الجزائر

عام من الحبس الاحتياطي التعسفي (2)



(...) لقد مرت سنة على نشر القانون العضوي المتعلق بالإعلام في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية من غير أن تنشأ سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والتي يفترض أن تكون سلطة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية، وهي السلطة التي تتولى ضبط الممارسة الإعلامية في مجال الجرائد الورقية والجرائد الإلكترونية حيث نص القانون على تحديد مهامها وصلاحياتها وتشكيلتها وسير عملها.
لا يمكن أن يتم تأسيس سلطة ضبط الصحافة المكتوبة ولا سلطة ضبط السمعي البصري من غير أن يتم إصدار البطاقة الوطنية للصحفي المحترف، حيث أن نصف أعضاء سلطة ضبط الصحافة ينتخبون بالأغلبية المطلقة من بين الصحفيين المحترفين الذين يثبتون خمس عشرة سنة على الأقل من الخبرة في المهنة. وعلى هذا الأساس يجب أن ننتظر حتى تتشكل اللجنة التي تنشأ عن طريق التنظيم والذي بمقتضاه يتم تحديد تشكيلتها وتنظيمها وسيرها، حيث أنها هي التي تثبت صفة الصحفي المحترف بموجب بطاقة وطنية تصدرها لفائدة هذا الصحفي المحترف.
وبالموازاة مع ذلك فقد كان يجب الإسراع في تنصيب المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات الصحافة، خاصة وأن القانون العضوي المتعلق بالإعلام ينص بصريح العبارة على تنصيب هذا المجلس في أجل أقصاه سنة ابتداء من تاريخ صدور هذا القانون العضوي. ولكن ها هي سنة تمر من غير أن ينصب المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة، والذي يعني كل الصحفيين في مختلف العناوين والأجهزة الإعلامية من جرائد ورقية وإلكترونية وإذاعية وتلفزيونية.
بل يصبح من المستحيل أن يتم تنصيب المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة ما لم تنشأ اللجنة التي تتولى مهمة إصدار البطاقة الوطنية للصحفي المحترف، حيث أن الجمعية التأسيسية للمجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة تتشكل من الصحفيين المحترفين الذين يمتلكون البطاقة الوطنية للصحفي المحترف والذين هم من خلال جمعيتهم العامة التأسيسية يحددون تشكيلته وتنظيمه وسيره مثلما يعدون وحدهم دون سواهم ميثاق شرف مهنة الصحافة ويصادقون عليه.
إن الساحة الإعلامية تمر بحالة من الفوضى على الرغم من أن القانون العضوي المتعلق بالإعلام قد جاء ليضع حدا لمثل هذه الفوضى التي ظلت تطبع المشهد الإعلامي في الجزائر منذ إقرار التعددية الإعلامية، وخاصة في مجال الصحافة المكتوبة. وإذا كان تجميد المجلس الأعلى للإعلام في القانون السابق هو المتسبب الرئيسي في فوضوية الساحة الإعلامية وما ترتب عنها من فوضى أخرى، فالمؤكد أن عدم الإسراع إلى تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة وسلطة ضبط السمعي البصري سوف يكرس المزيد من الفوضى، بل إن الفوضى هي التي تصبح القانون السائد، وعوض أن نحتكم إلى القانون نصبح نحتكم إلى الفوضى !
إنني أخشى أن يكون هذا التردد يعبر عن انعدام الإرادة السياسية في معالجة المشكلة الإعلامية التي تكون قد تحولت إلى أزمة حادة خاصة في ظل الوضع المتردي للظروف المهنية والاجتماعية للأسرة الإعلامية التي أصبحت مهددة بالانقراض مثل بقية الطبقات الاجتماعية الأخرى. وعليه، فإن السلطة من خلال الحكومة أو من خلال وزارة الاتصال تتحمل مسؤوليتها الكاملة في تنفيذ أحكام القانون العضوي المتعلق بالإعلام، خاصة ما يتعلق بإصدار البطاقة الوطنية للصحفي المحترف وتنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة وسلطة ضبط السمعي البصري. ذلك أن مثل هذا السكوت الرسمي قد يجعل السلطة في قفص الاتهام بعدما جمدت المجلس الأعلى للإعلام في القانون السابق، وكأنها أيضا تكون قد جمدت سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية قبل إنشائهما مثلما ينص على ذلك القانون اللاحق.
