدرار و تمنراست ، في انتظار حط الرحال خلال الأشهر القادمة باليزي وتندوف.
يقال عن الأركسترا الوطنية أنها تقليد للأركسترا الغربية، ألم تستطع عبر مر هذه السنوات أن تصنع بصمة جزائرية خاصة بها؟
دعيني أقل لك أننا من الأوركسترات القليلة في العالم التي ركزت على موسيقاها بمختلف ألوانها لإعطائها اللون الأكاديمي السيمفوني العالمي، واستطعنا في وقت وجيز أن نجمع العديد من المقطوعات التي ستكون في شكل ألبوم متكون من خمس سيديهات فيها روائع الموسيقى الجزائرية لكن بطابع سيمفوني، أي يمكن لكل موسيقي محترف أن يعزف هذه الموسيقى بكل طلاقة بعد أن أصبحت خالدة بتدوينها وكتابة نوطاتها الموسيقية، وبمنحنا هذه القيمة الكبيرة لموسيقانا نكون قد أعطينا القيمة لشخصيتنا و لأمتنا ودولتنا، ولابد أن نحرص دائما على صنع الأساس القوي و المتين لوضع أرجلنا، ومنها الإنطلاقة، هي فقط 50 سنة من الاستقلال بعد 130 سنة من الدمار و الاستعمار، و عشر سنوات من خراب الإرهاب، أعتز بوجودي على رأس هذه المؤسسة التي تعد واحدة من الإنجازات الكبيرة التي حققتها الجزائر المستقلة، كما أن كل إطارات الدولة تعتز بهذه المؤسسة التي لم تيأس لحظة، لأن شعارنا هو الاحترافية في خدمة الثقافة،و بالأمل يأتي العمل، ومسافة الألف ميل تأتي بخطوة، وليس بالأمر الهين أن نأتي بقائد أوركسترا من دار الأوبرا الصينية الذي إن لم يعرفه، يعرفه مليار شخص والذي يعد عملاق العمالقة، جاء من دار أوبرا بكين ليعزفوا معنا من دون أي مركب نقص، وهذا لم يكن ليحدث دون المثابرة و الجدية و الالتزام بالمؤسسة التي تجمع فريق وطني يتكون من أكثر من ستين موسيقي جزائري محترف ذو كفاءات ودراسات أكاديمية، نحن نعترف أكيد بألمع الموسيقيين العالميين أمثال بيتهوفن، موزار، تشايكوفسكي، لكن يجب أن نقول أيضا أن "عليك مني سلام"، "الحمد لله ما بقاش الاستعمار في بلادنا" ، " يامحمد مبروك عليك" من أغانينا الجزائرية الشهيرة، حيث أصبحت موسيقتنا الجزائرية جزء لا يتجزأ من الريبرتوار العالمي
استطعتم تحقيق هدفكم الرامي إلى نشر الموسيقى الجزائرية عبر كافة أرجاء المعمورة، هل حقا اتضحت معالم ذلك ؟
الميدان جدي، يتطلب حنكة في العمل مبني بطريقة علمية، هناك إرادة سياسية جعلتنا نعمل بأكاديمية واحترافية بعيدا عن التجارة، حتى في استضافة الموسيقين الكبار، هذه الأوركسترا استطاعت جلب قادة أوركسترات من كافة قارات العالم، كما أن بعض الدول تطمح وتتمنى أوركسترا وطنية ومهرجان دولي كالذي لدينا.
