الجزائر

طوابير من أجل دخول الحمام..ولا مستلزمات للنّظافة



تفتقد النّازحات الفلسطينيات جنوب غزة خصوصيتهن في مراكز النزوح، وسط معاناة قاسية يواجهنها في توفير أدنى مقومات الحياة.مراكز النزوح تكون بالعادة مدارس ومؤسسات تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وهي تعاني من اكتظاظ شديد يفوق طاقة استيعابها بسبب نزوح الفلسطينيين إليها من الشمال والجنوب، ما يحول دون قدرة النساء على استخدام دورات المياه أو النوم وحدهن داخل غرف خاصة.
إلى جانب ذلك، فإن استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري، أعاق دخول المستلزمات الصحية النسوية، الأمر الذي تصفه النازحات الفلسطينيات ب "الكارثي"، والذي يتزامن مع غياب المياه اللازمة للنظافة والاستحمام؛ وحتى للشرب، فأكثر من 690 ألف امرأة وفتاة في فترة الحيض "حرمن من الحصول إلا بشكل محدود على منتجات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية"، وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
كما تمارس النساء في ظل هذه الحرب أعمالا لا تتناسب مع طبيعتهن الجسدية، مثل تقطيع الحطب لطهي الطعام والجلوس أمام النيران التي ينبعث منها دخان احتراق الخشب والأوراق لساعات طويلة في العراء.
كل ذلك يحدث في ظل ضغوط نفسية تعاني منها النازحات الفلسطينيات بسبب الآثار الكارثية لهذه الحرب بدءا من ترك منازلهن، مرورا بفقدان مقومات الحياة، وصولا لفقدان أفراد من عائلاتهن وأطفالهن.
خصوصية مفقودة
في أحد مراكز النزوح، بمدينة رفح جنوبي القطاع، تقف النازحات الفلسطينيات في طابور بانتظار دورهن لدخول دورات المياه.
وبغضب شديد تصيح سيدة نزحت من شمال غرب مدينة غزة: "حتى دخول الحمامات صار يحتاج طابورا؟ ألا يكفي ما حدث لنا بغزة؛ هل يجب علينا أن نتحمل إهانة كرامتنا هنا أيضا".
وأضافت: "لم تعد لدينا كسيدات أي نوع من الخصوصية، فنحن أصبحنا في الشوارع، على مرأى ومسمع الجميع". وأوضحت أنّ معاناتهن تتفاقم يوميا في ظل الازدحام الشديد داخل مراكز الإيواء، والنقص الحاد للمياه ونفاد مستلزمات النظافة الشخصية.
وتضيف بحرج شديد: "في بداية النزوح لم أتقبّل هذا الوضع، وكنت محرجة جدا لدرجة منعتني من دخول الحمام لمدة يومين إلى الحد الذي تسبّب بآلام شديدة في البطن والكلى".
وتبين أنّها تحاول التأقلم مع الوضع الحالي رغم صعوبته بسبب فقدان الخصوصية، وتقول: "لم أتوقّع في أسوأ الأحوال أن تصل بي الأمور إلى هذا الحد، العيش في مركز إيواء واستخدام حمامات عامة وغير ذلك الكثير".
أزمة نظافة
نازحة أخرى تقول: "إنّ النّازحات الفلسطينيات يواجهن أزمات مرتبطة بنقص مواد النظافة الشخصية والمستلزمات الخاصة بالسيدات".
وأضافت: "نواجه أزمة صحية حقيقية داخل مراكز الإيواء بفعل نقص مستلزمات النظافة والمستلزمات الصحية الخاصة بالنساء". وتوضّح أنّ نقص المياه يتسبب أيضا بأزمة نظافة، ما يؤدّي إلى الإصابة العديد من النساء بأمراض فضلا عن انتشار الأمراض المعدية.
وبحسب بيان "الإعلامي الحكومي"، فإنّ 355 ألف حالة بين 1.8 مليون نازح داخل مراكز النزوح تم توثيق إصاباتها بأمراض معدية.
ونقلت عن النساء النازحات شعورهن ب "حرج شديد وتقيّد في الأماكن العامة، فيما دفعتهن الظروف المعيشية الصعبة في ظل انعدام مصادر الدخل ونفاد البضائع من الأسواق، للاقتصاد في استخدام أي مواد أو مستلزمات خشية فقدانها في حال طال أمد الحرب".
النّازحات في أعمال شاقّة
في أرض زراعية بمدينة دير البلح وسط القطاع، تجلس نازحة أمام فرن مصنوع من الطين تعد الخبز لنحو 35 فردا من عائلتها وأقاربها، الذين نزحوا من مدينة غزة بفعل الغارات العنيفة والهجوم البري الصهيوني.
وتبذل هذه السيدة بمساعدة مجموعة فتيات بدت عليهن ملامح الإرهاق، جهدا كبيرا في إشعال النار بالحطب، حيث تكون هذه المهمة في الوضع الطبيعي من مهمات الرجال.
ويتطلب ذلك قوة في قطع الأخشاب بما يتناسب مع حجم الفرن، وإدخال متواصل لها كي لا ينخفض مستوى النيران، فضلا عن أن احتراق الأخشاب يبعث بدخان يسبب أذى وأمراضا في الجهاز التنفسي.
وبشكل يومي، تخبز هذه النازحة حوالي 100 رغيف من الخبز لإطعام هذا العدد الكبير من النازحين. وتقول: "الحياة هنا صعبة جدًا والوضع لا يطاق، لكننا مجبرون على تحملها وتجرع الألم والمرارة، إلى حين العودة إلى منازلنا في غزة".
وتضيف، وقد بدت آثار الحروق والجروح واضحة على يديها: "كنت صاحبة القرار في منزلي قبل النزوح، في إعداد وتجهيز ما أشاء من الطعام، لكنني اليوم لست صاحبة القرار، إنما أنفذ ما يقرره أصحاب الأرض التي تقيم فيها حاليا".
وتتساءل بصوت متحشرج: "متى تنتهي هذه الحرب ونرجع إلى منازلنا مرة أخرى؟ يكفي ذل، لقد تعبنا".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)