الجزائر

طقوس شرب الشاي‮ بتندوف



لقد أصبح تناول الشاي‮ لدى سكان تندوف أمر لامناص منه وشهية لاغنى عنها في‮ كل الأطباق اليومية للسكان‮ ،‮ كما ارتبط تناول الشاي‮ بتقاليد راسخة وعادة لم تزل إلى‮ يومنا هذا ويختلف عادة إعداد الشاي‮ من مجتمع إلى أخر‮.‬
‮❊ أواني‮ شاي‮ عصرية بتندوف‮
لكن عند المجتمع التندوفي‮ يبقى الإعداد واحد وبفنيات وطقوس متشابهة رغم التنوع الاجتماعي‮ للسكان وقد تميزت صنعة الشاي‮ بطريقة خاصة عند أهل تندوف بدوا وحضرا وتفننوا في‮ إعداده حتى‮ غدا عندهم فنا وقبسا سحريا من‮ يد اعتادت على الحذق والجمال‮.‬
وبدأت مند فترة تطفو إلى السطح الاجتماعي‮ ظاهرة بيع الشاي‮ في‮ الشوارع وهي‮ الظاهرة التي‮ تبدو حسب الكثيرين جديدة على المجتمع،‮ كما أن الشاي‮ المحمول‮ غير محبذ لدى سكان تندوف القدامى الذين‮ يفضلون الشاي‮ المحضر وفق الطقوس التقليدية،‮ غير أن بيع الشاي‮ من طرف بعض البطالين‮ يعتبر وسيلة لكسب لقمة العيش‮ ،‮ وحرفة متوارثة أبا عن جد حسبما صرح لنا به أحد باعة الشاي‮ المتنقل عبر الشارع الشعبي‮ طريق السلام عليكم أو عبر محلات السوق الأسبوعية التي‮ يكثر بها مريدي‮ الشاي‮ المحمول‮.
‮❊ أواني‮ شاي‮ عصرية‮...‬
ولكي‮ تصل إلى كأس شاي‮ على الطريقة التندوفية لابد عليك من المرور على محطات كثيرة‮ تتخللها‮ عملية إحضار أواني‮ ووسائل تعطي‮ للشاي‮ المحضر رونقا وجمالا لايكون إلا في‮ شاي‮ أهل تندوف أو سكان الصحراء عموما‮.‬
ولكي‮ تحضر شاي‮ ذا نهكة صحية جيدة‮ يقول أحد سكان المنطقة عليك بالفاخر،‮ أي‮ الجمر الذي‮ ينتج من خلال حرق شجرة الطلح المنتشرة بفضاء تندوف الشاسع‮.‬
وتبدأ رحلة الإنسان بتندوف مع الشاي‮ بداية من الإبريق المعروف بتسمية‮ (‬البراد‮) ويفضل أن‮ يكون من الفضة الخالصة،‮ وهذا النوع أصبح نادرا وما‮ يزيد البراد الفضي‮ جمالا تلك الزخارف والنقوش التي‮ يضفيها عليه الفنان الحرفي،‮ ولم تبق أباريق الشاي‮ بتندوف حاملة لتلك الجمالية بسبب زوال شيوخ الحرفة وتقدم سن الأحياء منهم،‮ وظهور طقوس عصرية في‮ تحضير الشاي‮ بطريقة سريعة،‮ أو باستعمال أباريق كبيرة تملا بالشاي‮ وتباع بالطرقات والمحلات التجارية والأسواق،‮ وهذا ما هو سائد في‮ وقتنا الحالي‮ .‬
إضافة إلى ذلك هناك الطبلة أي‮ الصينية عند البعض من السكان،‮ وهي‮ أنواع كثيرة منها طبلة النحاس المنقوش وهذا النوع اندثر ولم‮ يبق منه إلا مايزين البيوت،‮ وطبلة الالومنيوم لكن تلك الأواني‮ انقرض جلها تماما وحل محلها وسائل عصرية منها طبلة البوق المتعددة الأشكال والأحجام‮ .‬
وهذا وحده لابد له من كؤوس الشاي‮ من نوع‮ (‬الواخ‮) الذي‮ يحمل علامة‮ 08‮ في‮ أسفله ويفضل أن‮ يكون أملس الحواشي‮ حتى لايؤثر على الشفاه‮ ،‮ مع ضرورة إحضار المجمر أي‮ الفرنة وتكون من صفائح الحديد وظلت هذه الأخيرة تزاحم المجامر الطينية إلى‮ يومنا هذا‮ ويكتفي‮ سكان البادية بضواحي‮ تندوف إقامة الشاي‮ على النار مباشرة‮ ،‮ ودفن الإبريق على نار خفيفة حتى‮ (‬يطلع‮) أي‮ يغلى‮ .‬
