الجزائر

صعوبة الإثبات وغياب الدليل ‏تفشي ظاهرة الكذب تحول القضايا إلى لعبة



حكاية الأسـطورة بلون البحر

تمتد زرقة البحر على طول سواحل الجزائر مشبعة بأشعة الشمس التي تنير المحروسة (القصبة)، مسلطة ضوءها على  تاريخ لا يقبل الزوال.
زرقة البحر هي المحور الرئيسي للمعرض الذي تقيمه الفنانة فراح لادي الى غاية 31 اكتوبر بمركز التسلية العلمية بالعاصمة، والذي يحمل عنوان »زجاج البحر«...
تضمن العدد مجموعة جديدة من أعمال الفنانة، أرادت من خلالها صنع المفاجأة بتشكيل لوحات ضاحكة بألوان  المتوسطة.
فراح خريجة معهد الإيكولوجيا البحرية متأثرة كعادتها بزرقة البحر، لذلك فهي لا تكف عن الغوص في أعماق المتوسط بفضل قدرة مخيلتها وإبداعها، معطية دوما وقفة من التجديد، والباحثة دوما عن آفاق جديدة أجمل وأعمق.
تركز فراح على الساحل العاصمي لتبحر من خلاله الى اللانهاية مستعملة الأنوثة والجمال الذي لا يختلف على قيمته اثنان، كما تعطي رقيا واضحا من خلال انطباعها على ما تقدم، خاصة عندما ترسم بأسلوب أفقي كأنها تشاهد منظر البحر من أعلى الآفاق.
بارعة هي فراح، خاصة في حركة الذهاب والمجيء عبر اللوحة مستغلة تلك اللوحة من الوجهتين (وجه وظهر).. علما أنها من الزجاج.
تنتعش تلك اللوحات بالضوء والزهور الفواحة المعبرة عن سريان الحياة وعنفوانها.
تتميز الأعمال بأشكالها المستمدة من أسلوب المنمنمات والمركبة بخيوط وأبعاد حرة موضوعة في قلب اللوحة ببناء متكامل متجانس.
يطغى الأزرق على الـ 30 لوحة المعروضة ذات الحجم المتفاوت، والتي تحكي في أغلب الأحيان أساطير قديمة من تراث المحروسة. تبرز اللوحات أيضا بعض الرموز (منها البربرية) التي توحي الى المرأة كـ ''الخامسة'' و''يد فاطمة''، هذه الأخيرة التي كلها إبداع و''صنعة'' قادرة على العطاء.
نقشت على بعض اللوحات أسماء نسائية عريقة معروفة في العاصمة منها ''الياقوت''، ''حجلة'' و''رقية'' و''خداوج''، و''العلجة''.
حرصت الفنانة على إبراز البحر في كل حالاته، أي في هدوئه الذي يمثل بالنسبة لها الإخلاص والسلام، بينما ترى في هيجانه حيوية تعكس النبض القوي للجزائر القديمة، وتعكس أيضا الثورة ضد النسيان والانفعال لهذه المدينة من طرف أبنائها إذا ما تم التخلي عن تراثها سواء المادي منه أو اللامادي.


رابح...، هو رابحة، إنها الحقيقة المرة التي فرضها الاستعمار والميل الاجتماعي الخاطئ الذي يفضل الذكر على الأنثى ويفرح لميلاده أكثر من ميلادها...، إنها امرأة من عامة الناس، عاشت مختلف الصراعات وضحت في سبيل ما تم اختياره لها رغم إرادتها، إنه الموضوع الذي طرحه المؤلف الدكتور ميلود بكوش في روايته ''العذراء والأربعون جلادا''، والتي كشفت العذاب والآلام النفسية لامرأة خلال الحقبة الاستعمارية، حيث اختار رابحة نموذجا للمرأة المتحولة لرجل بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية وحتى الاستعمارية لتخلف في النهاية شخصية تتخبط بين الحنين للأنوثة والجمال، والتشبث بثوب الرجل الذي ارتدته منذ 80 سنة كاملة ولم يعد هناك مجال للتراجع فقد انقضى الوقت.
