الجزائر

عبد الرحمن و عيسى ابنا الإمام الشريف التلمساني



عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن الإمام أبو زيد الإمام العلامة الجليل الكبير المجتهد الشهير و هو أخوه شقيقه أبو موسى عيسى بابني الإمام، التلمسانيان الصالحان الراسخان، و الغلمان الشامخان، المشهوران شرقا و غربا، الحافظان العلامتان.
ذكرهما ابن فرحون في "الديباج" قال: أبو زيد شيخ الماكية بتلمسان: العلامة الأوحد أكبر الأخوين المشهورين بأولاد الإمام التنسي البركشي، و هما فاضلا المغرب في وقتهما، و كانا خصيصين يالسلطان أبي الحسن المريني، تخرج بها كثير من الفضلاء لهما التصانيف المفيدة و العلوم النفسي، توفي أبو زيد سنة ثلاث و أربعين و سبع مئة (743) اهـ.
قال تلميذهما الإمام المقري: كانا رحلا في شبابهما من بلدهما تلمسان إلى تونس، فأخذا بها عن ابن العطار، و البطرني و تلك الطبق، و أدركا المرجاني من أعجاز المئة السابعة، ثم و رد في أول المئة الثامنة تلمسان على أمير المؤمنين، وهو محاصر لها و فقيه حضرته يومئذ أبو الحسن علي بن يخلف التنسي، و رحل الفقيهان إلى المشرق في حدود العشرين و سبع مئة، فلقيا علا الدين القونوي، كان بحيث يقال: لا نظير له، و لقيا ايضا الجلال القونوي، وكان بحيث يقال: لا نظير له، و لقيا أيضا الجلال القزويتي صاحب "التلخيص"، و سمعا البخاري على الحجار، و قد سمعت عليهما، وناظرا التقي بن تميمة فظهر عليه، وكان ذلك من أسباب محنته، و كانت للتقي المذكور مقالات شنيعة، من حمل حديث النزول على ظاهره، و قوله فيه كنزولي هذا.
قلت: و هذه الزيادة أعني قوله كنزولي هذا أثبتها عليه ابن بطوطة، فذكر في "رحلته" أنه حضر ابن تيمية يوما، وهو على المنبر فذكر الحديث النزول ثم قال: كنزولي هذا فنزل على درجة المنبر إلى التي تحتها اهـ. نعوذ بالله من تلك المقالة، و منهم من قال: لم يثبت عنه، و الله أعلم.
قال المقري: و كانا يذهبان إلى الإجتهاد و ترك التقليد و حسبك ما صار لهما من الصيت بالمشرق، و لما حللت بيت المقدس، وعرف مكاتي من الطلب، و تناظرت مع بعضهم أتى إلي بعض المغاربة فقال لي: ‘ن مكانك في النفوس مكين، و قدرك عندهم رفيع، وأنا أعلم أخذك عن ابني الإمام فإن سئلت فانتسب إليها، وقل سمعت منهما، و أخذت عنهما و لا تعدل عنهما فتضع من قدرك، فما أنت عند هؤلاء الناس إلا خليفتهما، وإن الأمر و فقهما.
قال المقري: و كان أبو زيد رحمه الله من العلماء الذين يخشون الله، حدثني الله، حدثني أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عنان أن والده أمير المؤمنين أبا الحسن ندب الناس إلى الإعانة بأموالهم على الجهاد فقال له أبو زيد: لا يصلح لك هذا حتى تكنس بيت المال و تصلي فيه ركعتين كما فعل علب بن أبي طالب، قال: و كان أبو زيد يقول فيما جاء من الأحاديث من معنى قول الرسالة: و إذا سلم الإمام فلا يثبت و لينصرف أنه يقدر ما يسلم من خلفه لئلا يمر بين يديه، و قد ارتفع حكمه فيكون كالداخل مع المسبوق جمعا بين الأدلة، قال المقري: و هذا من مليح الفقيه.
