الجزائر

شهيد لم يمت



شهيد لم يمت
جنود فرنسا اعتقلوه ثم أعدموه برصاصتين ثم تفجأوا به حيا بعد اعتقاله مرة ثانية

بومدين أمر بإطلاق اسم الشهيد الذي لم يمت على المجاهد بن طالب بوسماحة

بعد وشاية بأنه يموّن المجاهدين بالسلاح والمؤونة في المنطقة وقائد للعرش، داهمته فرقة من القوات الفرنسية ليلا في جنح الليل وهو في خيمته مع أولاده بمُحتشد ضيات «منطقة المعذر» شمال جنين بورزق ولاية النعامة.والذي أنشأته السلطات الفرنسية وحشدت فيه سكان البدو الرحل سعيا منها لعزل الثوار عن الشعب واقتادته إلى مركز التحقيق بمنطقة حجرات المقيل «درمل» جنوب جنين بورزق 17 كلم جنوبا، ثم اعتقلني الفرنسيون وكان عمري 17 سنة لألتحق بوالدي... هكذا يروي الابن محمد وهو أكبر أبناء المجاهد بن طالب بوسماحة، لـ«النهار» قصة اعتقاله وكيف تم إلحاقه بوالده واعتقاله معه لـ 10 أيام، قبل الحكم بالإعدام على والده وتنفيذه، ويقول «لما وصلت معتقل حجرات المقيل: «درمل» وجدت والدي بن طالب بوسماحة مكبلا من الرجلين واليدين ويعذّب بالكهرباء والمياه الباردة وكنا في فصل شتاء، حيث كان والدي عندما يتعرّض للجَلد يتطاير الدم من كل أنحاء جسمه، وكان هناك محقق فرنسي يطلب منه الاعتراف بأسماء المجاهدين والمسبّلين بالمنطقة ومصادر التموين، فلم تنل منه فرنسا شيئا»، ويضيف محمد، «بقينا 10 أيام من دون أكل أو شرب ومن شدة العذاب لم يكن أحد يشعر بالآخر أو يتحدّث إليه، لم أستطع قول ولا كلمة للوالد بسبب ما تجرّعته من تجويع وعذاب وتنكيل . ويسرد محمد، «بعد ذلك تم نقله إلى ثكنة «الصليح» بين تيوت والعين الصفراء، عليهما مرة أخرى أنواع التعذيب والتحقيق رفقة الشهيدين قريوي محمد وزياني الميلود ليُحكم عليهم بالإعدام من دون محاكمة - وأصيبا برصاصتين لكل واحد منهم - وهكذا تم نقلهم إلى منطقة مكاليس شمال العين الصفراء بـ70 كلم بمكان يُسمى «بُوجنيب»، فقامت عناصر الدرك الفرنسي وببرودة دم بتنفيذ حكم الإعدام عليهما من دون محاكمة، بتخصيص رصاصتين لكل واحد منهما، إحداهما في الرأس والثانية في الصدر، يوم 21 ديسمبر 1958، ليسقط على إثر ذلك زياني ميلود وقريوي محمد شهيدين، أما والدي بن طالب بوسماحة وبعد إصابته برصاصة في الرأس وخروجها من الجهة الأخرى وثانية في الصدر وخُروجها من الظهر سقط مغميا عليه، ويضيف المتحدّث بالقول «إن مشيئة الله جعلت والده يستفيق من غيبوبته وهو ملطخ بالدماء والألم في رأسه وصدره فتفقّد رفيقيه فوجدهما قد استُشهدا فحاول الالتحاق بجيش التحرير والمجاهدين، وهو أمر لم يكن بالهيّن، فالجسم عار والظروف الطبيعية قاسية، سار المجاهد بوسماحة بقديمين ثقيلين يُكابد جراحه وآلامه والجوع ومن فوقه طائرات الاستطلاع من حين إلى آخر مُتّجها نحو جبل عيسى، وبعد 15 يوما من المعاناة عثر عليه رُعاة بضواحي تيوت فقامت هذه الأسرة من البدو الرحل بمُداواته وعلاجه ثم بعد بحث وجدت له هذه العائلة طريقا لنقله إلى مراكز جيش التحرير بمنطقة «شماريخ» قرية عين ورقة، أين تم علاجه والتكفل به من قبل فرق جيش التحرير في هذا المركز، وبعد شفائه واصل جهاده في جيش التحرير وتنقل إلى جبل بوعمود، وجبل مغرار. ويضيف محمد، «أُطلق سراحي بعد أن تم تنفيذ حكم الإعدام في والدي، ولما