عندما يفعل الجهل والمستدمر فعلتهما بالقلوب الرهيفة فتصبح رهينة الدور، إلا أن الأمر الذي لم يكن في الحسبان هو أن تلبس الضحية الدور، وتتقمص شخصية الرجل الذي يقف في وجه المستدمر بالسروال المدور والبندقية والبرنوس وهي تعيش شيئا من الأنوثة إلا أن القلب لا يمكن أن يدق أبدا للحب فالأمر أصبح محرما عليها...، ولا يمكن لرابح أن يحب رجلا فهو بحكم الظروف رجل أيضا.
وعبر أحداث الرواية التي جاءت في إحدى عشر فصلا، ضمتها 147صفحة احتضنت أحداثها دشرة في أحد أرياف مدينة الرمشي بتلمسان، تحدثت بإسهاب عن الفترة الاستعمارية، حيث كان الظلم والقهر مسلطين على الجزائريين.
تبدأ مغامرات البطلة وهي الطفلة رابحة ذات الـ 5 سنوات، واختيار الاسم -رابحة- له دلالة خاصة في المجتمع الجزائري فهي من الربح، ورابح سيكون نموذجا للرابح في النهاية وإن كان قد خسر أمورا أخرى، وهي الفتاة المسكينة المغلوبة على أمرها التي فرض عليها والدها تقمص صفة رجل حتى لا تحل اللعنة على البيت ومن أجل مساعدته على إعالة أسرته المكونة من 8 بنات، يقطنون في بيت من الطوب والحجر، مسقف بالديس في حوش محصن بأسوار من نبات التين الشوكي.
المشعوذون أيضا كان لهم دور في التحول الذي مس الفتاة، خاصة بعدما لاحظ أحدهم نشاطها وذكاءها وهي طفلة، وحاول المستعمر الاستثمار في طاقتها من خلال اليد العاملة التي تعمل في الزرع والحصاد، حيث كانت كل الظروف المحيطة ضد الفتاة.
في هذا الوقت بالذات؛ تم اختيار ''رابحة'' لأن تصبح رابح ليكون عونا لوالده في أعمال الحرث وإعالة الأسرة الكبيرة وإسكات الأفواه الجائعة في فترة البراءة الناعمة، قبل أن تميز بين الأعداد والألوان والأسماء وبين المنفعة والمضرة لأن التميز سيمنعها من قبول الدور، لكن الثالوث الشرس: الفقر، الجهل والمستعمر فعل فعلته الشنيعة بها.
تعيش الفتاة الدور وتصبح ''الرجلة'' جزءا من تصرفاتها، بل تتحول النعومة إلى خشونة من خلال منجل الحصاد والفأس وركوب الخيل، حيث يصبح رابح محط أنظار وغيرة بعض الرجال، ثم يتحول إلى تعلم الرمي والضرب بالبندقية، ويقرر أن ينفض الظلم عنه وعن أبناء جلدته وهنا يصعد للجبل ويحارب بكل قواه ويضاف لقائمة الصناديد الذين عرفتهم الجزائر فأبلوا بلاء حسنا في المعارك وأرهب قلب المستعمر، ويقضي سنوات طوال في ثوبه المختار من الأهل والجهل الذي حطم الأنوثة وأيقض الرجولة قسرا...، بالنسبة للمستعمر هو رقم بلا معنى فهي امرأة أصلا ولا يمكن الخوف منها، لأن المجهول الذي يخيف الجنود رجل قوي، محارب، وقناص أيضا.
ويصور بكوش في الفصل الثامن بحث المرأة المخزونة في ثوب رجل عن الحقيقة والعلم وعن تاريخ الجزائر من خلال السيدات المتعلمات اللائي التحقن بالجبل، فهمت الكثير وزاد إصرارها على حماية الوطن إلى أن تقع في كمين بعد التعرض للوشاية من طرف أحد الحركى، حيث تتعرض للعذاب والضرب بالسوط وحتى محاولة الاعتداء الجنسي من طرف أحد الحركيين، إلا أنها تصمد وتحمي شرفها، لكنها في ذات الوقت نالت الكثير من العذاب بالسياط والصعق بالكهرباء والكلام القبيح النابي الذي عذبها نفسيا، وكم كانت سعادتها كبيرة عندما اقتيدت لعنبر النساء المجاهدات حيث استقبلتها زميلاتها في الكفاح من ذوات العمامة واللباس الرجالي بالزغاريد والأناشيد الوطنية. 
