يصوّر الكاتب الصحفي المغربي وأحد العناصر البارزة في تيار المعارضة لحركة 20 فيفري، علي عامر، في هذا الحوار، الصورة الحقيقية لنظام المخزن، معتبرا أن سقوط الملك حتمية يمليها حجم التراكمات الموجودة لدى الشعب المغربي ورغبته في إحداث التغيير. كما لا يستبعد علي عامر، الذي أوقف عدة مرات، تورّط النظام في التفجيرات الدموية التي هزت مراكش، مؤخرا، حتى تكون حجة مقنعة لإحداث قطيعة مع أي رغبة في التغيير، مستحضرا في هذا الصدد تفجيرات الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003، والتي أعقبها توقيف الانفتاح الديمقراطي الذي كان سيحدث ودعم فرنسا للملك لن يقلل من عزيمتنا في إسقاطه” سجن “تزمامارت” والسجن السري بـ”تيمارة” لا يختلفان عن معتقل غوانتانامو في البداية؛ هل يمكنك إعطاءنا لمحة عن حركة 20 فيفري المغربية، المطالبة بتغيير النظام بالمملكة؟حركة 20 فبراير المغربية جاءت في إطار الثورات العربية التي عاشتها العديد من الدول العربية، الناشدة للتغيير وإسقاط الأنظمة الدكتاتورية، وهي حركة مكونة من شباب منقطعين سياسيا عن التشكيلات الحزبية المغربية التقليدية، وهذا هو عنصر الحداثة والتجديد فيها. كما أن متوسط أعمار هؤلاء الشباب يتراوح في حدود العشرين سنة، زيادة على هذا فأغلبيتهم كانوا ناشطين في حركات مستقلة مدافعة عن حقوق الإنسان والحريات الشخصية، بالإضافة إلى أن بعض العناصر المنخرطة في الحركة تتميز بتنوعها السياسي، فبعضهم ينتمي إلى أحزاب اليسار والبعض الأخر إلى أحزاب إسلامية معتدلة. وبالتالي هذه التشكيلة الشبانية والحزبية الجديدة، تريد إحداث قطيعة كلية مع النظام الملكي، ولا ترضى بالتغيرات التي يقدمها الملك حسن السادس للتمويه والترقيع، لأنها ليست هي التغيرات التي يريدها الشعب المغربي ببساطة.أنتم ضمن حركة 20 فبراير المناشدة للتغيير وإسقاط نظام المخزن، الذي تعتبرونه مسؤولا عن جميع المشاكل والإحباطات التي يعيشها اليوم الشعب المغربي، فعلى من تعولون في تحقيق ذلك، وما هو مفهومكم لإرساء مشروع مجتمع ديمقراطي ؟هناك 300 ألف مغربي خرجوا للشارع من أجل إحداث التغيير سلميا، كما أن شرائح واسعة بالمغرب لا تقبل الوضعية الراهنة وهي غير مستعدة بأي شكل من الأشكال لتقبل “فيوداليزم” القصر الملكي، وأنا أظن أن المجتمع مستعد الآن لتغير النظام وإسقاط نظام محمد السادس، الذي يعتقد أنه “إله على الأرض”، وكما قلت لكم أنّ شرارة التغيير قد اندلعت ولا يمكن إطفاؤها.قياسا بما هو موجود في حركتكم وما هو موجود في الواقع، هل تتوقعون أن التغيير الذي ينشده المجتمع المغربي ضد نظام الملك، سيكون في الأشهر القليلة القادمة، أم سيأخذ الكثير من الوقت؟الشيء المؤكد هو أن التغيير في المغرب سيحصل، ولا مجال للتراجع عنه، لأن شرارة الفتيل قد اندلعت وسوف لن تنطفئ إلا بسقوط نظام الملك محمد السادس، ولكن الحقيقة المؤكدة أيضا، هو أن التغيير لن يأتي من القصر الملكي، والدليل أنه لو كان يريد فعلا ذلك لقام به عند اعتلائه العرش منذ 11 أو 12 سنة، وحتى تلك التغييرات الطفيفة التي يقوم بها الملك الآن، جاءت تحت ضغط الشارع، وجميع المحاولات التي يقوم بها مثل إعلانه عن تعديل الدستور وتشكيل لجنة تشريعية وقانونية خاصة بذلك سوف لن تفيد، لأن تلك اللجنة تضم أشخاصا موالين للنظام، ولهذا هناك حقيقية اجتماعية رافضة لاستمرارية الأوضاع في المغرب وهي تريد تغيير جذري للنظام.