خرجت من السجن سمعت أنه مات، إلا أنه وبعد قرابة شهر بدأت أسمع أحاديث الناس تقول إن والدي لم يمت وأنه استفاق بعد حكم الإعدام فلم أصدّق، خاصة وأن الوالد لم يتصل بنا ولم يظهر عليه أي خبر حتى وصلني الأمر اليقين من أحد المجاهدين بعد أكثر من 3 أشهر أنه حي يرزق». ويقول محمد، «الوالد واصل جهاده ليتم اعتقاله في عملية أخرى من القوات الفرنسية ليتفاجأ الفرنسيون بأن من قتلوه هو حي يُرزق، ليقول لهم وهم مبهوتون قولته الشهيرة «تقتلوننا اليوم ونحيا غدا لقتالكم»، فلم يصدّق الفرنسيون أنه حي، فتم نقله إلى سجن بُوردو بنواحي تيارت سابقا ورفض العودة إلى عائلته، بعدها سمح له الفرنسيون بزيارة عائلته». ويضيف محمد «تنقلت أنا والوالدة لزيارته فوجدنا معنوياته كالعادة مرتفعة وغير مكترث لسجنه، إلا أنه في هذه المرة كان يعامل معاملة لا بأس بها من الفرنسيين وسمحوا لنا بالجلوس معه والتحدث إليه، وأقسم لنا أنه لن يعود إلى البيت إلا والراية الجزائرية مرفوعة في يده وحتى وإن أطلق سراحه سيصعد من جديد إلى الجبل وظل قابعا في السجن إلى أن سطع فجر الحرية سنة 1962». هي حكاية بن طالب بوسماحة «شهيد لم يمت» مثلما فضل الرئيس هواري بومدين تسميته، كناية على رجل أسطورة اقترنت قصته بكرامات الثورة الجزائرية وأحداثها الجليلة من جهة، وباستماتة أبطالها ومقاومتها الشديدة من جهة أخرى. ويؤكد المجاهد عدناني نورالدين، وهو أول من كشف للرأي العام وللمسؤولين الجزائريين عن قصة الشهيد الذي لم يمت، أن الرئيس هواري بومدين استقبل الشهيد بن طالب بوسماحة في مقر الرئاسة بعد سماعه بحكايته في الذكرى العشرين لاندلاع الثورة التحريرية، بعد بث الحصة الخاصة به والتي استعجب منها كثيرا وأعجب بشجاعة المرحوم فراح يطلب استقباله، وحين دخل المرحوم بن طالب بوسماحة إلى مقر الرئاسة، وجد جميع الرسميين يعرفونه، ولما أراد الرئيس هواري بومدين أن يحييه، قام المرحوم بوسماحة بن طالب بتحيته تحية عسكرية وهو ما أضحك كثيرا الرئيس بومدين.كما يضيف نورالدين عدناني، أن الوزير الأسبق المجاهد الراحل السعيد آيت مسعودان، أبلغ المرحوم بوسماحة بن طالب بأن هواري بومدين أمره بأن يكون «الشهيد الذي لم يمت» أسطورة الجزائريين الذي سيكون له شرف زيارة دولة كوريا الشمالية رفقة وفد وزاري جزائري، هام وهذا حتى يعرضوا تجربتهم في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، وفعلا سافر عمي بوسماحة مع هذا الوفد الوزاري إلى كوريا الشمالية، وقد خصه الرئيس الكوري حينذاك كيم إل سونغ باستقبال كبير قبل أن يطلب منه إلقاء كلمة حتى يستمع إليه مثلما استمع إلى باقي أعضاء الوفد الوزاري الجزائري، عندئذ يقول السيد عدناني بأن بوسماحة قال للكوريين 3 وصايا أو نصائح ترجمها الوزير آيت مسعودان وفاجأتهم كثيرا وصفقوا لها مطوّلا.كما يقول عنه السيد عدناني، إنه عندما سأله الرئيس بومدين عما يحتاجه في هذه الدنيا أجاب بعزة وقناعة الجزائري الأصيل، «أريد زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فمنحه جواز سفر لأداء مناسك الحج سنة 1975. وقد توفي «الشهيد الذي لم يمت» المجاهد بن طالب بوسماحة في 7 أكتوبر 1990.








سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)