قال ابن خلدون في "التاريخالكبير": ابنا الإمام كانا أخوين من أهل برشك من عمالة تلمسان، أكبرهما أبو زيد و أبوهما إمام برشك قتله المتغلب يومئذ على البلد زيري بن حماد، لا تهامه بويعة من مال بعض أعدائه طالبه بها فامتنع، و ارتحل ولداه إلى تونس آخر المئة السابعة فقرأ العلم بها على تلاميذ ابن زيتون، و تفقها على أبي عبد الله بن شعيب الدكالي، وانتقلا للمغرب بخط وافر من العلم، فأقاما بالجزائر يبثان العلم بها لامتناع برشك عليهما من أجل متغلبها زيري، و السلطان ابو يعقوب صاحب المغرب الأقصى محاصر يومئذ لتمسان حصاره الطويل قد غلب على نواحيها فارتحل إلى مليانة فقربهما منديل الكناني، و اتخذهما لتعليم ولده، ثم هلك يوسف بن يعقوب صاحب المغرب سنة خمس و سبع مئة، فملك و اصطلح مع صاحب تلمسان، فعاد للمغرب مع الكناني هذا الأخوان، فأوصلهما إلى أبي حمو، , أثنى عليهما فاغتبط بها أبو حمو، و اختط لهما المدرسة بتلمسان، فأقاما عنده على هدى أهل العلم و سننهم، ثم مع ابنه أبي تاشفين إلى أن ملك أبو الحسن تلمسان سنة و سبع و ثلاثين و كانت لهما في أنفس الناس عقيدة صالحة فأدناها و اشار بتكرمتهما، و رفعهما، عن أهل طبقتها و أجل مجلسه بهما، و حضرا معه واقعة طريف، وعادا لبلدهما فتوفي أبو زيد و تبوأ أبو موسى الكرامة، ثم صحبه إلى إفريقية سنة ثمان و أربعين مكرما موقرا عالي المحل قريب المجلس، فلما استولى على افريقية سرحه إلى بلده، فأقام يسيرا، ومات في الطاعون الجارف سنة و تسع و أربعين، و بفي أعقابهما بتلمسان في تلك الكرامة طبقا عن طبق إلى هذا العهد اهـ.
قال المقري رحمه الله: شهدت مجلسا بين يدي السلطان أبي تاشفين عبد الرحمن موسى قرى، فيه على أبي زيد بن الإمام حديث "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" فقال له الأستاذ أبو اسحاق ابن حاكم السلوى: هذا الملقن محنضر حقيقة ميت مجاز فما وجه ترك محتضركم إلى موتاكم، و الأصل الحقيقة؟ فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنع به، و كنت قرأت على الأستاذ بعض التنقيح، فقلت: زعم القرافي: أن الشيء إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال، مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به، أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقا إجماعا، وعلى هذا لا مجاز، لا يقال: احتج عليه بما فبه نظر لأنا نقول: إنه نقل اإجماع و هو أحد الأربعة التي لا يطالب مديعها بالدليل كما ذكره هو، بل نقول: أساء حيث احتج في موضع الوفاق، ثم إنا لو سلمنا نفي الإجماع فلنا أن نقول ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة لأن تلقينه قبل ذلك إن لم يدهش فقد يوحش، فهو تنبيه على محل التلقين أي لقنوا من تحكمون بأنه ميت، أو نقول: إنما عدل إلى الإختصار لما فيه من الإبهام اهـ. بنقل ابن الخطيب في "الإحاطة".
قلت: ومن تآليف أبي زيد شرحه على ابن الحاجب الفرعي و لا أدري هل كمل أم لا.
و أخذ عنهما جماعة من الأئمة لا يحصون كالشريف التلمساني و المقري و أبي عثمان العقباني، و الخطيب ابن مرزوق الجد، و أبيه، و عمه، وأبي عبد الله اليحصي في آخرين، و قال أبو العباس الونشريسي: و اما بنو الإمام فأعلاهم طبقة الشيخان الراسخان الشامخان العلمان المفتيان الشقيقان الفقيه العلامة آخر صدور أعلام المغرب بشهادة أهل الأنصاف شرقا و غربا أبو زيد، و العلامة النظار آخر أهل النظر، و جامع اشتات المعارف أبو موسى ابنا الإمام، ثم الشيخ أبو سالم إبراهيم بن أبي زيد، و ابن عمه الشيخ صالح أبو محمد عبد الحق بن أبي موسى ثم العلامة القاضي الرحال أبو الفضل بن أبي سالم، لم يبق لهما الآن عقب بتلمسان إلا صاحبنا و تلميذه الخير الفاضل أبو العباس أحمد بن أبي الفضل المذكور اهـ.
