بعد أزيد من أسبوعين على استئناف محاكمة إحدى أكبر الفضائح المالية بالجزائر التي هزت البنك الوطني الجزائري إثر اختلاس 2100 مليار سنتيم، اقترب اسدال الستار على هذا الملف وغلقه بعد وصوله إلى مرحلة المداولة، حيث كشف عن حقائق مثيرة هذه المرة، فيما أثار نقاط غموض واستفهامات أخرى عن الخبرة وعن اتهامات عاشور عبد الرحمان ومن وراء «الإطاحة بإمبراطوريته»، كما عرت المحاكمة الوجه الحقيقي الذي كان يسير عليه جهاز البنك الوطني ممثلا في مختلف وكالاته، حيث كان غياب الرقابة وهشاشة النظام البنكي أبرز ما توصلت إليه استنتاجاتنا من أقوال عشرة متهمين وسماع شهود وخبراء.
عاشور رجل قانون أجاد الدفاع عن نفسه.. ملاحظ فطن ومتهم متمسك ببراءته
فجرت تصريحات عاشور عبد الرحمان حقائق مثيرة خلال استجوابه بعد أن كشف عن وجود جهات خفية استهدفته لأنه كان رجل أعمال ناجح تغلغل وسط مافيا الاشغال العمومية وأزاحهم من طريقه بأسعار مغرية مكنته من الفوز بعدة صفقات، وقد بدا عاشور عبد الرحمان قويا واثقا وهو يدافع عن نفسه حيث واجه القاضي بعدد من الشيكات التي حملت تناقضات في قيمة الأرقام المضخمة أو منها التي تمت مخالصتها لكن الخبرة أدرجتها في قيمة 2100 مليار، عاشور كان مستمعا ملاحظا لكل التصريحات التي قيلت، حيث تابع باهتمام أطوار المحاكمة وكان في اخر كل جلسة يرفعها القاضي يتبادل الحديث مع محاميه، وكأنه يوجههم إلى نقاط ما وقد اجمع محاموه على التأكيد على ذكائه وفهمه للقانون، حيث إنه أجرى رفقة محاميه عملية حسابية في حديثه عن الثغرة لتنوير المحكمة ببراءته من خلال القول انه في حال اعتمادنا على ما جاء في الخبرة فإنني قمت بسحب 120 مليار سنتينم يوميا من البنك الوطني وهو أمر غير معقول حسبه كما تميزت تصريحاته بالتأكيد على وجود جهات خفية أرادت جعل عاشور عبد الرحمان في قلب فضيحة مالية للتستر على اختلاس أكبر سجل بالبنك الوطني الجزائري يتعلق ب4 آلاف مليار دج.
هشاشة النظام البنكي الواقع الذي هز الاقتصاد فمن يتحمل المسؤولية؟!
ظل القاضي رقاد ولأزيد من 10 أيام يستنطق المتهمين من أجل تحديد مسؤولية الثغرة المالية التي هزت البنك، حيث ظل يطرح أسئلته على مدراء البنوك والمفتش والرئيس المدير العام للبنك حول من يتحمل مسؤولية الثغرة المالية، وكيف تمت من خلال الوقوف على مهام كل إطار بالبنك، والاستفسار حول مهامه الرقابية، لكن الإجماع كان حول هشاشة النظام البنكي حيث تساءل القاضي لدى استجوابه لخبراء المحاسبة بالبنك الذين قاموا بتفتيش الوكالات كيف لم يكتشفوا التلاعبات إلا بعد وصول الرسالة المجهولة، فردوا بالقول إن التلاعبات كانت بطريقة جهنمية لا يستطيع الجن الأزرق أن يعرفها. واستغرب القاضي تقارير محافظي الحسابات والعمل الذي قاموا به حيث راقبوا جميع الوكالات على مستوى الوطن ما عدا وكالات بوزريعة وشرشال، حيث وقعت الكارثة لدرجة قال لهم: «أنتم قمتم بدراسة علمية وليس عملا تفتيشيا».
الخبرة القضائية: النقطة التي أثارت جدلا عن مصديقتها والأهداف من المغالطات
عرفت المحاكمة جدلا كبيرا بين المحامين والقاضي حول جلب الشيكات المقدر عددها ب 1975 شيك، لدرجة هدد أحد المحامين بالانسحاب لكن المحامين لم يترددوا في شكر القاضي الذي كان له الفضل في تمكينهم منها قبل الشروع في المحاكمة، لكن عدم دراستها من قبل الخبراء وتحديد قيمة الاختلاس على أساس 900 صك فقط أثار جدلا كبيرا، وجعل الخبرة محل نقد كبير، واتهم الخبيرين بالتزوير خاصة في ظل وجود شيكات تحمل نفس الأرقام وأخرى بقيم مضخمة، لكن النائب العام رافع لأجل الخبيرين واعترف بكفاءتهما.