كما أنني لا أستطيع نفي وجود إمكانية كبيرة لحدوث التغيير في المغرب وإسقاط النظام الحاكم، بالقوة، لأن المغرب لا يشكل الاستثناء بالنسبة لبقية الدول العربية التي أريقت بها الدماء لإسقاط الدكتاتوريات المستبدة، حتى وإن كان هناك فرق طفيف فيما يخص هامش الحريات التي افتكت بالقوة من طرف الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في نهاية التسعينات.وكان أول ربيع ديمقراطي عاشه الشعب المغربي خلال فترة انتقال الحكم من الملك الحسان الثاني إلى اعتلاء محمد السادس، لكن ذلك الانفتاح سرعان ما تلاه الغلق، لأسباب أمنية، وهو ما يظهر الآن من جديد من طرف الشباب الذي يريد التغيير.هل تعتقدون أن التفجيرات الدموية الأخيرة التي حدثت بمراكش، وسقط فيها العديد من الضحايا، ستساعد في دفع حركة التغيير آم ستكون لها آثار سلبية ؟ للأسف الشديد؛ هو حادث مؤسف ودموي، لا يخدم أحدا في البلاد، بمن فيهم دعاة التغيير، بل هو فرصة ذهبية بالنسبة للمحافظين، وقد عشنا نفس الحدث خلال تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003، فتم غلق جميع فضاءات الحرية التي فتحت، وتراجعت الأمور بشكل رهيب، وكانت حجة أو تبريرات المخزن آنذاك هي مطاردة الإسلاميين المتشددين، ولكن في الحقيقية، مجالات الحرية تعرضت للتضييق والغلق ونحن نخاف جدا اليوم من كون تفجيرات مراكش تتزامن وحوار عميق داخل المجتمع حول التغيير، والخطر الكبير الذي تمثله هذه التفجيرات أنها ستكون فرصة لقمع من يريدون التغيير وتوقيف مساره، وسيرددون أسطواناتهم المشروخة المتمثلة في أنه عندما نفتح المجال للحريات يدخل الإسلاميون ويعبثون بأمن البلد.لكن؛ وفي ظل التغيير الذي تريدونه، ألا تتخوفون من أن يستغل التيار الإسلامي المتشدد الفرصة ويصل إلى الحكم في المغرب، وبالتالي تكون الوضعية أسوأ مما هي عليه الآن؟نعم؛ نحن على دراية بذلك، ونستحضر في هذا الصدد دائما ما وقع في الجزائر خلال سنوات التسعينات، لكن أنا أظن أن المغرب بلد محافظ وقائم على أسس دينية، كما لا يمكن أن نهمل بأي شكل من الأشكال الإسلاميين في حركة التغيير، وأنا متأكد أن الإسلام الراديكالي في المغرب هو هامشي وليس منتشرا بكثـرة، ولهذا أقول بأن أنصار التيار الإسلامي المعتدل بالمغرب يجب أن يدرجوا في اللعبة السياسية ويجب تقبلهم، حتى وإن كانت تشكيلتهم لا تحقق مشروع المجتمع الجيد في نظري.قلتم إنّ “نظام المخزن هو نظام بوليسي ولا يريد التغيير، ولو كان الملك يريد ذلك لقام به منذ اعتلائه العرش”.. ألا تعتقدون أن للنظام المغربي يدا في تفجيرات مراكش من أجل توقيف عجلة التغيير ؟هو سؤال طرحه العديد من الناس، بمن فيهم دعاة التغيير. لكنني شخصيا لا أعتقد أن ذلك قد حدث، لأنه إذا كان النظام قد قام بذلك فهو يضر بالسياحة التي تشكل أزيد من 15 بالمائة من مداخيل البلد، كما أن قطاع السياحة محرك للتنمية بالمغرب، زيادة على هذا؛ فالسياحة هي الورقة التي يحسن بها النظام المستبد صورته في الخارج، وعلى هذا الأساس توجد لدي شكوك في هذا الشأن، ولكن الفرضية التي في ذهني أن بعض من هم في النظام ممكن أن يقوموا بذلك لأن النظام متعدد الأوجه، ولهذا من الممكن أن يوجد يد لبعض المحافظين الرافضين للتغيير في حدوث تلك التفجيرات الدموية، كما أن بعض من يوجدون في النظام يعتقدون أن مراجعة الدستور ستمس بسلطاتهم ومصالحهم، ولهذا هم يرفضونها، ولهذا من الممكن أن يقدموا على مثل هذه الأعمال. الملك محمد السادس أفرج مؤخرا عن مجموعة من السجناء المنتمين إلى التيار السلفي المغربي، ألا تعتقدون أن تفجيرات مراكش لديها صلة بهذه المجموعة المفرج عنها مؤخرا؟