الجزائر

شيخنا الأستاذ محمد بن أبي القاسم الهاملي



سيدنا شيخ الإسلام مقتدي الأولياء العظام، علم الهدى الذي من انتمى إليه كان من السعدا، القطب الرباني، و الفرد الجامع الصمداني، العلامة الإمام، و القدوة الهمام، شيخ المالكية شرقا و غربا، قدوة السالكين عجما وعربا، مربى المريدين، كهف السائلين، سيدي أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن ربيح بن الولي العارف بالله سيدي محمد بن عبد الرحيم بن سائب بن المنصور الشريف الحسني نسبا، المالكي مذهبا، الأشعري اعتقادا، الرحماني طريقة، الهاملي مسكنا، الجزائري إقليما.
كان رضي الله عنه و أرضاه و أعاده علينا من بركاته و أسراره آمين من أكابر المشايخ العارفين، وأعيان المحققين، و أعلام العلماء الراسخين صاحب الكرامات الخارقة، و الأحوال النفسية و الأنفاس الصادقة، و المعارف السنية، وكان يلقب قدوة الفريقين يهي السمت طاهر الوضاءة، فصيح الكلام فيما يشرحه من أحوال القوم، وكان يلبس لباس أعيان العلماء، و يركب الفرس و هو أحد أركان هذا الشأن، وإمام سادته و أجلاء القادة إليه، و رئيس الدعاة إلى الله، له القدم الراسخ في التمكين و الباع الطويل في أشرف الأخلاق، و انعقد عليه إجماع المشايخ و العلماء رضي الله عنهم على اعتقاده بالتعظيم و التبجيل و الاحترم، وأوقع الله تعالى محبته في القلوب و تخرج بصحبته غير واحد من اعيان المشايخ في الظاهر، و انتمى إليه من مشايخ الصوفية جم غفير، واشتهر ذكره في الآفاق، و قصد بالزيارات من كل مكان، و له كلام في الحقائق و تسليك المردين، و آداب الصادقين كثير مشهور، رضي الله عنه.
و كان له الكرامات الظاهرة، و الأسرار الباهرة، و الأحوال الخارقة، والمقامات السنية، و المكانات العلية، له الباع الطويل في التصريف النافذ مع اليد المبسوطة في علوم المشاهدات، و القدم الراسخ في التمكين، و الطور الأرفع في معالم القدس، و هو أحد من أظهره اله غلى الخلق، و صرفه في الوجود، و مكنه من أحوال النهاية في إقاضة اسرار الولاية، و خرق له العادات، وأظهر على يديه الأحوال الخارقات، وأنطقه بالمغيبات، و أجرى على لسانه الحكمة، وملأ القلوب بمحبته و الصدور بهيبته، و كان رضي الله عنه ما دعا إلا أجيب و لا عاد مريضا إلا عةفي إن كانت له بقية من الأجل، ولا نظر بعين الرضى إلى قلب خرب إلى عمر، و لا عكسه إلا خرب، أعاذنا الله من ذلك و ما وقع نظره على عاص إلا أطاع، ولا دعا في شيء بالبركة إلا و ظهرت شواهد الإجابة، وهو أحد من جمع الله له بين علمي الشريعة و الحققيةن وأفتي بالإقليم الجزائري على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، وقصده طلبة العلم، وأخذوا عنه، وانتفعوا بكلامه، وانتهت إليه الرياسة في العلم بالمغرب.
و قفت الناس عند فتاوية، و كان متقشفا في مأكله و مفرشة، وكان خلفه واسعا، إذا تجادل عند الطلبة و الإخوان يشتغل هو بالذكر حتى يفرغ جدالهم، وكان يقضي بعض المصالحه بيده، و كان كثيرا الأدب و الحياء، كريم النفس جميل المعاشرة حلو الكلام، و كان مهاب المنظر عليه خفر العلماء العاملين و الأولياء و الصالحين، وكان نهاره و ليلة في الطاعة إما في علم، أو تلاوة قرآن، أو ذكر ورد، أو فكر قي مصنوعات الرحمن، أو قضاء حوائج المسلمين.