ويصور الكاتب في النهاية الرفض الداخلي للمرأة الرجل للدور، وندمها على عدم التمرد وقتذاك فهي تدرك أن العمامة التي ارتدتها سنوات طوالا لم تستطع أن تستر شعرها المتموج المتدلي، ولا القندورة أن تحجب جسدها الممتلئ ولا رائحة العرق النسوي الذي كان يفوح عندما تضرب بفأسها الأرض التي كانت تمتص آلامها في كل ضربة تحمل معاني التضحية، اليأس والتحدي لتذليل الصعاب، وتحرص على طلب المغفرة من الله على ما فعله بها الجهل والمستعمر اللذان سلباها حتى إحساس الأمومة لتحين ساعة الوداع وتنتقل روح رابحة إلى بارئها.
واختار الكاتب أن يقدم مجموعة من الكلمات الدارجة التي كانت متداولة خلال تلك الفترة، والتي حاول من خلالها دفع الجيل الجديد لفهمها من خلال البحث والتقصي على غرار(''العزري'' أي الخادم، الهراوة ''العصا''، ''البايرة'' العانس، '' التويزة'' التطوع، ''البزوز'' الأطفال، ''التراس'' الرجل، ''الصوردي'' المال، ''الشوالة'' الفلاحين) ومنها ما كان يحمل معاني القساوة ومدلولات الظلم والخشونة في المعاملة كالألفاظ التالية ''نظرة استعلائية متكبرة.
وكلمات قوية المعاني والمدلولات والتي رمز من خلالها إلى أنفة الجزائري ودفاعه عن الأم على غرار ''سبع الليل، عنيد، الرهبة، زدام لا يخاف".
 ومن معاني الظلم و''الح'رة'' اختار ''الرماد، السواد، الفاشية، الحطام، الردم، الجلادين التنكيل، أعزل...'' وكلها تحمل مدلولات ''الح'رة'' التي عانى منها الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية.
ويفضل الكاتب أن يترك الصدمة للنهاية ففي الفصل الحادي عشر والأخير ينكشف المستور فكل من حضر جنازة الشيخ رابح في يوم شتوي رعدي عاصف، عرف أنه سيصلى على امرأة اسمها رابحة بنت الهاشمي التي حاربت المستعمر، وكانت مثالا للنضال...، فالرجل صاحب البرنوس والبندقية لم يكن رابح من جنس ذكر، إنما امرأة حضر رفاقها في النضال من مجاهدين ومسبلين ومناضلين، أما باقي الناس فقد تجمدت الدماء في عروقهم...، فالسر الذي أخفته في صدرها وقهرها سنوات طوال رفض اليوم المضي معها إلى القبر، فهي ماتت نعم، لكن هو ظل حيا يعرفه الأحفاد والأبناء.
وحمل الجمع ممن حضروا الجنازة في طريق العودة جملة من التساؤلات في قلوبهم حول المآسي والجراح التي حملتها المرأة خلال حياتها، إلى جانب عذاب الضمير واللعنة التي كانت تحملها في أعماقها على وضعها الذي رفضته لكنها عاشته.
واختار المؤلف للرواية ألوانا مختلفة منها ألوان الطيف التي كانت تسمح للمرأة المعذبة بالتنفس فيها على شكل أحلام، والأخضر رمز الحياة، إلى جانب الأحمر الذي ظهر بقوة من خلال العذاب والألم والموت والدمار الذي عرفه الجزائريون خلال الحقبة الاستعمارية، إلى جانب الأسود المعتم الذي يرمز للجهل والظلم والعادات البالية التي قضت على الأحلام البريئة والمطامح العادية إلى جانب الخيانة التي أمضاها الحركى، الأبيض الناصح أيضا كان حاضرا بقوة ورمزا للأمل والحرية.

ابن مدينة النهرين، البحيرة والجب - الرمشي- ميلود بكوش صاحب رواية ''العذراء والأربعون جلادا''، التقته ''المساء'' وتحدثت معه عن هذا المولود الأدبي الذي ينتظر أن يفتح الأبواب لأعمال أخرى يحضر لها طبيب الأسنان الأديب.
