الجزائر

شيخ المحروسة لـ ''المساء'':‏نجمة وهلال في مدينة سيدي عبد الرحمان




اختار أن يتحدث عن التراث الجزائري الأصيل وتاريخ الجزائر العريق الذي يعتبره جزءا من كيانه، فرغم إقامته في لندن لسنوات طويلة، إلا أن عشق مدينة سيدي عبد الرحمان ظل يسري في عروقه... وبعد رجوعه، اختار أن يترجم ذلك التعلق والحب الكبيرين اللذين عاشا معه سنوات طويلة، بدأت منذ أيام الطفولة، حيث كانت الجدة تصطحبه لمدرسة سيدي عبد الرحمان لتعلم القرأن، وأطلق عليه اسم شيخ المحروسة الذي يعرف به في القصبة ووسط الجمهور العريض المتتبع لبرامجه على إذاعة البهجة والتلفزيون الجزائري، ''المساء'' استضافت المختص في التراث ونقلت لكم هذا الحوار.
- ''المساء'': ما سر اسم شيخ المحروسة؟
* شيخ المحروسة: هو اسم أطلق علي من طرف شيوخ زاوية سيدي عبد الرحمان، عندما كان عمري 5 سنوات، حيث كنت أتعلم هناك القرآن الكريم وتاريخ الجزائر المجيد من الشيوخ، وكنت أصغر طالب، وأطلق علي هذا الاسم، لأنني كنت آخد عصى الشيوخ وأتكئ عليها، مقلدا كبار السن في أحياء القصبة بعد خروجي من المدرسة، وكنت أعنف لفعلي هذا، لكنني في كل مرة، أكرر الفعلة حتى أطلقت علي هذه الكنية.
- القارئ يود أن يعرفك؟
* اسمي علاك كريم، شاب جزائري عاش في ديار الغربة، إلا أنني لم أنسلخ يوما من أصلي... فقد عاشت كل تفاصيل تراثنا في أعماقي .. لم يفارق الوطن خلدي، وفي كل يوم كنت أردد إذا مت، ادفنوني في أرض أجدادي وزيّنو قبري بنجمة وهلال، فأنا أعتبر أن الإنسان ماض، حاضر ومستقبل، ومن لم يتمسك بجذور ماضيه  لا مستقبل لديه، الآن أحاول أن أنقل بصدق كل ما تعلمته من الأجداد للجيل الجديد، بكل فرح وسرور.
- ما سر النجمة والهلال؟
* نعم للنجمة والهلال أثر كبير في صدري، فمنذ نعومة أظافري وأنا أشاهد هذا الرمز في كل مكان في مدينة سيدي عبد الرحمان المدينة النظيفة، وأثار اهتمامي وعمري 3 سنوات في الزاوية، وعند مداخل البيوت وفي قبة المساجد، وكنت أفرح كثيرا عندما أراه، وبقيت أقلب رمزيته في فكري، ومع مرور الوقت، عرفت أن الهلال هو الوطن والنجمة هي الأم، فالعلم الجزائري هو القبة الكبيرة وستيرة الدار، كما يقال في القصبة.
-لماذا اخترت الحديث عن التراث؟
* التراث هو أصالتنا... لهذا اخترت أن أتحدث في الحصص التلفزيونية أو الإذاعية عن القعدات الدزيرية في سلسلة بعنوان'' بابا سيدي''، وهي سلسلة أسعى من خلالها للحديث عن تاريخ الجزائر العريق عبر العصور، فالكثير من أبناء هذا الجيل يجهل الكثير من تفاصيل تاريخنا المجيد، أصالتنا.. تراثنا، طريقة عيش أجدادنا ومعاملاتهم المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف، وعراقة الجزائري الأصيل، ذوق الأجداد في اختيار الملابس والكثير من التفاصيل الهامة في الحياة اليومية، علاوة على حياة أولياء الله الصالحين، تذكيرا بما فعلوا من خير وعبادات، ولهذا فأنا مختص في التراث والحديث عن أولياء الله الصالحين.
- ماهو الهدف الذي تصبو إليه من خلال قعدات بابا سيدي؟