لا يقتصر الأمر على غياب الإرادة السياسية، ولكن الإرادة الإعلامية هي الأخرى تكاد تكون منعدمة تماما في معالجة الوضع الإعلامي المتردي، فالمؤسسات الإعلامية تتحمل هي الأخرى المسؤولية بالدرجة الثانية، حيث كان يجب عليها أن تتكيف وتتطابق مع أحكام القانون العضوي المتعلق بالإعلام، من غير أن تنتظر حتى يتم تأسيس سلطتي ضبط الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية لتأمرها بتسوية وضعيتها القانونية.
يعني ذلك أن النشاط الإعلامي في الجزائر وخاصة في قطاع الصحافة المكتوبة، قد تحول إلى نشاط غير قانوني ! وكأن الجرائد الإخبارية بما في ذلك الجرائد الحكومية قد تحولت إلى مناشير سرية محظورة مادامت لا تحتكم إلى القانون، وخاصة القانون العضوي المتعلق بالإعلام، ولا يستثنى من ذلك القنوات الإذاعية والتلفزيونية الرسمية التي تكون هي الأخرى قد تحولت إلى إذاعات وتلفزيونات سرية مادامت هي الأخرى لا تحتكم إلى القانون.
هل قامت الأجهزة والمؤسسات الإعلامية بتغيير مسؤولي النشر في الجرائد الإخبارية والذين لا تتوفر فيهم الصفة القانونية للناشرين ومنها الشهادة الجامعية والخبرة المهنية التي لا تقل عن عشر سنوات.
هل تلتزم النشريات الدورية الموجهة للإعلام العام من وطنية وجهوية ومحلية بتخصيص نصف مساحتها التحريرية إلى مضامين تتعلق بالمنطقة الجغرافية التي تغطيها.
لماذا تتجاوز النشريات الدورية الموجهة للإعلام العام ثلث المساحة الإجمالية للإشهار والاستطلاعات الإشهارية، حيث أن المتصفح للجرائد الإخبارية كثيرا ما يجد أن أكثر من نصف صفحات الجريدة عبارة عن صفحات إشهارية، والأغرب من كل ذلك أن البيانات السياسية الإشهارية والخدمات والمنتجات الصناعية الإشهارية هي الأخرى قد أصبحت تقدم إلى القرّاء في شكل مواضيع إخبارية في الصفحات الإعلامية وليس في الصفحات الإعلانية !!!...
لماذا لا تصرّح النشريات الدورية وتبرر مصدر الأموال المكونة لرأسمالها والأموال الضرورية لتسييرها طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما. وهل تنشر هذه النشريات الدورية عبر صفحاتها حصيلة حساباتها المالية السنوية المصدّق عليها.
هل أصبحت كل علاقة عمل بين الهيئة الإعلامية المستخدمة والصحفي تخضع إلى عقد عمل مكتوب يحدد حقوق الطرفين وواجباتهما، طبقا للتشريع المعمول به. وهل المراسلون الصحفيون أو الصحفيون المراسلون في مختلف المكاتب الجهوية والمحلية عبر أرجاء البلاد يحظون بالوضعية نفسها التي يحظى بها الصحفيون في قاعات التحرير المركزية.
هل الجرائد الإخبارية والقنوات الإذاعية والتلفزيونية تقوم بتوظيف صحفيين محترفين لا يقل عددهم عن ثلث طاقم قاعة التحرير وبصفة دائمة. وهل المؤسسات الإعلامية تخصص سنويا نسبة اثنين بالمائة من أرباحها السنوية لتكوين الصحفيين وترقية الأداء الإعلامي.
إن مثل هذه الأسئلة أو التساؤلات هي في الحقيقة مواد قانونية ينص عليها القانون العضوي المتعلق بالإعلام، كان يجب على المؤسسات الإعلامية من ورقية وسمعية وبصرية أن تجيب عنها قبل أن تسأل عنها أو تضطر إلى الإجابة عنها، وإن كان الوقت المخصص للإجابة عن الأسئلة قد انتهى!
ويبقى في الأخير، السؤال الذي يبقى من دون جواب: هل نريد صحافة بلا قانون ؟! أم أننا نريد قانونا بلا صحافة؟! أرجو أنني ذات يوم أزيل علامات الاستفهام والتعجب ؟؟؟ !!!...


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)