على ماذا تعتمدون في تكوينكم للموسيقين؟
السيمفونية تتطلب المرور بمراحل تعليمية مختصة، لأنه علم مختص يصطلح عليه اسم الموسيقى السيمفونية، و الأكاديمية عنصر أساسي، لابد على الطالب أن يدرس في الميدان على الأقل من 8 إلى 9 سنوات، ثم يدخل المؤسسة كمتربص بها ،فالأوركسترا بمثابة مشتلة تجمع الشباب المولع بهذا اللون الموسيقي وتحاول تدريبهم على المهنة حيث تقوم كل شهر بجلب موسيقيين أجانب للاستفادة من حكمتهم وخبراتهم في كيفية التعامل مع هذا الفن وهو ما يسمح لهم ببذل مجهود أكبر و المحافظة على مكانتهم، والمعرفة الحقة لهذا اللون الراقي من الموسيقى السيمفونية العلمية، و بالابتعاد عن العشوائية و الارتجالية وجدنا الطريق الصحيح، وأدرك الجميع منهجية عملنا، والسياسة البسيطة التي أردنا أن تسير بها المؤسسة، وتمكنا من أن نلبس الموسيقى الجزائرية صبغة مميزة حيث يمكن عزفها في كل بلد من دول العالم، تتمثل في الصبغة الأكاديمية وأكدنا أن الموسيقى لغة البشرية جمعاء فيها تستطيع كل الأجناس أن تتبادل المشاعر و العواطف.
ماذا لو تحدثنا عن جانب دعم السيمفونية في الجزائر؟
الفنان معطاء لآخر نفس من عمره، خاصة إذا كان موسيقي بارز لأنه يبقى يفيد و يستفيد لآخر لحظة من عمره ، وفيما يخص الدعم فإن ميزانية الدولة تدعم هذا المولود الجديد الكبير لأنه استطاع أن يقدم أشياء كثيرة ونحن نتمنى دائما أن يتحسن من سنة لأخرى
لم تهمل الأوركسترا شريحة الأطفال، حيث خصصتم برنامجا لها، إلى ماذا تطمحون من وراء هذا؟
صحيح، فنحن نلتقي كل شهرين بمختلف المدارس الموجودة في العاصمة، ثم انتقلنا نحو باقي الولايات، هذا بهدف التعريف بالآلات الموسيقية وجذب اهتمام الأطفال نحو الميدان.
صرحتم سابقا أن تأسيس ملاحق جهوية للجوق الموسيقي السيمفوني سيكون موزعا عبر كامل ربوع الوطن، أين وصل المشروع؟
بدأنا مع وهران اللبنة الأولى وعزفنا مع البعض، في انتظار الجهة الشرقية ثم جهة الجنوب، لتعميم هذا الفن، وهذا يتطلب الكثير من الإمكانيات المادية، لأن الناس متعطشة لهذا الفن ولدينا الكثير ممن يستمع لنا، لنجعل من الثقافة إطارا لثراء فكر الإنسان و لتشبعه بالقيم الإنسانية النبيلة.
مرت أيام معدودات على المهرجان الدولي الرابع للموسيقى السيمفونية، بماذا تميزت هذه الطبعة؟
اكتشفنا أن الجمهور متعطش للغاية لهذا الفن الجميل، و برهنا أنه لاشيء يأتي بسهولة، و أن كل عمل مضني يتطلب سنوات من العمل الجدي الأكاديمي، كما برهن المهرجان على نجاحنا، حيث استطعنا إخراج الناس وجعلهم يتمتعون بالكثير من الأشياء الجميلة إلى درجة أن الكثير منهم بقوا واقفين يستمتعون لأكثر من ساعتين.
ماذا تقدم السيمفونية الوطنية لخمسينية استقلال الجزائر؟
نهدف إلى إعطاء المحبة لهذا الشباب الذي عان من مخلفات الإستعمار ومن ويلات الإرهاب التي تركت الشباب لا يفقه شيء في الحياة، أما اليوم فلدينا بصيصا من الأمل نعمل على نشره مع هذه المؤسسة الفنية، التي لا بد أن تكون بمثابة القاطرة التي توصل الأمة إلى ركب الحضارة و التمدن.
ماذا يعني لك الكمان؟
الكمان صديقي و هو جزء من حياتي، هو الذي علمني كيف أسير في هذه الحياة، وعلمني أن أكون إنسانا خلوقا مهذبا، أحب الآخرين و أن أتكل على نفسي لا على غيري، و أكد لي أن العمل هو أيضا عبادة.
مليكة بن خليل


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)