* بكل بساطة، إعادة ''همة المرأة والرجل الجزائريين''؛ فالرجل والمرأة خلال تاريخ الجزائر، كانا يتمتعان بذوق راق في اختيار الملابس اليومية أو المناسباتية، فالرجل الجزائري كان يرتدي أشكالا مختلفة من الشاشيات على رأسه، حسب الأوقات والمناسبات، ولكل واحدة اسم خاص؛ منها شاشية اسطنبول وشاشية كرابوش، وهما تركيتا الأصل، إلى جانب البدعية وسروال التستيفة واسمه مشتق من عملية خياطته، حيث يتم طي القماش بطريقة متناسقة تعطيه شكلا جذابا، كما كان يرتدي الرجل السروال الدزيري، وهو نسبة لبلكين بن الزيري، في حين كانت ترتدي المرأة القويط، البدرون، الباليطة، وفي قدمها البابوش، أما الكازاكا، فهي قميص مطرز الذهب تلبسه في المناسبات، وكانت تتزين بسلسلة يطلق عليها اسم سلسلة بوفرططو، وتزين أذانها بأقراط يطلق عليها اسم ''الدبلون''.
- لاحظنا أنك لم تغفل أيضا عادات ناس القصبة في حكاياتك؟
* نعم هذا ضمن المعلومات التي أود تقديمها لأبناء وطني، حيث أستعمل أسلوب الحكواتي، فعند الحديث عن يوميات ناس القصبة مثلا، أقول: ''نهض بابا سيدي، أي جدي، من سرير القبة، وهو اسم السرير الذي كان يستعمله الأجداد، نزع العباية- اللباس الذي ينام به- وارتدى سروال التستيفة، وتوجه مباشرة إلى السحين أي وسط الدار، حيث جلس أمام -المشرابية- أي فوارة أمامها ياسمينة تفوح، وراح يتوضأ للصلاة، في هذا الوقت، كانت جدتي تحضر القهوة في الجزوة، ثم وضعتها فوق التكتوكة -وهي أصغر مائدة لدى سكان القصبة، كانت توضع فوقها القهوة، ويطلق عليها اسم التكتوكة أيضا لأن صوت الجزوة حين توضع عليها يطلق صوت تك تك ... يشربها جدي، يحمل عكازه أو ''الخزرانة''، يأخد القفة، ثم يغلق الخاخة أي الباب الكبير، ثم يتجه للتجول في القصبة التي بها 1200 دويرة من الجبل إلى ''الوطا''، بداية من دار السلطان ويدخل الأبواب السبعة؛ وهي باب سيدي رمضان وهي من أقدم أبواب المدينة، باب القطار، باباعزون، السوق الكبير، باب البحر، باب الواد وباب الدزيرة.
- تحرص دوما على الظهور بزي تقليدي، لماذا؟
* أحب الملابس التقليدية الجزائرية، لأنها تعكس أصالتنا وخاصة البرنوس الذي لديه مدلولات رمزية، كما لدي بعض القطع على غرار؛ المحزمة وحذاء عمره أربعة قرون، إلى جانب وصايا الأجداد المكتوبة التي تحمل حكما وأمثالا لازلنا في حاجة ماسة إليها، منها؛ ''العدو في الليل ما تمشيلوش... حبيب القلب ما تبدلوش،'' العاشق في جهلوا ما تعلموش... والعالم ألي ما تعرفوش ما تكدبوش''، ''الي يتق فيك ما تخدعوش وكلام الحق ما تخبوش والكلام غير الموزون ما تقولوش'' ، إلى جانب حكايات كان يا مكان التي ورثتها عن أجدادي وأسعى لإفادة الغير بها.
- وماذا عن المحاضرات التي تقدمها؟
* بالفعل، في ليلة المولد النبوي الشريف، أقدم محاضرة في كل سنة، بحيث أفضل الحديث عن محمد صلى الله عليه وسلم، وأحرص على إشعال الشموع، لأن المصطفى عليه الصلاة والسلام بمثابة الشمعة التي أضاءت ظلام البشرية، فهو المعلم الأول وبفضله وصل نور الإسلام للبشرية جمعاء، ومن خلاله تعلم أولياء الله الصالحين، وحملوا المشعل وعلموا الناس أيضا، كما أحب قراءة قصائد مدح في المصطفى الكريم.
- يوم مميز في حياتك؟
* أول مرة ركبت فيها المترو، شممت عطر البلدان في وطني، وقلت في خلدي؛ ''اشْحال شابة وكريمة مدينة سيدي عبد الرحمان''، وهي مدينة السلم والأمان، فقد كان البحارة في القرن 14 و15 يفرحون حين يرون الحمام يرفرف فوق قبة القطب الرباني؛ سيدي عبد الرحمان.
- أمنية؟
* أن تلتفت السلطات المعنية لما أقدمه، وأن ألقي القليل من الدعم حتى يبقى التراث، لأن فيه سيرة الأجداد الشريفة، فبفضل الأجداد نحن هنا ننعم بالحرية والسلم والعلم، وأتمنى أن تترحم علي الناس في حياتي قبل موت



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)