3 سنوات من التحقيق وخبراء متخصصون لكن طريقة السحب ظلت معقدة
أجمع عدد من المحامين على غرار مصطفى بوشاشي على التأكيد انه طيلة فترة التحقيق ورغم الخبرة المنجزة «الناقصة والمتناقضة» إلا انه لم يتمكن لحد الساعة من فهم الطريقة التي تم بها الاختلاس، حيث ظلت الجريمة في ظل عجز الخبرة عن تحديد دقيق للمسؤوليات يكتنفها الغموض، خاصة أن الاستجوابات أكدت أن الأموال تم سحبها من وكالة لتضخ في حساب وكالة أخرى، وكان عاشور هو المستفيد والساحب في نفس الوقت وهي النقاط التي أثارت جدلا كبيرا وسط الدفاع وأثارت غموضا لدى القاضي الذي وجد نفسه أمام عدة معطيات.
شهود مسجلون وشهادتهم لا تخدم الملف
استغرب قاضي محكمة الجنايات رقاد وجود عدد من الشهود العاملين على مستوى مختلاف الوكالات البنكية الذين لا علاقة لهم بالوقائع، حيث أنه وخلال مثولهم قام بقراءة شهادتهم غير انه استغرب حضورهم بقوله «انتا واش راك دير هنا ما عندك حتى علاقة»، وحتى الشهود استغربوا استدعاءهم في ملف يعد أكبر الفضائح المالية ليمثلوا دون الإدلاء بأي كلمة وبعد تسريحهم من القاضي استغربوا وقالو «هذا ماكان».
محامون يغازلون القاضي ومحامي عاشور يقارب بين أغنية الشاب خالد ووضعية الشيكات المتداولة
حظيت مرافعة الأستاذ المحامي مقران ايت العربي بشأن عاشور عبد الرحمان وشركائه بإعجاب القاضي رقاد الذي أثنى في تعقيب على مداخلته بقوله «شكرا لك أستاذ العربي أنت لم تشرف فقط المتهمين الذين رافعت لأجلهم بل شرفت حتى القضاء الجزائري»، وكان ذلك بعد مغازلة من هذا الأخير للقاضي بشكره على دقة التحقيق ومنح الفرصة الكافية لكل من المتهمين والدفاع على حد سواء، حيث وصف ذلك بجزء من تحقيق العدالة، وقد أبرز الأستاذ العربي في مرافعته جانبا من السياسة في قضية عاشور عبد الرحمان، حيث حاول تسييسها من خلال إثارة تساؤلات عن عدم خوض التحقيق في مسؤولية إطارات من الدولة نظرا لأن المسؤولية مشتركة كون البنوك التي سجلت بها الاختلاسات تخضع لرقابة وزارة ومسؤولين سامين. كما أعجب القاضي بمرافعة المحامي مصطفى بوشاشي حيث شكره على المناقشة والدقة في الدفاع عن موكله عاشور عبد الرحمان وسكرتيرة شريكه ع. رابح.
فيما فضل محامي عاشور الأستاذ لاصب واعلي الاستشهاد بأغنية الشاب خالد رايحة جاية، في حديثه عن الشيكات التي جاءت في الخبرة حيث قال إن الشيكات ظلت رايحة جاية دون معرفة مصيرها وهذا خلال انتقاده للخبرة التي قال إنها لم تحدد مسار 2100 مليار سنتيم.
العلامة الكاملة للقاضي وتوقعات بتخفيف العقوبات
أجمع عدد من المحامين على التأكيد أن القاضي رقاد محمد أدار المحاكمة بشكل جيد، حيث أثنوا على عمله خاصة من خلال فسح المجال امام المتهمين والدفاع لقول كل ما يريدون، واعتبروا أن مثل هذا الاستجواب من شأنه حفظ حقوق المتهمين ويمكن الدفاع من أداء مهامه كما أنه يساعد القاضي على الوصول إلى حقيقة الملف، حيث قال المحامي بوشاشي إنه وقع في صدامات مع القاضي بلخرشي عمر الذي أدار المحاكمة منذ 3 سنوات، وهو ما حدث مع المحامي سنوسي، وتوقعوا أن العقوبات ستخفف هذه المرة مقارنة بالأحكام السابقة، مع استبعاد جناية تكوين جمعية أشرار تطبيقا للقانون.
تاريخ الإضافة : 18/04/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : زهية ر
المصدر : www.elbilad.net