الجزائر

صوته الأعلى والأغلى … الشعب دائما هو البطل (والبصل)!!



بقلم: رضا بن عاشور

لعل الشعار الوحيد الذي ظل طوال أكثر من خمسين عاما من الاستقلال والاستغلال محل قرارات مختلفة وتأويلات هو الشعار القائل.. الشعب دائما هو البطل… أو هو البصل الذي يحضر في كل قدر بلا استئذان.. فكيف يمكن لشعب بالملايين أن يختزل في صفة بطل، ولو في رفع الثقل!

«باطل» للبطل!!

لايعرف على وجه التحديد متى ومن أطلق هذا الشعار العجيب، لكن المعروف أن تنفيذه بدأ منذ حرب التحرير على الأقل، بعد أن انطلقت باسمه الكبير، والأرجح أن هذا بدأ منذ ظهور تلك النكتة التي تلخص ماوصلت إليه سلطة الدولة بعد ربع قرن من تكوين الجزائريين لدولتهم التي لاتشبه أي دولة في الشرق والغرب والشمال والجنوب، حين فاجأ ذلك المعمر المتحضر فلاحا جزائريا يبول في مزرعة الكروم، الأمر الذي جعله ينهره ويطرده ويصفه بقلة التحضر، لأن ذلك ملوث للفطرة ومفسدة للذوق العام وتعبير عن قلة الاحترام والتقدير، والسماح بالقليل مضر بالمصلحة العامة بعد أن يتفشى كالسرطان، عافاكم الله وأصلح بالكم، ويصبح كل واحد يحسب نفسه كالباي أو الداي أو كالسطان، وهو في الأصل والفصل قدره مردود «بكيلو كيوي وبنان»!

والمهم في هذه النكتة أن من سمع عن الحادثة أخذته حمى الوطنية والغيرة، وشعار أنصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال له أمامه أو أمام الملأ، أي النخبة الحاكمة، إن الاستقلال آت (ولاريب) وتبول حيث تريد، وكان هذا هو الرأي الذي اتبعوه من بعد إلى اليوم مهتدين بسلوك الفلاح الصالح في مزرعة الكروم لصاحبها السابق الكولون ومصورين الحكاية على نحو أصبح فيه الفلاح مجموعة فلاحين، وهؤلاء الذين كانوا أدوات تنفيذ الثورة عادوا بالملايين احتاج معهم الأمر لكي يكونوا في النهاية شعب عظيم أو هكذا يوصفون، وبالتالي عادوا أبطالا ينظرون على جهل معظمهم وقلة حيلتهم للآخرين على كونهم أقزاما (سبعة)، وفي البطولة لهم فيها مكان من تحت ومن «قدام»، بعد أن قدم كل واحد نفسه كبطل يصك كالبغل الذي يبول في الكروم ولايلوى على أحد!

والمهم أن دولة الفلاحين التي انقلبت بطول السبت وعادت دولة رعيان، لهم موقف ورأي حتى في تعيين كلب الحراسة في البستان أو زريبة الأغنام أو اسطبل حصان، وعاد لهم شأن بحكم الفطرة التي فطرها الله عليهم، وبحكم الدروس التي أخذوها بأمانة من حكم الكولون وتوابعه من «بني كلبون وبياعين وقوادين وضاربي شيته» أن البول مستويات وأنواع، فإذا كانت الغالبية القصوى من الشعب البطل يبول تحت الجدران وعلى قارعة الطريق، ويأتي متحضرون وفاهمون يكتبون بالحرف الغليظ ممنوع البول أو رمي المزبلة وحرام قتل القطط، إذا كانت تلك الغالبية القصوى تعوم وتغطس في هذه الأمور أقول وهي تلهث وراء سراب خادع إسمه «باطل»، أي بالمجان كما يقولون بالدارجة من الحصول على السكنى وقطعة الأرض من لحية الدولة، حتى قفة رمضان الفارغة للفقراء والمساكين وانتهاء بنظام الاستعباد مع مايعرف بتشغيل الشباب (بسعر قهوة في اليوم) وترك المعمرين الجدد دون رقيب أو حساب، فإن فئة قليلة من المنتفعين من هذه السياسة أخذت مقابل ذر رماد السكن باطل مجموع مافوق وتحت البلاء وتحاول أن تحلق عاليا في السماء وهذا النوع الذي يقدم نفسه بأنه فعل للآخرين ماهو مطلوب منه، لأن الدول الآخرى لا تبني السكن باطل بإمكان الواحد منهم أن يبول على الخلق أجمعين بولة لا تجف حتى قيام الساعة، ينسيك معها سلوك الكولون والمستعمرين والمحتلين والمستدمرين!

«سوبرمان» في كل مكان!