''المساء'': من هو بكوش ميلود؟
بكوش ميلود: طبيب أسنان، هي مهنتي الحالية، هوايتي الرواية، أول إصدار لي هو رواية ''العذراء والأربعون جلادا''، لدي مساهمات مختلفة في الجرائد الوطنية في الخواطر والشعر وأغلبها كتبته وأنا طالب بالجامعة.
- حدثنا عن رواية العذراء والأربعون جلادا؟
* هي رواية ذات طابع اجتماعي، تروي معاناة امرأة في منطقة من مناطق الريف التلمساني خلال الحقبة الاستعمارية، حوالي سنة ,1920 أما المكان فهو قرية من قرى تلمسان وهي منطقة الشافعة، وقد اخترت الحديث عن الأطر والنمط المعيشي في تلك المرحلة، الفقر والتهميش، حيث حاولت من خلالها عرض صورة حياة الأجداد في الريف، حيث كانت البساطة سائدة، فقد كان الغذاء خبز الشعير، كسكسي ومرمز، الملبس البسيط الذي يطلق عليه ''المالطي'' وهو الرديئ، كما كانت العائلات تلف أطفالها في نسيج الأكياس (الخيشة).
- ما هي الألوان التي ألبستها لروايتك؟
* أظن أنني ألبستها كل الألوان فهي تحمل الأسود لون الحزن، الرمادي، والأخضر لون التفاؤل ولون السلام.
- ما سر تسمية ''العذراء والأربعون جلادا''؟  
* العذراء قصة فتاة، امرأة أو طفلة كانت تعيش في مجتمع ريفي لا يرحم الفتاة، لأنه يفضل الذكر لخدمة الأرض، فوالد بطلة القصة رجل فقير، الكل سخر منه وعيره لأنه أنجب البنات مما دفعه لجعل احدى بناته تتقمص دور ذكر ''رابح الطفل'' الذي أصبح رجلا أما الأربعون فهو تعبير مجازي حاولت من خلاله الحديث عن الظلم، الاستعمار، الشعوذة، الفقر، حتى أن أترابها كن ينادينها باسم جديد وهو رابح.
الإنسان ينسى ما عنده من نعم، ويبحث عن السعادة في المال، وحاولت أن أظهر أن البنت تحمي والدها وهي وتساعده في أمور الحياة وتقف بجانبه عند المرض.
- هل كان دورها إيجابيا أم سلبيا؟
* دور إيجابي بالنسبة لأهلها وللمجتمع إلا أن الدور كان سلبيا بالنسبة لها، لأنها فقدت أنوثتها بارتدائها السروال والعمامة.
- من هي الشخصية السوداوية في الرواية؟
* الدجال الشيخ قاسم بونقرة، الذي توعد الأب باللعنة إذا لم يحول رابحة إلى رابح وهو سبب عذاب ومعاناة المرأة التي أعطت درسا في الوطنية في النهاية كونها اختارت أن تكون إيجابية رغم الظلم الذي سلط عليها.
- وماذا عن الشخصيات الإيجابية الفعالة؟
* لقد كانت كثيرة والحمد لله بداية من البطلة، إلى جانب الشخصيات الفاعلة في الثورة والعائلات الصابرة، والعقيد الألماني الذي لبس ثوب المتسول في الدشرة وكان يأخذ الصدقات من أهلها على أساس أنه مغربي، وساعد الجزائريين على الخروج من سجون الألمان لاحقا-.

الحياة قضية تمضي في استمرارها وتتوسع حيث تتحول إلى وطن، وعندما تتحول الحياة قضية وطن تصغر القضايا الأخرى وتتلاشى، لأن الحياة القضية هي ممارسة إرادية للخطر والخوف، لكن هل تكون حياة عندما تغيب الحرية؟ هنا فقط تظهر الحياة بكل تفاصيلها وتكشف كم هي غالية، وأن الحرية وحدها هي الحياة،هذا ما يتناوله سعيد البيلال في كتابه ''إشعار بالحياة.. شذرات من يوميات سجين سياسي''، الذي صدر مؤخرا عن مطبوعات وزارة الثقافة الصحراوية.