هذا احتمال ممكن جدا، فـ190 سجين الذين حرروا قضوا عدة سنوات في السجن وتعرضوا لأبشع عمليات التعذيب دون مراعاة لأي بند من بنود حقوق الإنسان، والأسوأ من ذلك أنه لم يتبقّ على انتهاء مدة سجنهم سوى شهرين فقط، ليتم الإفراج عنهم بصفة عفو وهذا تغليط للرأي العام. والجميع يدرك العذاب البشع الذي مس المسجونين بسجن “تزمامارت” الموجود بقلب الدار البيضاء، والسجن السري بمنطقة “تيمارة”، التي هي معاقل للتعذيب لا تختلف عن معتقل غوانتانامو. ومحمد السادس ليس لديه أي استثناء في هذا المجال، مقارنة بوالده حسن الثاني، ولهذا من الممكن جدا أن يقوم هؤلاء المساجين بمثل هذا النوع من التفجيرات للانتقام من العذاب الذي تعرضوا له طيلة سنوات سجنهم. وفي الوقت الراهن ليست لدينا جميع المعطيات للتعرف على الجهة الحقيقية، التي دبرت العملية الإرهابية.لاحظنا أن فرنسا تظهر دائما في ثوب المدافع عن حقوق الإنسان والراعية للمشاريع الديمقراطية في الوطن العربي، لكن ما قامت به في تونس أسقط عنها ذلك القناع، وكان دليلا قاطعا على براغماتيتها، ونجدها اليوم تقوم بنفس الشيء مع المغرب، حيث تقف علانية إلى جانب الملك ولا تقدم أي دعم لدعاة التغيير، لماذا في نظرك ؟نعم؛ باريس وواشنطن قدمتا الحماية دائما للنظام المغربي، ومحمد السادس هو الحاكم المدلل في نظرهما، ومن هذا المنطلق حمت باريس هذا النظام مثلما قامت به مع أنظمة أخرى في مناطق مختلفة، وأصدق دليل هو حمايتها طيلة سنوات لنظام الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، لكن هذا لم يمنع الشعب التونسي من إسقاطه وإزاحته بالقوة ونفس الشيء وقع في مصر. وحتى وإن كانت النخبة المغربية لا تريد أن تضيع مصالحها الاقتصادية المرتبطة بباريس، فإن لدى الشعب المغربي ما يكفي من التراكمات لإحداث التغيير، وهو متمسك به ولا يرضى بأي بديل عنه، ونحن سوف لن نختلف عن التونسيين الذين ساندت فرنسا نظامهم ورغم ذلك أسقطوا النظام وانتصرت في النهاية ثورتهم.أصدرتكم مؤخرا كتابكم “محمد السادس.. سوء الفهم الكبير” حول الملك محمد السادس، فما هو مضمونه وأهم المحطات التي طرحتها فيه ؟“محمد السادس.. سوء الفهم الكبير”، كتاب أصدرته بفرنسا، يصور صورة التناقض والنفاق لدى الملك محمد السادس، فهو يظهر في بداية اعتلائه للعرش في صورة الحاكم المتفتح الديمقراطي والحامي للحريات، لكنه في النهاية عكس ذلك تماما، والكتاب يسلط الضوء أيضا على جميع عمليات التوقيف لمحاولات الانفتاح الديمقراطي وتقليص الحريات، ويظهر في النهاية أنه مجرد مواصلة لما كان يقوم به والده الملك الحسن الثاني في جميع المجالات. ينتقد علي عامر، الذي يعيش حياة الترحال ما بين باريس ومدريد، الدعم الذي تقدمه فرنسا للملك محمد السادس، حفاظا على مصالحها، حتى وإن كان الشعب يريد رحيله، بالنظر لحجم التراكمات الموجودة لدى الشعب المغربي منذ عهد أبيه، الحسين الثاني، بالإضافة إلى خرقه لحقوق الإنسان، وأصدق دليل على ذلك ما يقع في سجن “تزمامارت” بالدار البيضاء، والسجن السري “تيمارة” اللذين لا يختلفان كثيرا عن غوانتانامو.ولا يتخوف، علي عامر، من مشاركة الإسلاميين في التغيير، لأنهم يمثلون التيار المعتدل، حتى وإن عبّر عن قناعته بأنهم لا يمثلون مشروع مجتمع ديمقراطيا جيدا، ويقلل في نفس الوقت من أهمية التيار السلفي الإسلامي لأنه قليل الانتشار.
أجرت الحوار: شريفة عابد
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/05/2011
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com