حل الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أمس، بالعاصمة العراقية بغداد يوما فقط بعد أن غادرها وزير الخارجية الامريكي، جون كيري، في إطار تحركات لتشكيل قوة دولية جديدة في العراق ذريعة وجودها "محاربة" مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.ويسعى الرئيس الفرنسي الذي انساق وراء المقترح الامريكي بتشكيل أكبر تحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية إلى منح بلاده دورا منافسا ولو "باستحياء" لذلك الذي تريد واشنطن الاضطلاع به في إطار تصوراتها المستقبلية للمنطقة العربية ضمن ما عرف بخارطة الشرق الأوسط الكبير.ولا يتوانى الرئيس الفرنسي في كل مرة تقرر فيها الولايات المتحدة اتخاذ موقف معين في إطار وضع ترتيبات هذه الخارطة التي بدأت مرحلتها الثانية بما أصبح يعرف ب«الربيع العربي" إلا وأكد السير مؤيدا ومؤكدا دعم بلاده لما تقرره دوائر صناعة القرار في البيت الأبيض والبنتاغون.وإذا كانت دول أخرى انساقت وراء الخطط الأمريكية من منطلق دعم أول قوة في العالم فإن فرنسا على نقيض ذلك تريد أن تؤكد لهذا العالم أنها هي الأخرى قوة فاعلة في رسم معالم مخاض عالم الألفية الثالثة وبالتالي حقها في الحصول على جزء من "كعكة" ضخمة المتأخر عنها سيكون أكبر الخاسرين.وقال الرئيس هولاند، أمس، ضمن هذا المنطق "أنني جئت إلى بغداد من أجل تأكيد استعداد فرنسا تقديم دعم عسكري أكبر للعراق وتلبية لطلب الوزير الأول العراقي حيدر العبادي ولكنه لم يخرج هذا الدعم عن سياق الذي رسمته وجهة النظر الأمريكية واعترف بذلك عندما قال إننا نعمل مع حلفائنا في إطار بعض البدائل التي سيتم التعاطي وفقها مع الموقف الأمني العام في العراق.وهو ما يعني بطريقة ضمنية أن باريس مازالت تنتظر ما تمليه الادارة الأمريكية من خطط حتى يتم تطبيقها من الدول الراغبة في الالتحاق بالتحالف الدولي بما فها فرنسا.وهو ما يفسر التردد الذي طبع موقف الرئيس الفرنسي في إعطاء إجابة واضحة للوزير الأول العراقي حيدر العبادي على طلبه بضربات جوية لدول الحلفاء مفضلا أيضا التزم الصمت حول ما إذا كان يعتزم إرسال حاملة الطائرات الفرنسة "شارل ديغول" إلى المنطقة لضرب مواقع تنظيم الدولة الإسلامية.ثم إن وجهة نظر الرئيس الفرنسي للوضع العام في المنطقة العربية ومبررات انخراط بلاده في المساعي الأمريكية لم تخرج عن الذرائع التي قدمتها واشنطن وهي كون التهديد الإرهابي شامل ويستدعي ردا شاملا لأنه أصبح يشكل تهديدا للجميع كون مقاتليه قدموا من كل البلدان التي يمكن أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية واقتراف أعمال إرهابية.والإشارة واضحة الى مئات الرعايا الأوروبيين الذين التحقوا بتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق وجعل المخابرات الغربية تستنفر أجهزتها لتحييدهم ومنع آخرين من الالتحاق بهم.وتأكد من خلال تواتر المبادرات الفرنسية في المنطقة العربية أن باريس تريد لعب دور محوري في كل الترتيبات التي تسعى واشنطن رسمها للمنطقة وتفادي عدم تهميشها كقوة تريد أن تكون لها كلمة في منطقة تبقى محل اهتمام كل القوى العالمية بالنظر الى أهميتها الاستراتيجية.ولكن هل لفرنسا وسائل تنفيذ استراتيجية "طامحة" للعودة إلى واجهة أحداث العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديدا وتمكنها من مقارعة الولايات المتحدة التي لا تريد أن يكون لها "ربيب" يزاحم مشاريعها في منطقة تعتبرها أول منطقة في حساباتها الاستراتيجية بما فيها أمنها القومي.وحتى وإن كانت فرنسا تريد أن تسوق لنفسها صورة الحليف «الندي" للولايات المتحدة ولكنها تبقى بالنسبة لهذه الأخيرة حليف يقلقها وتريد له فقط لعب دور "المناول" الثانوي.وظهر ذلك جليا خلال التدخل العسكري الأطلسي للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي قبل ثلاث سنوات حيث انفردت الولايات المتحدة بلعب الأدوار الأولى والأقل تكلفة عبر التشويش الالكتروني والحصار البحري بينما خولت لفرنسا دور إرسال قوات خاصة لملاحقة موكب الرئيس الليبي وقتله.ومعضلة الدبلوماسية الفرنسية أنها تفتقد إلى روح المبادرة الدولية تؤهلها لان يكون لها دور محوري في الترتيبات العالمية وحتى وإن وجدت لديها فإنها لا تلقى التأييد الدولي اللازم الذي يشجعها على مواصلة مشاريعها إذا سلمنا أن الولايات المتحدة لا تريد أقطابا أخرى في الخارطة الدولية حتى من دول حليفة لها في حلف الناتو.وهو ما يجعل رغبة باريس في ولوج المشهد العراقي ومنه إلى الوطن العربي عبر ندوة تحتضنها العاصمة الفرنسية يوم غد الأحد حول "السلم والأمن في العراق" تبقى محاولة من الأدوار الثانوية على اعتبار أن الأولوية اليوم في هذا البلد لمسالة الحسم العسكري قبل أي دور اقتصادي أو سياسي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/09/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : م مرشدي
المصدر : www.el-massa.com