الكاتب العراقي »حيدر حيدر« في روايته »وليمة لأعشاب البحر« قال: »نحن نعشق والآخرون يتزوجون عشيقاتنا«.. وبعض الفضائيات تزوجت الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد عشق الشعب لها.. بل احتكرت الحقيقه وأصبحت لديها وصفات جاهزة ولكل شيء وبفتاوى »قرضاوية«.. حتى أن هذا العالم الجليل ورغم وسطيته حلّلَ التدخل الأجنبي لفرض الديمقراطية على الشعوب قبل الأنظمة.. بل في خطبته يوم الجمعة في »بنغازي« أصبح منجماً عارفا لما سيحدث في بعض البلدان ك»اليمن« و»سوريا«, طبعا تناسى »البحرين« وما حولها.. وأقسم بأن الشعوب ستنتصر..
واقع الأمر وتاريخيا حين تُقرّر الشعوب الخروج على الظلم والدكتاتورية وتكسر عقدة الخوف فهي منتصرة بإذن الله.. المشكلة ليست في ذلك بقدر ما يريد شيخنا الجليل محاكاته.. فهو ومثل بعض الفضائيات يقف إلى جانب جزء من الحقيقة ولا ينظر لعمق الحقيقة ذاتها ومن نفس الكأس التي يشرب منها تلك الحقيقة.
شتى الشعوب تتوق للحرية والديمقراطية.. ولا يجادل أحد في الحق الطبيعي للإنسان بأن يعيش بكرامةٍ في وطنه بما يشمل كافة حقوقه غيرُ منقوصه.. الحق في المشاركة الفاعلة في الدولة من الاختيار عبر الانتخابات إلى حق السكن والتعليم والصحة وحرية الرأي والتكتل ضمن أحزاب.. إلخ.
وهنا لا بدّ علينا أن ننظر لما يحدث وحدث في الوطن العربي حتى الآن على أنه مسألة طبيعية في السياق التاريخي.. فلا يمكن للشعوب أن تبقى مُستباحه مَذلولة لا حول ولا قوة لها.. فهي مصدر كل السلطات.. وهي صاحبة الحق في الوطن وفي تقدمه وتطوره بما يخدم مصالحها أولا وقبل كل شيء.. السياق الطبيعي أن تنضج الثورة وفقا للقدرات الذاتية أولا قبل إنضاج العامل الموضوعي.. فالشعب ومعه أحزابه وحركاته ومستقليه يُجمع على ضرورة إحداث التغيير.. بإعادة صياغة عقد اجتماعي جديد لشكل نظام سياسي واجتماعي واقتصادي يسمح للجميع بالمشاركة ويحفظ للأقليات حقوقها وبما يخدم توحد الوطن تحت راية واحدة.
في »تونس« و»مصر« كان العامل الذاتي هو عنوان الثورة.. وجاء الموقف الدولي مؤيداً بحذر وداعما بحذرٍ أكثر, في حين الإقليمي كان متوجسا خائفا ومستعداً للدفاع عن الديكتاتوريات بل حتى استقبال رموزها, الموقف الغربي جاء كنتيجة واقعية للمحافظة على مصالحه بالأساس وعدم المجازفة بالاستمرار بالوقوف إلى جانب الديكتاتوريات, ومحاولة امتصاص الضربة وبأقل الخسائر.. حتى الآن لم تتضح الصورة وتحتاج لبعض السنين لمعرفة واقع التغيير الذي حدث وارتداده على الإقليم والمجتمع الدولي ككل, ومع ذلك بدايات التحولات القائمة في البلدين تؤسس لنوع من التغيير الذي سيُحدث مشاركة جماهيرية فاعلة في الحكم رغم مخاطر ما يحيق بها من ظروف نابعة من التدخلات الخارجية..
في »ليبيا«.. كان للعامل الموضوعي الدور الحاسم.. تدخل »الناتو« وفرض أجندة جديدة بالقوة العسكرية أدت لسقوط الطاغية, ولكن ارتداداتها غير معروفة العواقب وتحتاج لعقدٍ من الزمن بالحد الأدنى لإعادة بناء الدولة »الليبية« شرط أن تتفق المجموعات المحلية المختلفة على شكل التغيير الذي تريده وتُحدث عملية مصالحة شاملة بين قطاعات الشعب الليبي ككل..