وراء القضبان تقيّم الحرية وترتفع قيمتها وتتحول الى قضية، الحرية التي قد يفتقدها الواحد منا عندما تصبح أوسع من أناه، وأرحب من زمن يقاس بحياة فرد، عندما تتحول الحرية الى وطن والوطن الى تاريخ يمتد في الماضي ويعيش الحاضر ويتفتح نحو المستقبل، هنا فقط نشعر بقيمة الحياة التي نريدها.
السجن هو التجريد من الحرية، وهو الإحساس بالقهر والظلم، لكن هناك الإرادة التي في داخلنا التي تقهر السجن والسجّان، خصوصا إذا كانت الإدانة هي الحرية ذاتها، في القديم سُجن العظماء والثوار والزعماء لأن لهم قضية وتحولت زنزاناتهم الى منابع للنور والحرية، بينما أصبح التاريخ يلعن سجّانيهم ويصمهم بوصمات العار والظلم وقهر الإنسان وسلب حريته.
كتاب ''إشعار بالحياة، شذرات من يوميات سجين سياسي'' الذي يقول في ظهر غلافه مؤلفه : ''الكتابة في السجن ليست فقط أداة أخرى لقتل الوقت اللعين، هي فرصتك الوحيدة لمنح الحرية للقلم علّ ذلك يعوض القليل مما سلب منك (الحرية بالوكالة).
هكذا يتحرر السجين حيث لا يستطيع سجانه أن ينتف منه ريش الجناح الذي يرفرف به خارج أسوار السجن، ولا يستطيع تقييد أفكاره لأن الحرية تكمن هناك، والقضية تتقد جمرتها لتصبح حريقا يشعل الغاصب ويصليه نارا حامية من أجل تحرير وطن.
هي سيرة ذاتية، بل هي قصة قضية وراء القضبان يقول عنها مقدم الكتاب مصطفى الكتّاب: ''إشعار بالحياة: عنوان مركب من كلمتين، إشعار وحياة، إذن ليس أي إشعار، وليس إشعارا بأي شيء تافه، أو عادي، أو ثنائي، أو محدود، أو نسبي، لا، إنه اشعار بأهم وأجمل وأنبل وأقدس شيء: الحياة، الوجود، إرادة البقاء، وبطريقة محدودة، في مكان محدد، لأن الحياة تعني المكان والزمان ومن يشغلهما معا، إضافة إلى نمط وأسلوب ذلك الساكن فردا كان أو جماعة''. ويضيف مصطفى الكتّاب معرفا بهذا الإشعار بقوله: ''هذا الإشعار الذي هو في متناولنا أتى من خلف القضبان حاملا في طياته سيرة ذاتية لشاب مؤمن  بقضيته وبشعبه أمام  غطرسة الظلام، وشراسة القمع، وهمجية الجلادين''.
وفي هذه القراءة المقدمة لهذا الكتاب سيقف القارئ على خصائص ومميزات الإنسان الصحراوي، ذلك الإنسان الذي ولدته أمه حرا مفتوحا على السماء والأرض والبحر مملوكا لنفسه وعاشقا لحريته يضرب في الصحراء وهو يعزف نشيده الخالد، هكذا هو الإشعار بالحياة، وان صح التعبير هكذا ينبغي ان نستثمر الشعور بالحياة لأن الحياة قضية، وعندما يجرد أي انسان من قضيته نكون قد جردناه من حريته التي هي حياته.
الهروب إلى الكتابة هو عبارة  عن لجوء آخر إلى الحرية عندما لا نستطيع ممارستها في واقعنا، أو تمنعنا موانع من ممارستها، ليس كمجرد حق وإنما كحياة لا يمكن أن نتنفس بدونها، ولهذا قال المؤلف: ''الكتابة في السجن هي بساطك نحو عوالم اخرى، يوصلك إليها القلم... بعد تكبيل القدم، صهوتك الطيعة القادرة على ان تمخر عباب بحر اللامتاح.. اللاموجود.. واللامسموح، فقلمك لسانك.. قلمك سوطك.. قلمك عصاك.. قلمك رصاصتك.. قلمك مشنقتك.. وقلمك هو أنت حين تعبيه بدمك بدل مدادك، حين تنفخ فيه بعض روحك وتمنحه حاسة اللمس وعاطفة الحب وشعور الحقد وسلطة الجلد وصلاحية المدح وتزرع في أحشائه أجنة من كلمات على شاكلة زخات... تتهاطل حسب الطلب...«.