و يقصده الناس من جميع الجهات لتفريج كريم و فضاء ديونهم، فما يذهبون من عنده إلا بالشيء الكثير فوق مرادهم، و الخلق في الإحسان عنده على حد سواء، ويقول: الخلق عيال الله براعي حق الكبير و الصغير و الغني و الفقير و القوى و الضعيف و الوضيع و الشريف حتى الوحوش و الطيور، و كل المخلوقات الله يعظم العلماء و الصالحين و ذريتهم، و أهل سنده الظاهر، و أهل سنده الباطن، له اليد الطولى و النعمة الكاملة عليهم، يعظم مكانهم ويقدمهم على غيرهم من الخاصة و العامة، ولا يملك معهم شيئا من الدنيا مع طيب نفس، بل لو يأخذون جميع ما يملك لكان عنده ذلك من أحسن ما يكون و أجل و أقضل ما هو كائن، ويعادي من عاداهم، و يحسن إلى من أحسن إليهم، ويبالغ في الأدب معهم و يحفظ حقوقهم في الغيبة و الحضور و يقيل عثراتهم، ولا يلتفت إلى هفواتهم، والله در العلامة الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن الديسي حيث قال بديعيته في مدح الأستاذ:
ما كفه كالغيث حيث يهمــع
فذاك يمكث و هذا يلقــع
أو لم يشابه الغمام كـــــفه
لما استجاد الناس منه وكفـه
و فضله فب الخافقين قد عــلم
أشهر من نار على رأس علم
و إن سألت عنه فهو الـــبحر
يخرج منه جوهـــر و در
قد شايهت أخلاقه الريـــاضا
لطافة و كفة الحياضـــا
و الأرض لولا غوثنا لدكـدكت
لأنها قدما لدينا اشتكــت
لكل عصر مفرد إمـــــام
غوث به أحواله تقـــام
و لد رضي اله عنه و أضراءه بالبادية بمحل يقال له الحامدية ضاية الحرث على الجهة جبل تاسطارة، وهي بلاد أولاد الأعويني فريق أولا سي محمد في رمضان سنة تسع و ثلاثين بعد المئتين و الألف، و من اسم الحامدية المولود فيها أخذ فيها أخذ الفال فحمده أهل السماء و اهل الأرض.
و لما حفظ القرآن قدم إلى زاوية الولي الله سيدي السعيد بن أبي داود بزواوة، ولازم ابن ابنه بها العلامة الشيخ سيد أحمد، وجد اجتهد حتى برع الفطرة، مفرط الإدراك بعيد الغور، غواصا على المعاني الدقيقة، جبل علم مناظر محاججا.
و في سنة خمس و ستين و مئتين و ألف ابتداء التدريس ببلدة الهامل، فأصبحت به زاهرة يانعة، و انهالت له الخلق من كل جهة لطلب العلم و حل به النفع الكثير، وكان يحضر درسه في الفقه نحو ثمانين تلميذا أو أكثر، كانت مؤونة الطلبة في هذه السنوات من عنده، وابتدأ من التفاسير "بتفسير الواحدي" و من كتب الحديث بشرح العارف بالله سيدي عبد الله بن الأبي جمرة و تقديمه لهاذين الكتابين التماس بركة صاحبيهما، للأن الكتابين كان من ملك جده الولي المشهور سيدي محمد بن عبد الرحمن في مدحه أيضا:
صل با رب و سلم أبــدا
على خير الخــلق عرب و عجم
ما جمال الروض ما ذكر إرم
مـــا عناء ما عصير من كرم
ما سمو البدر في أفـق العلا
كعـــلا شهم سجاياه الكرم
أمــــــة الأمة في أمتنا
قـطب فضــل خيرالأستاذ يؤم
مرشد الخلق إلى سبـل الهدى
زاكـي الأحـوال محمود الشيم
من أعاد الغرب روضا يشتهى
بعدمـــا كــان مواتا لم يرم
بذر الخير به حتى ازدهــى
فـلأرض الغــرب فخر قد عظم
جدد الدين و قد كــان وهى
نصح الأمـــة في الوقت الأهم
و لقد أحيا رسموما درســت
بدروس كـــم لها فضل و كم
حق أن تسعى المطايــا نحوه
لوذعــــي تاج أرياب الهمم
علم الأعلام معلي قـــدره
إذا تراهم رفعـــوا الاسم العلم
و اسمه الحمد البليغ المرتضـى
و اشتقاق الاســم من فع وسم
طــابق الاسم فعال حسنها
يخجـل البدر النفـــيس المنظم
ورث الســؤدد عن اسلافه
إذ لهــم في ذروة المجد قــدم
نســب مثـل لآلي نسقت
منه حتى المصطفى خير الــنسم
طاب أصـلا و فروعا و جنى