قال المقري: ذكر لسان الدين رحمه الله تعالى في "الإحاطة" شيوخ مولانا الجد، فلنذكرهم من جزء الجد الذي سماه "نظم اللآلي في سلوك الأمالي" و منه اختصر لسان الدين ما في "الإحاطة" في ترجمة مشيخته فنقول: قال مولاي الجد رحمه الله تعالة فممن أخذت عنه، و استفدت منه غلماها يعني تلمسان الشامخان و عالماها الراسخان أبو زيد عبد الرحمان و أبو موسى عيسى ابنا محمد بن عبد الله ابن الإمام، و كان قد رحلا في شبابهما من بلدهما برشك إلى تونس فأخذ بها عن ابن جماعة و ابن العطار، و اليفرني، و تلك الحلبة، و أدركا المرجاني، و طبقته من أعجاز المئة السابعة، ثم وردا في أول المئة الثامنة تلمسان على أمير المسلمين أبي يعقوب، و هو محاصر لها، و فقيه حضرته يومئذ أبو الحسن علي بن يخلف التنسي، و كان قد خرج إليه برسالة من صاحب تلمسان المحصور، فلم بعد و ارتفع شأنه عند أبي يعقوب حتى أنه شهد جنازته، ولم يشهد جنازة أحد قبله و قا على قبره: وقال: نعم الصاحب فقدنا اليوم حدثني الحاج الشيخ بعباد تلمسان أبو عبد الله محمد بن محمد بن مرزوق العجيسي أن أبا يعقوب طلع إلى جنازة التنسي في الخيال حوالي روضة الشيخ أبي مدين فقال: كيف تتركون الخيل تصل إلى ضريح الشيخ؟ هلا عرضتم هنالك خشبة و أشار إلى حيث المعراض الآن، ففعلنا فلما قتل ابو يعقوب و خرج المحصوران أنكر ذلك فأخبرتهما فاما أبو زيان و كان السلطان يومئذ، فنزل و طأطأ راسه و دخل، و أما أبو حمو و كان أميرا فوثب خلفهان ولما رجع الملك إلى هذين الرجلين اختصا بابني الإمام، و كان أبو حمو أشد إعتناء بهما، ثم يعده ابنه أبو تاشفين، ثم زادت حظوتهما عند أمير المسليمن أبي الحسن، إلى أن توفي أبو زيد في العشر الأوسط من رمضان عام أحد و أربعين و سبع مئة (741) بعد وقعة طريف بأشهر فزادت مرتبة أبي موسى عند السلطان إلى أن كان من أمر السلطان بافريقية ما كان في أول عام تسعة و أربعين (749)، و كان أبو موسى قد صدر عنه قبل الوقعة، فتوجه صحبة ابنه أمير المسلمين أبي عنان إلى فاس، رده إلى تلمسان و قد استولى عليها عثمان بن عبد الرحمن بن يحي ابن يغمراسن بن زيان، فكان عنده إلى أن مات الفقيه عقب الطاعون العام، قال خطيب الحضرة الفاسية أبو إسحاق إبراهيم ابن عبد الله بن مالك بن عبد الله الرندي: لما أزمع الفقيه و من أطلق معه على القفول إلى تلمسان بت على تشييعهم فرأيتني نظمت هذا البيت في المنام.
