كانت الساعة تشير إلى تمام الرابعة مساء ودقيقتين عندما همّ قطار الضاحية الشرقية الذي كنت به، بمغادرة محطة بودواو في اتجاه بومرداس، وفجأة أحسسنا "بخبطة" قوية أوقفت القطار، بل وأخرجته عن سكته، ولحسن الحظ أنه استقر في مكانه ولم يستدر، وفيما تعالى الصراخ لم أدر ما حصل بالضبط، فالمسافر الذي كان أمامي هوى عليّ فجأة، لم أكن أتصور أنه حادث اصطدام، اعتقدت أن خطأ ما وقع لدى مغادرة المحطة فتوقف القطار فجأة.. فقد عشنا حوادث مشابهة من قبل، ولكن مع مسارعة البعض لكسر الأبواب والنوافذ محاولين الخروج...مشاهدتي لبعض المسافرين مصابين بجروح بلغية وهم ينزفون دما، وآخرين على الأرض مغمى عليهم.. والمقاعد التي كانت ملقية على الأرض والزجاج المتطاير.. ومشاهدتي للقطار السريع وقد التصق بقطار الضاحية، مما جعل العربة الأخيرة لهذا الأخير تصعد فوقه، أدركت لحظتها أن الأمر يتعلق بحادث اصطدام مروع ألحق ضررا كبيرا بالقطارين على السواء.... أنا أمام حادث قطار حقيقي وليس ما كنت اسمعه أو أحرره في مقالات لحوادث مشابهة طيلة سنوات، أخذت التقط بعض الصور ويداي ترتعشان ورجلاي لا تكادان تحملاني، وبعدما تأكدت من أنني فعلا أعايش لحظة حادث مروع، اتصلت مباشرة بمدير التحرير الأستاذ أحمد مرابط وأنا أصيح: "لقد صدمنا القطار السريع، إنه حادث كبير لا تلومني إذا لم أكتب الخبر.. لا تلمني" وأقفلت الخط ولا أدري حتى إن فهم كلامي أم لا، بعدها اتصلت بوالدي لأخبره بأنني بخير، وكان هو الآخر لا يفهم ما أقول، لأنه لم يسمع بعد بالحادث.دقائق معدودات وكانت صافرات سيارات إسعاف الحماية المدنية تدوي بالمكان، لتختلط بصراخ الضحايا من جهة والمواطنين الذين سارعوا إلى المكان للمساهمة في عمليات الإنقاذ والإجلاء من جهة أخرى.. وبعد أن ساعدني أحدهم على الخروج من العربة لم أفهم ماذا كنت أشاهد: هل كان فيلما أم حقيقة.. الزجاج متطاير وبقع الدم على الأبواب وعلى أرضية المحطة.بعض الجرحى ممن كانوا في حالات حرجة ألقوا أرضا والدماء تتسرب من عليهم، والله للحظة خيل لي أنه تم قصفنا من الجو، رأيت سريع سطيف وقد اصطدم بقطار الضاحية، لكنني لم أصدق الأمر بعد بأنه كان يتعلق بحادث اصطدام قطارين، سألت ذلك الشخص الذي ساعدني على الخروج: "واش كاين، واش صرا؟" فأجابني؛ "أختي انظري جيدا.. افتحي عينيك، قطار صدم قطارا آخر"، ثم راح يصر يسألني؛ "هل أنت واعية، هل أنت بخير؟ أطلب الحماية المدنية لإسعافك؟.. أجبته بأنني بخير وأمسكت جوالي ورحت ألتقط صورا عن الحادث وأنا مذهولة تماما.بعد لحظات، لا أدري إن كانت قصيرة أم طويلة، وصلت عناصر الدرك الوطني التي بفضلها استتب بعض النظام، فالفضوليون كانوا كثر وقد أعاقوا عمل العناصر المتخصصة حتى وإن كان يخيل لهم أنهم يساعدون..محطة بودواو التي في العادة تشهد حركة سير ضئيلة كون المحطة تقع خارج المدينة، كانت حينها مسرحا لاكتظاظ كبير بفعل تدفق عشرات المواطنين من كل النواحي، سواء للاطمئنان على ذويهم من مستعملي القطار، أو ممن أرادوا المساعدة أو حتى من طرف الفضوليين، وكلمة تقال بأن الجوالات بكاميراتها كانت حاضرة بقوة.. فالكثيرون أرادوا تحقيق السبق الفيسبوكي، كانوا يصورون ويرددون: "نبارتاجيها" في الفايسبوك" أي أشاركها عبر موقع التواصل الاجتماعي. أما جوالي أنا فلم يتوقف عن الرنين.. الكل يسأل عن حالي وزميلتي نوال حمليل تتصل وتحاول تهدئتي: "حنان صفي لي ما ترين حتى أتمكن من تحرير خبر"..بعد حوالي ساعة ونصف الساعة تمكنت من الوصول إلى المنزل وقواي خائرة تماما من هول الصدمة.. ورغم أن مدير التحرير طلب مني الركون إلى الراحة، إلا أنني حاولت كتابة خبر عن الحادث: ستة أسطر.. ستة أسطر أعدت كتابتها أكثر من سبع مرات، وفي الأخير لم أبعثها ل"إيمايل" الجريدة بل بعثتها ل"إيمايلي" الخاص... إنها .. الصدمة.صباح الأمس عدت إلى مكان الحادث لواجب يميله علي العمل الصحفي، أول ما فعلت توجهت مباشرة إلى المقعد الذي كنت أجلس به، وأيقنت ساعتها أن الله أطال في عمري، كيف أعبر عما رأيت؟ مقعد في عربة مقسومة شطرين والحمد لله على كل حال. 21 سنة وأنا أستعمل القطار، منها 17 سنة أستعمله بصفة يومية للالتحاق بعملي في العاصمة.. كتبت كثيرا عن حوادث القطارات ولم أكن أتوقع أنني سأعايشها يوما ما.. أعتقد أنني سأتذكرها طويلا ما دمت أسارع إلى عملي عبر القطار يوميا ولسان حالي يقول: "يلطف بنا ربي"..
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/09/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حنان س
المصدر : www.el-massa.com