منبـــع الأسرار مصباح الظلم
شمس فضــل طلعن في افقنا
فانحـــــلى عنا بها كل قتم
حجة الله عــلى الخلق فمن
عارض الحــــجة فهو المنفصم
خادم السنة مخـــدوم الورى
فاعجبوا من خــادم كيف خدم
ظهرت اسراره و انبــجست
من طوايـــــاه ينابيع الحكم
زاده الله تعـــــالى رفعه
فلقد أسدى لنــــا النفع الأم
حدثوا عنه بما شئـــم و لا
حرج عنكم فهذا عنكم فهذا الحبريم
قدروى القيض لنــا عن نائل
عن عطـــاء عن يسار عن كرم
وروى الكل لنـــا عن جابر
عن سعــــيد أنه السعد الأتم
صرت يا عيد به عــيدا هنا
كيف لا هو الإمــــام المحترم
أنت تأتي بســـرور يتقضى
و هو للخلق ســـرور و نعم
ذو مزايا لا يـــفي المدح بها
كيف يحويهــا قصوى لا و لم
و مــرامي منكـم نيل الرضى
إن قلبي لـــــكسير ذو ألم
فانظرونــــا نظرة تصلحنا
و اعتقــوا ذا الرق فالفضل لكم
قد نزلنا ساحــة الليث و من
كان جــار الليث قسط لم يضم
و حللنــــا حرما أمنا و لا
أحد يجــــني على من بالحرم
و علـــيكم من تحيات سمت
ما أضـــاء البرق أو سحت ديم
و عـــلى الأخوان طرا سيما
من أتى المسجــد أو من قد خدم
و على الأقطـــاب أشياخ لنا
ذكرهم يشفي عضــالات السقم
شيخنـــا المختار شيء كاسمه
و ابن عزوز الجنـــاب المنفخم
تارزي باشـــا من حاز العلا
أزهري فخر الـــعرب و عجم
جـــد لنا يا ربنا من فيضهم
و أصلحــن أحوالنا يا ذا الكرام
صلــــوات الله تترى للذي
قد هدانا و بــــه الأمر ختم
و علـــى آل و صحب كرموا
ما ســرى البدر و ما خط القلم
"ضــاع عرف البان" إذا أرخها
تاسع الحجـــــة يوم يغتنم
و له ايضا في مدح الأستاذ سنة قدومه للجزائر:
ســـلام يفوق نبيرات الزواهر
و يفضـل نسرا طيبات الأزاهر
أخص به القطب الوجود الذي عنى
بصـــاحبه الاعزاز أم الجزائر
قـــــدته نفوس المؤمنين فإنه
إمام الهدى النبراس مجلي الدياجر
مـــلاذ الورى إنسان عين زماننا
و هــل تبصر العينان إلا بناظر
فيــــا بهجة الدنيا و يا غاية المنى
و يـا كعبة الإسلام أنس الخواطر
نحــــن إليك الصالحون و يشتفي
بطلعتـــك الغراء داء السرائر
نصـــحت و ارشدت العباد لربهم
لأنســـك تاج العارفين الأكابر
تطــــيب بك اليام إذ أنت نورها
و كيف و أنت الغوث كنز الذخائر
فيـــا سعد من أضحى محب جنابكم
على حبــــكم لله عقد الخناصر
هنيئــــا لأرض حل فيها ركابكم
يحق لأهليهـــــا الهنا بالبشائر
فيـــا أكمل الوراث من سيد الورى
عليـــه الصلاة كالبحار الزواخر
إليــــــك اشتياقنا طويل مديده
بكــــامل وجد بالمدافع وافر
و أبــــــت بأمن ظافر و مؤيدا
فيا نجـــــل قاسم حميد المآثر
عليـــــك من الرحمان اثواب عزه
و حسن جــلال الله أقوى الستائر
بحـــــــرمة جدك الحبيب محمد
و آله و الأصحــاب أهل المفاخر
عليهــــم الصلاة الله ما هبت الصبا
و ما دام ذكرهم بأعلا المنـــابر
توفي رضي الله عنه يوم الأربعاء ثاني محرم سنة 1315 في بويرة السحاري ىيبا من حاضرة الجزائر إلى مقامه الشريف، و كنت رأيت في نومي ليلة وصوله إلى الجزائر قمرا منفسخا مطلا عليها من جهة الصحراء في سماء معتكرا بالغيوم، وفي الغد سمعت بقدومه فعلمت أن العام سنة، وقد كان مالاح لي و لا حول و لا قوة إلا بالله.
ترك رضي الله عنه بنتا صالحة توفيت بعده بسنوات، وأخا صالحا، و توفي أخوه أيضا عن أولاده أكبرهم الشيخ محمد بن الحاج محمد، أعلمهم و أتقاهم الشيخ المختار، وكلهم تلامذه الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي، وعنه أخذوا و منه استفادوا.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)