من هنا اكتملت مؤونه الرحلة من براد ومجمر وكيسان،‮ وهذه الثلاثية المقدسة عند سكان تندوف لابد لها كي‮ تكتمل نضرتها من الورقة الزينة أي‮ الشاي‮ الأخضر،‮ ويفضل أغلب السكان‮ / نوع‮ يدعى المفتول‮ / 71‮ وهذا النوع أصبح نادر جدا،‮ بينما لا‮ يشرب أهل تندوف الشاي‮ من النوع المندخ أي‮ الرديء‮ ،‮ ويقل استهلاك ورقة‮ / كريكبة‮ / بين الأوساط الاجتماعية إلا في‮ وقت الضرورة أو الحاجة‮.‬
‮❊ البراد على النار متعة‮...‬
وحاولنا حضور جانبا من جلسة تقليدية كان بطلها البراد على نار موقدة بهدوء ونوع راق من الورقة التي‮ تعددت تسمياتها وألوانها وأنواعها‮ ويصل ثمنها نحو‮ 1000دينارلكن ظل أهل تندوف محافظين على اختيار الورقة الزينة من خلال حاسة الشم‮ ،سكان البادية‮ أجود أنواع الشاي‮ من خلال شمه للشاي‮ ووضعه على كفه فإذا التصق بكفه فان هذا النوع من الشاي‮ الجيد وإذا تفرق فانه من النوع المتوسط‮ .‬
وأنت أمام إعداد الشاي‮ ينتابك شعور أنك أمام تمرين صعب‮ يحتاج إلى تجربة وطول مراس بين الشعاب والأودية‮ ،‮ يبدأ محمد سالم بوضع الماء في‮ أنية تدعى‮ / المغرج‮ / أي‮ الغلاي‮ / عند البعض‮ ،‮ حتى‮ يغلى‮ ،‮ وبعد ذلك‮ يأخذ كمية من الشاي‮ ويعضها في‮ الإبريق ثم‮ يصب عليه الماء المغلي‮ وتدعى العملية‮ / التشليلة‮/ وهي‮ فضلات الشاي‮ ،‮ ثم‮ يضع الماء النقي‮ في‮ الإبريق ويضعه على النار حتى‮ يطلع‮ ،‮ وهي‮ آخر مرحلة ليقوم بعد ذلك بتحلية البراد ويكون عادة الكأس الأولى قليلة السكر‮ ،‮ ثم‮ يليه كأس أخرى متوسطة فثالثة أكثر حلاوة ويقال أنها خاصة للنساء وكبار السن الذين لايقوون على شرب الكأس الأولى القليلة الحلاوة خوفا من إصابتهم بمرض‮ / أقندي‮ / كما أنه لابد من احتساء‮ 03‮ كؤوس متتالية من الشاي‮ وفي‮ حالة حضور شخص على الكأس الوسطى فانه‮ يتناول الكأس الأخيرة‮ / التالي‮/ ويبقى حتى إعادة ترتيب الأواني‮ من جديد وهذا‮ يدل على صفة الكرم والجود التي‮ حظي‮ بها سكان المنطقة‮
اكتشفنا من خلال‮ هذه الجلسة المخصصة للشاي‮ أن أهمية الشاي‮ بالغة في‮ نفوس السكان ولايجدون عنه بديلا فمعظمهم لا‮ يحتسي‮ القهوة ويفضل تناول الشاي‮ 3‮ مرات في‮ اليوم خاصة عندما‮ يحس بألم الرأس‮ .‬
ومن فوائد الشاي‮ معالجة وجع الرأس ويفضل أن‮ يكون الماء المستعمل في‮ تناول الشاي‮ من بئر لعواتق وهو من أبرز الآبار وأكثرهم جودة‮ ،‮ بينما لايصلح تناول الشاي‮ بماء الحنفيات أو الآبار الأخرى‮ غير بئر لعواتق تقول التجربة‮ .‬
وقد عرف الاهتمام بالشاي‮ تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة أين انتشرت الأواني‮ الفخارية،‮ والوسائل التقليدية المتحوفة بالنقش والزخرفة والتي‮ تسمى في‮ أدبيات السكان ب‮: الطاقم وهو مكون من المغرج المزخرف والطبلة الرفيعة والمجمر الطيني‮ والكؤوس المزخرفة بالألوان والتي‮ يصل ثمنها أحيانا إلى‮ 5000‮ دج‮ ،‮ وهذا دلالة على مكانة الشاي‮ كفن وجمال في‮ عقلية السكان فضلا عن كونه مادة شراب‮ لابد منها‮ .