ثمة نية مبيتة وخفية في عملية تقديم الشعب كبطل دائما، أي مثل لاعب الطليان الأسود الذي قال لهم إنه سوبرمان أو كما في أفلام جيمس بوند وأفلام هوليود عموما!

فالبطل دائما موجود وهو الذي يخرج منتصرا في نهاية الأمر بعد أن يصفي الخصوم ويقضي على الشر ويرفع لواء الخير، ويكون زعيما على الناس والمشكلة في حكاية الشعب هو البطل في قراءة الشعار وليس فيه في حد ذاته فهو في كثير من الأحيان، حق أريد به باطل وقد يقرأ على نحو ويل للمصلين قبل أن يتوقف عن استكمال الآية الكريمة! وقد يكون بومدين العقيد أفضل من كرس هذا الشعار حين نفخ في شعبه غير العزيز، كما يقول مولانا محمد السادس وجعل سفره إلى الخارج مقيدا بالأغلال خوفا من أن ينشر بطولته أو يعرف سر قوته فتتكاثر الشعوب البطلة، ويصبح من الضروري على بلاتير، رئيس الفيفا أن ينظم كأس العالم للشعوب البطلة (والمرتبة الأولى لنا مضمونة)!

وهذه الفكرة القائمة على البطولة، نتجت عنها سياسات إقصائية انتهت بانفراد السلطة الحاكمة بجعل الشعب البطل يطبل خارج السرب. في حين يقوم هو بإصدار قرارات ليلية، كما يسميها الدكتور ناصر جابي، بعد أن ينفرد باسم الشعب ثلة أو مجموعة صغيرة تقرر مكان الشعب ويمكنها عند الضرورة الذهاب إلى مبدأ السلطة الجماعية، لكي لايظهر في الأفق زعيم واحد يمكن توجيه أصابع الاتهام إليه! لهذا فإن خلل حكم البلاد، مستثنى منها فترة بومدين الذي يتميز بشخصية كازيزماتية، متمركز في أياد غير معروفة بالأساس وضمن دائرة مغلقة وموصدة الأبواب والنوافذ، لأن سلطان الشعب الذي دائما هو البطل سيكون بالمرصاد لكل قادم جديد يحسب نفسه أكثر فهما منهم، وهذا مايضمن استمرارية نفس الوجوه التي خرجت من الاستعمار وما تزال تقدم نفسها إلى اليوم على كونها حامية الديار وتعد بتسليم المشعل، مع أنه احترق منذ زمن بعيد وهؤلاء نيام أو كالسكران من كثرة ماورثوا من الكولون! والمشكلة الجديدة الآن أن معادلة الشعب دائما هو البطل أن ثمة من يشكك في المصطلح نفسه، فالشعب كما سماه رئيس حزب التجديد الجزائري سابقا نور الدين بوكروح «غاشي»، معناه أنه لاتوجد روابط تجمعه فهم كم هائل من البشر يعيش دون وحدة وجدانية بعد أن رفع كل واحد منهم شعار «ما على بالى بحد ياخو» و«خاطيني»، وقد لاتظهر هذه الوجدانية إلا عند مباريات الجلدة المنفوخة قبل أن تعود الى قواعدها سالمة نائمة راقدة وشاخرة!

وهذا الأمر الذي يترجمه نفس السلوك المنيع خلال الحركة الوطنية والثورات الشعبية إبان الأعوام الأولى للاحتلال مايزال مستمر إلى اليوم، مع خروج كل فئة (عمالية) وكل جهة على حدة للمطالبة بحقها! بدل أن تخرج مجتمعة وهو مايصنع قوتها، فلماذا لاتأخذ السلطة بالجانب الإيجابي في شعار الشعب دائما هو البطل، أي كمصدر للسلطة والشرعية.

مؤخرا تحدث عقيد انقلابي آخر اسمه الطاهر زبيري وهو في رأسه مسمار مقلوب، عن كون السيادة الشعبية مجرد شعارات فارغة، وهذا التصريح يعكس حقيقة مايجرى على الأرض وفي الواقع الملموس، فالشعب البطل لم تتم استشارته بصفة حرة منذ خمسين عاما، باستثناء مرة واحدة أيام الشاذلي والفيس المرحوم ردّ فيها وكان مهموما، فهو لا يختار الرؤساء والذين يحكمون ولا يختار الوزراء والمدراء والقضاة والولاة والأميار ورؤساء الدوائر، وهو لم يسأل عن رأيه في كيفية تسير شؤون المال والأعمال.

إنه ببساطة «غاشي» للاستبداد والاستعباد، لأن هذا الأخير لن يأتي ولو تكويه بالنار ولايحضر إلا كما يحضر البصل في زردة أو محفل سرعان مايذوب، ولايذكره مدعووه إلا من باب أنه كالعسل فارقص أيها البطل حتى تمل! وكل البصل الذي ما يزال سعره في المتناول! ولاتسأل عن أشياء تضرك!!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)