الجزائر

صفحات منسية من حياة الفقيد قصّة بن بلة مع ''الدرويشة'' فطيمة بالمسيلة



صفحات منسية من حياة الفقيد قصّة بن بلة مع ''الدرويشة'' فطيمة بالمسيلة
لا يزال العديد من سكان مدينة المسيلة يتذكرون بكثير من الود والعرفان زمن الثمانينات، وتحديدا الفترة بين 1981 و1983 التي اختار فيها أول رئيس للجزائر المستقلة، المرحوم أحمد بن بلة، مدينة المسيلة أن تكون منفاه الاختياري بعد سنوات سجنه الطويلة، على إثر الانقلاب الذي أطاح به من على سدة الحكم عام 1965، وهي السنوات التي ظلت صفحة مغيّبة من مسيرة حياة هذا الرجل.
فضل بن بلة مع أول موعد له مع الحرية، أن تكون مدينة رفيقه في الكفاح محمد بوضياف، مقر إقامته التي ينزع الكثير إلى تسميتها بالإقامة الجبرية، بالرغم ما قيل أن الرجل كان مخيّرا فاختار.
عندما حاولت ''الخبر'' استقصاء تلك الفترة التي عاشها بن بلة في المسيلة، عندما صدر قرار الرئيس الشاذلي بن جديد وقتئذ بإطلاق سراحه من سجنه، لم تجد الكثير من الشواهد ممن عاصر الرجل، وكان أقرب إليه من الحراسة التي كانت تحيط به وتتبع خطاه وتتعقب حتى أنفاسه. وقد قيل إن الرجل كان يمتعض كثيرا من أولئك الذين أوكلت إليهم مهمة ملاحقته كظله، وفي الحقيقة كانت حرصا على سلامته بوصفه كان في تلك الفترة يتمتع، حسب بعض الذين عايشوه من أبناء المدينة، والذين كان معظمهم من أقرباء زوجته المرحومة فتيحة سلامي، بكل امتيازات رئيس الجمهورية.
وعلى ذكر زوجته، تشير الشهادات إلى أن الأقدار جمعتها ببن بلة عندما كانت تجاور مسكن الرئيس بالعاصمة ولها علاقة وطيدة بوالدته. وبحكم كونها كانت أشهر من نار على علم وقتها في عالم الصحافة، وصيتها ذائع في مجلة ''الثورة الإفريقية''، ذات التوجه الاشتراكي، تطورت فيما بعد على الصعيد الإنساني إلى زواج امتد لأكثر من أربعين سنة، قبل أن تغادره إلى الحياة الأخرى. وكان الزواج الذي ربط أيضا الرئيس بن بلة بهذه المدينة وشكل لديه قناعة بأن تكون مقر إقامته بعد سنوات سجنه، عرفانا من الرجل وتشريفا لمسقط رأس شريكة الحياة وأشياء أخرى كثيرة قد ترشح بها المذكرات.
في فيلا تعود ملكيتها لعائلة كابوية في الشارع الذي يطلق عليه اليوم اسم شارع 28 جافي 1957، تقع على ناصية هذا الأخير وتظهر واجهتها على مفترق الطرق المؤدي إلى أقدم العمارات المتبقية من زمن الاستعمار (كوادرو سابقا نسبة إلى المقاول الفرنسي الذي أنجزها، عمارات الشهيد بن يونس الحاج حاليا) أقام بن بلة لأكثر من عامين (1981/ 1983)، وإلى اليوم لا زالت تعرف باسم فيلا بن بلة، ويقال إن سبب اختيار هذه الأخيرة يعود إلى موقعها الإستراتيجي الذي يخول حراستها من كل جانب من جهة، ومن جهة أخرى نظرا لكونها متفردة في عمرانها وأشبه بتلك الإقامات التي تليق بسكن الرؤساء. وبالرغم من أن الرجل زار المدينة في عام 2005، وعاد بالذاكرة إلى تلك السنوات والتقى بعض الذين عاصروه في تلك الفترة من أبنائها. وقد بحثنا عن مسؤولين ومواطنين ليخوضوا في هذا الجانب من حياة الرئيس الراحل، لكننا لم نعثر إلا على القليل من المعلومات التي كانت في حينها تتداول كالأسطورة، بفعل ما كان يتردد أيضا من أن يوميات الرجل كانت بسيطة للغاية ولا تكاد تخرج عن جولته الصباحية المعتادة باتجاه مكتبة ميهويي عمار، الموجودة بالقرب من مقر البلدية لشراء جرائد الصباح. مستغلا باقي وقته في زيارة القرى والبلديات والزوايا بالمنطقة.
وتجمع الشهادات على أن الرجل ساهم في حل عدد من المشكلات التي كانت تصله من بعض المواطنين، بالرغم من أن الكثير من سكان المدينة كانوا يودون زيارته، وقد صرح هو بأنه كان يلتقي بين 60 إلى 70 شخصا من زواره يوميا في مقر إقامته في الغالب، في الوقت الذي كان الكثير منهم يتحاشون ذلك بفعل التحقيقات الأمنية التي كانوا يتعرضون لها، مباشرة بعد انتهاء الزيارة.
غير أن ما ظل لصيقا بفترة إقامة الرجل بالمدينة وعلق بذاكرة الكثير، هو كرم بن بلة الذي كان يضيق ذرعا بتتبع خطواته وفصله عن المواطنين، بإجراءات أمنية كان يمقتها. وفي الغالب يلتف عليها بالخروج والالتقاء بالمواطن العادي، محدثا كل مرة حرجا لحراسه دون إذن أو سابق إنذار. ولا يزال راود مسجد البدر القريب من مقر إقامته، وخصوصا منهم من يحضرون صلاة الجمعة، يتذكرون كرم هذا الرجل الذي تعوّد على إرسال الكسكسي واللحم إليهم وهي العادة التي نشرها بعد ذلك على كثير من المساجد. ويشهد له البعض أن جيبه كان يخونه كل مرة عندما يتعلق الأمر بالفقراء والمساكين، حتى أن كثيرين مازالوا يتذكرون إنسانية هذا الرجل التي تفجرت في حالة المرأة التي تدعى فطيمة والتي كانت درويشة سمع أنها كانت تبشر قبل مجيئه بسنوات، بوصول بن بلة إلى المدينة والعيش فيها، فقربها إليها وكان يعطف عليها باللباس والطعام طيلة تلك الفترة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)