كتاب ''إشعار بالحياة'' من القطع المتوسط يتوزع على العناوين التالية: التقديم، المخفر،  رفقة الأصفاء، بعد أربعة أيام من العزلة، لباجدة،  غمزة وصل، بصحبة الخليفة، حين بدوت وحيدا، الإضراب حين يكون مفتوحا،  في رحاب الزاكي، وأخيرا الطريق إلى برشيد.
ويتألف الكتاب من 268 صفحة.

الرغبة في ربح الدعوى أو التملص من العقوبة، يدفع بعدد كبير من زوار المحكمة، سواء أكانوا ضحايا أو متهمين، إلى اختلاق العديد من الأكاذيب ونسج السيناريوهات التي يتواطأ فيها بعض المحامين لبلوغ الهدف المنشود، وعلى الرغم من أن كل القضايا التي تعرض على المحاكم تحمل في طياتها نسبة معينة من الكذب في الوقائع أو الأحداث، إلا أننا ارتأينا من خلال استطلاعنا تسليط الضوء على أكثر القضايا التي يطالها الكذب، والكشف في ذات الوقت عن السبب وراء ذلك، وإلى أي مدى يؤثر الكذب في الحكم الصادر بالدعوى.
أجمع معظم المحامين ورجال القانون الذين استجوبتهم ''المساء'' ببهو محكمة عبان رمضان، على أن أكثر القضايا التي يتعمد الضحية أو المتهم أو المدعي اللجوء فيها إلى الكذب تتعلق أساسا بالقضايا الجزائية وقضايا الأحوال الشخصية، ويأتي بعدها بدرجة أقل القضايا المدنية الأخرى؛ كالقضايا العقارية، القضايا الإدارية، القضايا الاجتماعية والمنازعات الإدارية... ويفصل الأستاذ سمير، محامي معتمد لدى المحكمة العليا قائلا: ''لا مجال أبدا للقول أن القضايا التي تعرض على المحكمة كلها تحمل وقائع كاذبة، لأننا نتعامل بملفات موضوع ونقدم بها وثائق إدارية ورسمية،            وبالتالي يصعب اللجوء فيها للكذب، خاصة إن تعلق الأمر بالقضايا التي يقوم النزاع فيها على عقار، أو سكن أو ما شابه ذلك، ولكن أشير أن هذا لا يعني أن القضايا اليوم لا تحوي جانبا من الكذب، فالمحامي ملزم على الاستماع إلى موكله وتصديق ما يقوله، على اعتبار أنه المكلف بالدفاع عنه، وبالتالي قد يلجأ المدعي خاصة في القضايا التي نفتقر فيها للدليل إلى طريق الكذب حتى يقنع محاميه مثلا أنه على حق''. ويضرب ذات المتحدث مثالا في الموضوع حيث قال: ''في القضايا الجزائية وتحديدا في قضايا السب والشتم التي تتطلب العلنية وشهادة الشهود لإثباتها، في هذه الحالة يدعي الضحية أنه قد تعرض للسب ويؤكد على ذلك من دون أن يقدم ما يثبت كلامه، فيكثر من سرد وقائع من نسج مخيلته. أو في قضايا السرقة كسرقة الهواتف النقالة، التي يلجأ فيها المتهم إلى التأكيد على أنه بريئ في غياب الدليل على ذلك. وبالتالي يضيف المحامي قائلا: ''ما يدفع إلى القول بأن بعض القضايا تقوم على سرد وقائع كاذبة تعود بالدرجة الأولى إلى صعوبة الإثبات، أي مادام أنه لا يمكن إثبات الواقعة، فللمتهم أو الضحية أن يسرد ما يشاء من الحكايات، وتبقى السلطة التقديرية للقاضي''.
من جهة أخرى، حدثنا الأستاذ كريم محامي معتمد لدى المجلس، عن مسألة الإثبات في القضايا قائلا: ''في القضايا الجزائية التي تكون عادة عنوانا لسرد الحكايات عن وقائع غير صحيحة، يلجأ فيها البعض إلى إصدار شهادة طبية في ما يخص مثلا الضرب والجرح، إلا أن الاجتهاد القضائي يشير إلى أن الشهادة الطبية تثبت العجز ولا تثبت الفاعل، وبالتالي فهذا الاجتهاد أيضا يشجع المدعين أو الضحايا على افتعال القصص وتشويش المحكمة، مما يؤثر على الأحكام الصادرة ويعرضها للنقض، ما يدفعنا للقول أنه على المحكمة أن تتحرى الدقة في حقيقة الأمور عند الفصل في مثل هذا النوع من القضايا، حتى لا تهدر حقوق الضحايا.