و أظهرت دراسات أخرى بأن الشاي‮ يحسن من تدفق الدم وقدرة الشرايين على الارتخاء كما أن له أثر وقائي‮ من داء السرطان ويساعد على حرق الدهون‮ ،‮ وتسريع عملية الايض من خلال تأثيره الكبير المضاد للأكسدة إذ‮ يساعد الكبد على أداء وظيفته بفعالية‮ ،‮ والشاي‮ مصدر من مصادرالمغنيسيوم الذي‮ يساعد بدوره في‮ تقوية العضلات،‮ وكذلك البوتاسيوم الذي‮ يساعد في‮ تخفيض ضغط الدم‮ ،‮ والزنك المفيد في‮ علاج حب الشباب‮ .‬
يشرب سكان تندوف عادة الشاي‮ مرات متعددة لكن شربه‮ 03‮ مرات في‮ اليوم‮ يحرق‮ 200‮ سعر حراري‮ إضافي‮ يوميا،‮ ويخفض مستوى الكولسترول في‮ الدم‮ ،‮ ويمنع تشكل الجلطات الدموية‮ غير الطبيعية‮ ،‮ كما أن له قوة وفعالية الاسبيرين وهو ما تفطن له سكان تندوف القدامى في‮ كونه‮ يفيد في‮ أوجاع الرأس‮ .‬
يبقى الشاي‮ لدى سكان تندوف أحسن مظاهر الاستقبال حيث أول ما‮ يقدم للضيف والزائر هو‮ (‬ماعين أتاي‮) وتكاد تتردد تلك الكلمة لدى الكبير والصغير‮ ،‮ وقد‮ يدوم تناول الشاي‮ ساعات طويلة تدعى‮ / جر أتاي‮ / ويكون ذلك أثناء سرد الأخبار والأحاديث المطولة بين المحيطين بمقيم الشاي‮ أي‮ / أتياي‮/‬مع الإشارة إلى أن سكان البوادي‮ يحتسون عادة الشاي‮ لوحده دون تناول أي‮ طعام عكس سكان المدن‮.‬
كما أن جزء من أجرة العاملين‮ ومدخراتهم مخصصة لشراء الشاي‮ لاسيما الأجود منه‮ يبقى الشاي‮ في‮ كل الأحوال عادة لصيقة بتاريخ أهل تندوف قبل أن‮ يصبح دواء‮ يطبب العلل والأمراض،‮ وأمام هذه المكانة التاريخية للشاي‮ التندوفي‮ القديم‮ ،‮ يبقى اكتساح الشاي‮ المعاصر أو ما‮ يطلق عليه اتاي‮ العجلة‮ ،‮ ظاهرة تقلل من شأن أتاي‮ لدى الكثيرين ممن تعودوا على شربه وفق ضوابطه ونواميسه المعتادة‮ .‬
لكن عودة الشاي‮ المتنقل مجددا جاء لسد الحاجة للكثير من السكان باعتباره وسيلة لجمع القوت وإعالة أفراد العائلة المحتاجة‮ ومصدر رزق هامة لدى الكثيرين،‮ من جهة أخرى نجد العديد من باعة الشاي‮ يقتنون مادتهم الأولية من تندوف قصد إعداد الشاي‮ بالطريقة السريعة أمام الشواطئ خلال فترة الصيف التي‮ بدأ الباعة المتجولون وهم قلائل بتندوف‮ يعدون العدة للتفنن في‮ شاي‮ يكثر عليه الطلب في‮ فصل الصيف‮ .‬




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)