و عند وداع القوم و دعوت سلوتي
و قلت لها: بيني فأنت المودع
فانتبهت و هو في فيَ، فحاولت قريحتي بالزيادة عليه في يتيسر لي مثله، ولما استحكم ملك أبو تشفين و استوثق، رحل الفقيهان إلى المشرق في حدود العشرين و شبع مئة، فلقيا علاء الدين القونوني و كان بحيث إني لما رحلت فاقيت أبا علي حسين بن حسين ببجاية قال لي: إن قدرت أن لا يفوتك شيء من كلام القونوي حتى تكتب جميعه فانفعل، فإنه لا نظير له، و لقيا أيضا جلال الدين القزويني صاحب "البيان" و سمعا "صحيح البخاري" على الحجار، وقد سمعته أنا عليهما، و ناظرا تقي الدين بن تيمية و ظهرا عليه، وكان ذلك من أسباب محنته و كانت له مقالات فيما يذكر و كان شديد الإنكار على الإمام فخر الدين، حدثني شيخس العلامة أبو عبد الله الإبلي أن عبد الله بن إبراهيم الزموري أخبره أنه سمع ابن تيمية ينشد لنفسه:
محصل في أصول الدين حاصلـه
من بعد تحصيـــله علم بلا دين
أصل الضلالة و الإفك المبين فما
فيـــه فأكثره و حي الشياطين
قال و كان في يده قضيب فقال: و الله لو رايته لضربته بهذا القضيب هكذا ثم رفعه و وضعه، و يحسبك ما طار لهذين الرجلين من الصيت بالمشرق و أني لما حللت بيت المقدسو عرف به مكاني من الطلب، وذلك أني قصدت قاضية شمس الدين بن سالم ليضع لي يده على رسم استوجب به هنالك حقا، فلما اطلعت عليه عرفه بي بعض من معه فقام إلي حتى جلست ثم سألني بعض الطلبة بحضرته، فقال: إنكم معشر المالكية تبيحون للشامي يمر بالمدينة أن يتعدى ميقاتها إلى الجحفة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعد أن عين المواقيت لأهل الآفاق:"هن لهن و لمن مر عليهن من غير أهلهن" و هذا قد مر علي ذي الحليفة و ليس من أهله فيكون له فقلت له: إن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" من غير أهلهن" أي من غير أهل المواقيتو هذا سلب كلي و إنه غير صادق على هذا الفرد ضرورة صدق نقضيه و هو الإيجاب الجزئي عليه، لأنه من بعض أهل المواقيت قطعا فلما لم يتناوله النص رجعنا إلى القياس، و لا شك أنه لا يلزم أحدا أن يحرم قبل ميقاته و هو يمر به، لكن من ليس من أهل الجحفة لا يمر بميقاته إذا مر بالمدينة، فوجب عليه الإحرام من ميقاتها بخلاف أهل الجحفة، فإنها بين أيديهم و هم يمرون عليها فوقعت من نفوس أهل البلد بسبب ذلك فلما عرفت أتاني آت من أهل المغرب فقال لي: تعلم أن مكانك في نفوس أهل هذا البلد مكين، وقدرك عندهم رفيع، وأنا أعلم انقباضك عن ابني الإمام، فان سئلت فانتسب لهما فقل: سمعت منهما، و أخذت عنهما، ولا تظهر العدول عنهما إلى غيرهما فتضع من قدرك، فإنما أنت عند هؤلاء الناس خليفتهما و وراث علمهما، وأن لا أحد فوقهما، و ليس لما تبنى يد الله هادم.
و شهدت مجلسا بين يدي السلطان أبي تاشفين عبد الرحمن ابن أبي حم ذكر فيه أبو زيد بن الإمام أن ابن القاسم مقلدا مقيدا النظر بأصول مالكن ونازعه أبو موسى عمران بن موسى المشدالي، و أدعى أنه مطلق الاجتهاد و احتج له بمخالفتهم لبعض ما يرويه و يبلغه عنه لما ليس من قوله، وأتى من ذلك بنظائر كثيرة، قال: فلو تقيد بمذهبه لم يخالفه لغيره فاستظهر أبو زيد بنص لشرف الدين التلمساني مثل فيما الإجتهاد المخصوص باجتهاد ابن القاسم بالنظر إلى مذهب مالك، و المزني إلىالشافعي فقال عمران: هذا مثال و المثاللا تلزم صحته فصاح به أبو موسى بن الإمام، وقال لأبي عبد الله بن أبي عمرو: تكلم فقال: لا أعرف ما قال هذا الفقيه والذي أذكره من كلام أهل العلم أنه لا يلزم من فساد المثال فساد الممثل فقال أبو موسى للسلطان: هذا الكلام أصولي محقق فقلت لهما و أنا يومئذ حديث السن: ما أنصفتما الرجل فإن المثل كما تؤخذ على جهة التحقيق، كذلك تؤخذ على جهة التقريب، و من ثم جاء ما قاله هذا الشيخ أعني ابن أبي عمرو و كيف لا و هذا سيبويه يقول: وهذا مثال، و لا يتكلم به، فإذا صح أن المثال قد يكون تقريبا، فلا يلزم صحة المثال و لا فساد الممثل لفساده، فهذان القولان من أصل واحد.