.....ماذا عن قضايا الأحوال الشخصية؟
تعد قضايا الأحوال الشخصية عنوانا حقيقيا للأكاذيب الملفقة التي يتواطأ فيها المحامون نزولا عند رغبة موكليهم، وعلى الرغم من أن بعض أوجه النزاع بقضايا الأحوال الشخصية، خاصة منها قضايا فك الرابطة الزوجية، تتطلب أداء اليمن، مع هذا يلجأ أصحابها إلى الكذب لتظليل العدالة، ولعل من أكثر الأمثلة المتداولة، حدثتنا حولها الأستاذة فضيلة محامية معتمدة لدى المجلس، حيث جاء على لسانها أنه عندما يتعلق الأمر بفك رابطة زوجية، ويكون الطرفان غير راغبين في العودة إلى بعضهما البعض، تدعي الزوجة أنها ترغب في الرجوع، رغم كل ما تعنيه في هذه الحالة، نجد أن المدعية في قضية الحال لا ترغب حقيقة في الرجوع ولكنها تلجأ إلى الكذب على المحكمة حتى لا تضيّع حقوقها، ولتلقي باللوم على الزوج ليظهر وكأنه المسؤول عن كل ما تدعي أنه قام به ضدها. وكذلك هو الأمر بالنسبة للمتاع الذي يقع عليه النزاع بعد الطلاق، فعلى الرغم من أداء اليمين عند وقوع النزاع حول ملكيته، إلا أن البعض يكذب للاحتفاظ به، فأذكر مثلا -تقول المحامية- من بين القضايا التي عرضت عليّ، حيث كنت أتوكل في حق الزوج الذي أكد لي أنه مالك للمتاع، إلا أن الزوجة نفت ملكيته لها، وقالت أن زوجها لم يترك شيئا في المنزل، بعد أن أفرغته من كل محتوياته، وكذبت في الواقعة لتحتفظ بمتاع ليس من حقها، لذا أعتقد أن قضايا الأحوال الشخصية، لكثرة الكذب فيها، تحولت إلى لعبة قانونية تسير نحو تحقيق الأغراض الشخصية لأصحابها حتى وإن كانت غير عادلة.
يتدخل المحامون في كثير من الأحيان لفتح أعين موكليهم والكشف لهم عن بعض الحيل التي تساعدهم في كسب قضاياهم بطريقة سهلة، ولكن بشرط أن يلتزم الموكل حرفيا بما يلقنه إياه محاميه، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالقضايا الجزائية التي عادة ما يتم فيها حياكة سيناريوا محكم للحصول على حكم البراءة، أو على الأقل للظفر بحكم موقوف النفاذ. وحول هذا، حدثنا القانوني العربي قائلا: ''ثقل العقوبة في بعض الجرائم يدفع ببعض المتهمين بما في ذلك ذويهم، إلى طلب المساعدة من المحامين من أجل التملص من العقوبة من خلال اللجوء إلى اختلاق الأكاذيب في الوقائع التي يغيب فيها الدليل، وهو ما يجعل مثل هذه القضايا تبنى على ادعاءات باطلة، ما يعرضها في كثير من الأحيان إلى النقض، أما درجات التقاضي على مستوى المجلس والمحكمة العليا، ويستطرد المتحدث قائلا: ''عنصر الإثبات هو ما يفتح المجال لأطراف الدعوى اللجوء إلى الكذب من عدمه، وما يجعل بعض القضايا الأخرى يقل فيها الكذب، كونها قائمة على وثائق وملفات لا تدع مجالا للكذب كالقضايا المدنية. ومن ثمة، أعتقد -يقول ذات المصدر- أنه يقع على عاتق المحكمة الموقرة أن تركز أكثر عند دراسة القضايا وأن تفتح المجال واسعا للدعاوى التي تتطلب البحث فيها، لتعطي الأحكام مصداقية أكثر.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)