الجزائر

''صيام هو أم عيد؟''



 هلال رمضان أم هو ترقب لهلال العيد؟
لم تتضح ورقة طريق السلطة. ولم نتبيّن إن كانت لها نية إجراء إصلاح عميق أو الاستعانة بمختصين في التجميل.
غالبا ما نشعر بأن الخطاب الرسمي، والشبه الرسمي، يتعمّد حقننا بجرعات، تزيد من قابليتنا لفكرة قدسية خرافة الرجل المعجزة ، الذي يستقطب حوله كل المجرات الفكرية والعقائدية الموجودة في المجتمع.
وليس غريبا ألا تلقى رسالتا مهري وآيت أحمد التجاوب العلني الرسمي، بل نشعر بأن التجاهل الذي يطبع موقف جزء من الطبقة السياسية منبعه عدم وجود بديل واحد، على الأقل. وليست العبرة في التوافق مع أطروحات ومبادرات أحزاب وشخصيات، بل إن العبرة هي في مناقشة ما يرفضه كل طرف، والالتزام بما يجمع بينها. والمثـير في المعادلة أن السلطة كانت في كل مرة تضع نفسها فوق هذه الأطراف ، ليس من باب احترام قيمة العدل ، أو من منظور الحرص على القيام بمهام القاضي غير المتحيز، وإنما   بتجاهل هذه الأطراف ، ومن خلال رفض مبادراتها جملة وتفصيلا .
إن مثـل هذا السلوك يدفع إلى استنساخ أسلوب الرفض والتعالي، واعتباره نموذجا سياسيا في إدارة الحوار، أو في توجيهه.
ربما تتعمّد أطراف سياسية زرع الشك في نوايا دعاة التغيير، من خلال ربط التغيير والحوار المباشر بمخاطر محتملة لنزاعات جديدة داخل المجتمع. وكأن التغيير، في نظرها، هو مرآة تعكس أشباح تتصارع وتتقاتل. وهي نظرة تصغير واحتقار لمجتمع تجاوز محنا أكبر وأخطر. (مواجهة الاستعمار، ثـم محنة مواجهة الإرهاب). إننا أمام نفس المجتمع، وأمام نفس مكوّنات شعب لم يقصّر في رفع مطالب التغيير.
وفكرة المجلس التأسيسي ليست وليدة أزمة اليوم، بل أزمة اليوم هي وليدة سياسات التعنت والهروب، ووليدة العجز عن اقتراح البديل. لقد هربت الممارسة السياسية من خلال صنع رضا شعبي، وتزيين تجاوب مع مشاريع، قيل عند الدعاية لها، بأنها مفتاح النجاح. حدث ذلك مع ميثـاق 76 ومع دساتير جيء بها من أجل تبرير شكل ممارسة السلطة، ويحدث الآن من خلال التلاعب بالأرقام، ومن خلال العمل بالعرف الذي
يجعل من اللاحوار الاجتماعي في الشؤون السياسية للمجتمع ، هو السياسة وهو البرنامج. فالسلطة تجتهد في كل مناسبة للتذكير بأنها هي التي تقرّر شكل الحكم، وطبيعته، وأطرافه، وهي التي تقرّر متى تعترف بمن أو بماذا.
غالبا ما نتساءل عن السبب الذي جعل الدراسات الأكاديمية والبحث، تكون نادرة جدا في تناول تطور الدولة. ونغفل طبيعة التنظيم الذي جعل من البحث في هذه المواضيع بمثـابة تهديد أمن الدولة ، و المساس بوحدتها .
ولم يعد التشجيع على الانفتاح الأكاديمي باتجاه هذه المواضيع ضروريا، بل هو حيوي من أجل إعادة تشكيل الضمير المجتمعي. وإن صح التعبير هو الأسلوب الأنجح للدعاية من أجل مشروع مجتمع سياسي.
وحال جزائر، اليوم، هو حال من يترقب الهلال. ولا ندري إن كنا نترقب هلالا يأتينا بالصيام والامتناع، أم بالفرحة بعيد ما بعد الصيام؟
يبني دعاة الاستقرار فرضية تقوم على استخدام الاستقرار كورقة ضغط على أعصاب المواطن. ورسم التهديد على أنه خطر سيأتي به حتما التغيير الذي لا يضمن استمرار مواقعهم، كأشخاص أو مجموعات. ويقترحون، خدمة للاستقرار وصيانة له، أن يأتي التغيير من داخل النظام. والسؤال الذي يغفلونه عمدا هو عن قدرتهم في إحداث التغيير فعلا؟ وكيف يتم ضمان عدم تكرار حالة الزهو بادّعاء انتصارات كانت كارثـية على تماسك المجتمع؟
فقد تعيد الدعاية الرسمية بث صور احتفالية عن تفشي الثـقة. وإذا كان الرئيس والنظام يرفضون بديل المجلس التأسيسي، لتكن مبادرتهم في اقتراح بديل يكون في مستوى التطلعات.
فالمجتمع الجزائري متنوع ومتعدّد الآراء، وصيانة وحدته تمر عبر احترام تنوعه وتعدّده. لم نعد في زمن يقدر فيه رجل واحد، أو جزء من المجتمع على إدارة شؤون الكل. يفترض أننا أصبحنا كبارا كي نصدق خرافة الرجل المعجزة .
نحن دوما عرضة لتحديات جديدة، ولرهانات لم نألفها من قبل. والعقدة تكون مرضية عندما ندير ظهرنا للواقع، ونتجاهل ما هو منتظر منا أو نؤجله.
لقد بلغت السلطة، في إدارة الاحتجاجات المتتالية، مستويات مزعجة. فهي تستخدم مزيجا من الأساليب. ترفض، وتضرب في العلن. و تكولس خفية لشق صفوف الغاضبين. وبين المحاولتين، يستخدم القائمون عليها كلاما استفزازيا، وكأن فروسية الخطاب هي رسالة إلى الرئيس، يقرأها على أنه محاط بـ أسود تكر ولا تفر .    
هو وجه من وجوه صراع المواقع من أجل البقاء باسم الاستقرار.


hakimbelbati@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)