و شهدت مجلسا آخر عن هذا السلطان قريء فيه على أبي زيد بن الإمام حديث "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" في "صحيح المسلم" فقال له الأستاذ أبو إسحاق بن حكم السلوي هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجازا فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم و الصل الحقيقة؟ فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه، و كنت قد قرأت على الأستاذ بعض التنقيح فقلت: زعم القرافي أن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفافيه في الماضي إذا كان محكوما به، أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفافيه في الماضي إذا كان محكوما به، أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقا إجماعا و على هذا التقرير لا مجاز فلا سؤال، لا يقال: إنه احتج على ذلك بما فيه نظر، لأنا نقول: إنه نقل الإجماع و هو أحد الأربعة التي لا يطالب مدعيها بالدليل كما ذكر أيضا، بل نقول: إنه أساء حيث احتج في موضع الوفاق كما أساء اللخمي و غيره في الاحتجاج على وجوب الطهارة و نحوها، بل هذا أشنع لكونه مما علم من الدين بالضرورة، ثم إنا لو سلمنا نفي الإجماع فلنا أن نقول: إن ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة، لأن تلقيه قبل ذلك إن لم يدهش فقد يوحش، فهو تنبيه على و قت التلقين، أي لقنوا من تحكمون بأنه ميت، أو نقول إنما عدل عن الاحتضار لما فيه من الإبهام الا ترى اختلافهم فيه، هل أخذ من حضور الملائكة، أو حضور الأجل أو حضور الجلاس؟ و لا شك أن هذه حالة خفية يحتاجفي نصبها دليلا على الحكم إلى وصف ظاهر يضبطها و هو ما ذكرناه، أو من حضور الموت و هو ايضا مما لا يعرف بنفسه بل بالعلامات، فلما و جب اعتبارها و جب كون تلك التسمية إشارة إليها، والله تعالى أعلم.
كان أبو زيد يقول فيما جاء من الأحاديث من معنى قول اين أبي زيد و إذا سلم الإمام فلا يثبت بعد سلامه و لينصرف: إن ذلك بعد أن ينتظر بقدر ما يسلم من خلفه ائلا يمر بين يدي أحد و قد ارتفع عنه حكمه فيكون كالداخل مع جمعا بين الأدلة قلت: و هذا من ملح الفقيه، واعترض عند أبي زيد قول ابن الحاجب: و لبن الأدمي و المباح طاهر، بأنه إنما يقال في الآدمي لبان، فأجاب بالمنع و احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللبن للفحل" و أجيب بأن قوله ذلك لتشريكه المباح معه في الحكم، لأن اللسان خاص به، و ليس موضع تغليب لأن اللبان ليس بعاقل و لا حجة على تغليب ما يخص بالعاقل.
تكلم أبو زيد يوما في مجلس تدريسه في الجلوس على الحرير فاحتج إبراهيم السلوي للمنع بالقول بقول أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فمنع أبو زيد أن يكون إنما أراد باللباس الافتراش فحسب، لاحتمال أن يكون إنما أراد التغطية معه أو وحدها و ذكر حديثا فيه تغطية الحصير فقلت: كلا الأمرين يسمى لباس قال الله عز وجل: ﴿هن لباس لكم و أنتم لباس لهن﴾.و فيه بحث.
كان أبو زيد يصحف قول الخونجي في الجمل و المقارنات التي يمكن اجتماعه معها فيقول: و المفارقات، و لعله في هذا كما قال ابو عمران بن العلاء للأصمعي لما قرأ عليه:
و غررتني و زعمت أنــ
ــك لابن بــالصيف تامر
فقال: أنت في تصحيفك أشعر من الحطيئة، أو كما حكي عمن صلى بالخليفة في رمضان، ولم يكن يومئذ بحفظ القرآن، فكان ينظر في المصحف فصحف آيات: صنعة الله، أصيب بها من أسماء إنما المشركون نحس، و عدها إياه تقيه الله خير لكم، هذا إن دعوا للرحمن ولدا، لكل امرىء في منهم يومئذ شأن يعنيه، و سمعت أبا زيد يقول: إن أبا العباس الغماري التونسي أول من أدخل معالم الإمام فخر الدين للمغرب، و بسبب ما قفل به من الفوائد رحل أبو القاسم بن زيتون و سمعته يقول: إن أبن الحاجب ألف كتابه الفقهي من سنتين ديوانا و حفظت من وجادة أنه ذكر عند أبي عبد الله ابن قطرال المراكشي أن ابن الحاجب اختصر الجواهر، فقال: ذكر هذا لابن عمر و حين فرغ منه فقال أهل ابن شأس اختصر كتابي قال ابن قطرال و هو أعلم بصناعة التأليف من ابن شأس، و الانصاف أنه لا يخرج عنه، و عن ابن بشير إلا في الشيء اليسير، فهما أصلاه و معتمداه، ولا شك أن له زيادات و تصرفات، تنبيء عن رسوخ قدمه و بعد مداه.