بينما في »اليمن« هذا العامل كان المعيق الأول والأساسي في إحداث التغيير الديمقراطي الحقيقي وفق مطالب الحركة الشعبية المليونية والمستمرة.. فالإقليم من خلال الدول المحيطه وبدعم غربي وأمريكي بشكل خاص منع عن شعب »اليمن« طموحاته.. ومع ذلك المسألة هناك لم تحسم بعد.. ومخاطر ارتداداتها القبلية والجِهَوية واقعية وممكنة, وقد تؤدي لتحول اليمن إلى شظايا متعددة إذا لم يُحسن الشعب وحركاته السياسية قيادة المعركة برؤية وطنية شاملة.
و»لمملكة البحرين« قصة أخرى, فالحركة هناك قُمعت من العامل الخارجي الإقليمي وبدعم غربي وأمريكي مباشر, وبحجج طائفية غير مبررة إلا في عقول الطائفيين المتعودين على حكم الأغلبية بالقمع, والمُتمتعين بخيرات البلد الذين لا يريدون للأغلبية الساحقه من الشعب مشاركتهم فيها.. هنا الحل لا يمكن أن يستمر وفقا لرؤية ملكية أو بتناسي الشيخ الجليل داعم الثورات, بل بإصلاحات جذرية تحفظ للجميع حقوقه وتؤدي للمشاركة الفاعلة لقطاعات الشعب المختلفة وبرؤية جامعة لا مفرقة.
أما »سوريا« وما أدراك ما »سوريا« كحقيقه جغرافية وتاريخية لها امتداداتها عبر التاريخ, وتقع في قلب العرب والعروبه وتُشكل رأس المشرق العربي المُتَفتح وحاميته من كلِّ المخاطر المحيقه, فأحداثها وحركة شعبها وقواه السياسية الفاعلة والحيّة وقفت وستقف بالمرصاد لمتزوجي الديمقراطية والحرية العُرفيين.. التغيير والإصلاح لا بدّ أن يحدث ووفق أجندة سورية مسنودة من الإخوة والأصدقاء المخلصين, ومؤامرة الفضائيات ومن خلفهم ستكون وبالا عليهم وعلى مصداقيتهم وستؤدي لزيادة الجرح والمعاناة التي يعيشها شعب سوريا الأبي..
نُقر بحق الشعب السوري في اختيار قيادته ونظامه السياسي شكلا ومضمونا وفق خطوات مدروسه وبرؤية جمعية للحركات المختلفة, وبمن فيهم النظام السوري, وبحيث تراعي التنوع والتعدد الذي تتميز به قلعة بلاد الشام.. ولا مجال هنا للسجال أو الخطأ أو رفع سقف المطالب وفقا لمتطلبات إقليمية ودولية كما يحدث مع »غليون« و»مجلسه«.. التسامح والحوار وحده والمضي قدما بالإصلاحات هو وحده الكفيل بالخروج من الأزمة, وغيرُ ذلك هي وصفات مجنونة وحاقدة تُريد نزع الزهرة المُتفتحة عن غُصن العرب وإبقاء شوكها.
البلاد ليست ملكا لكم ولا لفضائياتكم وأموالكم.. وخططكم باءت بالفشل سابقا ومصيرها المستقبلي الفشل المحتوم أيضا, فهم »لا يرون من الأيام شموسها وصباحاتها«, كما قائل »الحيدر« العراقي, وبين الشعب وجلاديه الآن مسافة صرخة وهتاف, ولا مفرّ من المحاسبة والتغيير.. والشعوب العربية لم تعد طفلاً مُتلقّ في غابة البترول وفضائياته.. والزمن القبيح تمحوه ميادين التحرير وسواعد المتشبثين بالكرامة الرافضين لدشاديش الديمقراطيين صُناع الإعلام الموجه والمُزيف.. والشعوب عاشقة الحرية لن تسمح لطفيليي التكنولوجيا من سرقة عشيقاتهم ولن تستطيع حرف دربهم, رغم كلّ حُفرهم ورشاويهم وقراراتهم ومؤسساتهم الإقليمية والدولية.
وصَدّقوا أو لا تُصَدّقوا, فكروشكم كشفتكم, وعروشكم زائلة, وأنتم لم تعودوا تملكون البلاد ولا العباد, وإرادة الشعوب لا نجاة منها.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/12/2011
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فراس ياغي
المصدر : www.essalamonline.com