و كان أبو زيد من العلماء الذين يخشون الله، حدثني أمير المؤمنين المتوكل ابن عنان أن والده أمير المسلمين أبا الحسن ندب الناس إلى الإعانة بأموالهم على الجهاد فقال له أبو زيد: لا يصح لك هذا حتى تكنس بيت المال، وتصلي ركعتين كما فعل علي بن أبي طالب، وسأله أبو الفضل ابن أبي مدين الكاتب ذات يوم عن حاله و هو قاعد ينتظر خروج السلطان فقال له: أما الآن فأنا مشرك، فقال: أعيذك من ذلك، فقال: لم أرد الشرك في التوحيد، لكن في التعظيم و المراقبة، وإلا فأي شيء جلوسي ههنا.
و الشيء بالشيء يذكر، قمت ذات يوم على باب السلطان بمراكش فيمن ينتظر خروجه فقام، إلى جانبي شيخ من الطلبة و أنشدني لأبي الخطاب رحمه الله تعالى:
أبصرت أبواب الملوك تغص بالـ
ـراجــين إدراك العلا و الجاه
مترقبين لهـا فمهمــا فتحت
خـــروا الأذقان لهم و جبـاه
فأنفت من ذاك الزحام و أشفقت
نفسي على إنضـاء جسمي الواهي
ورأيـت باب الله ليس عليه من
متــــزاحم فقصدت باب الله
و جعلته من دونهــم لي عدة
و انفــت من غي وطول سفاهي
يقول جامع هذا المؤلف رايت بخطعام الدنيا ابن مرزوق على هذا المحل من كلام مولاي الجد مقابل قوله: و رأيت باب الله، ما تصورته قلت ذلك لسعته أو لقلة أهله:
إن الكرام كثير في البلاد و إن
قلوا كما غيرهم قل و إن كثروا
﴿قل لا يستوي الخبيث و الطيب﴾ الآية انتهى. رجع إلى كلام مولاي الجد قال رحمه الله تعالى و رضي الله عنه: وحدثني شيخ من أهل تلمسان أنه كان عند أبي زيد مرة فذكر القيامة و أهولها فبكى فقلت: لا بأس علينا و أنتم أمامنا، فصاح صيحة و اسود وجهه و كاد يتفجر دما، فلما سرى عنه رفع يديهو طرف إلى السماء و قال: اللهم لا تفضحنا مع هذا الرجل، وأخباره كثيرة، و أما شقيقه أبو موسى فسمعت عليه كتاب ميلم و استفدت منه كثيرا فمما سالته عنه قوله ابن الحاجب في الاستلحاق: و إذا استلحق مجهول النسب إلى قوله أو الشرع بشهرة نسبه، كيف يصح هذا القسم مع فرضه مجهول النسب في حال الاستلحاق، ثم يشتهر بعد ذلك فيبطل استلحاق فكأنه يقول: ألحقه ابتداء و دواما ما لم يكذبه أحد، هذه هي إحدى الحالين إلا أن هذا انما يتصور في الدوام فقط، و مما سألته عنه أن الموثقين يكتبون الصحة و الجواز و الطوع على ما يوهم القطع، وكثيرا ما ينكشف الأمر بخلافه، ولو كتبوا مثلا ظاهر الصحة و الجواز و الطوع على ما يوهم القطع، و كثيرا ما ينكشف الأمر بخلافه، و لو كبتوا مثلا ظاهر الصحة و الطوع لبرثوا من ذلك، فقال لي: لما كان مبنى الشهادة و أصلها العلم لم يجمل ذكر الظن، و لا ما في معناه احتمال، فإذا أمكن العلم بمضمونها لم يجز أن يحمل على غيره، فإذا تعذر كما هنا بني باطن أمرها على غاية ما يسمعه فيه الإمكان عادة، و أجري ظاهره على ما ينافي أصلها صيانة لرونقها، ورعاية لما كان ينبغي أن تكون عليه، لولا الضرورةقلتو لذلك عقد ابن فتوح و غيرهعقود الجوائح على ما يوهم العلم بالتقدير مع أن ذلك إنما يدرك بما غايته الظن في الحرز و التخمين، و كانا معا يذهبان إلى الاختيار و ترك التقليد اهـ.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)