الجزائر

شهادة المجند الفرنسي «ريمي سيرس»



في شهر فيفري 1958 كنت في العشرين من عمري عندما اكتشفت فضاعة الحرب والفقر، فالأطفال كانوا وقتها يمشون وسط الثلج وهم حفاة، ويجرون وراء شاحنة القمامة للبحث عن قطعة خبز أو بقايا طعام يسد الرمق.
وقد توالت حينها العمليات العسكرية والاشتباكات، وعمليات قطع الطريق من حين إلى آخر.
وفي القرى والمداشر المحروقة كان نزوح الجزائريين بالآلاف مما جعلها خالية من سكانها.
وما أثر فيّ، وبعمق أثناء هذه الحرب الشرسة، وأثر أيضا في العديد من الجنود الذين كانوا معي، فالتزمنا حينها الصمت، هو التجاوزات اللاإنسانية كقتل المساجين بدون محاكمة، واغتصاب النساء والتعذيب بمختلف أشكاله، حيث لم يكن هناك مبرر لمثل هذه الأساليب الوحشية.
وعند عودتي حاولت أن أنسى كل هذه الصور الفظيعة، إلى غاية اليوم الذي وقف ابني أمام العدالة بعد أن رفض الالتحاق بالخدمة العسكرية، فطلبني للإدلاء بشهادتي عن تفاهة الحرب وأن الخدمة الوطنية ليست، إلا طريقا للتحضير لمثل هذه الحروب.
لقد تم إطلاق سراح ابني، غير أن النيابة العامة طعنت في الحكم، فكان أن توبع من جديد، وأجبر على الاختفاء لمدة عشر سنوات قصد الإفلات من العقوبة.
واليوم، وأنا في ال 65 من عمري، كانت لدي جميع الأسباب لتقاضي منحة مقاتل متقاعد، وهذا بجانب منحتي الضعيفة كفلاح، لكن هذه المنحة بالنسبة لي كانت ممزوجة بكل الدماء التي سالت على أرض الجزائر. ومحملة أيضا بكل العذاب الذي سلط على الشعب الجزائري.
أنا لا أريد اليوم هذه المنحة أو الأموال، لكن أريدها أن توجه إلى الأشخاص الذين شاركنا في تعذيبهم.
لقد سبق لي وأن تحدثت إلى لجنة المناهضين بمنطقة «الطارن الفرنسية»، وأن هذه اللجنة ساعدتني وشجعتني في مهمتي، والآن نحن نبحث عن مجندين آخرين لكشف هذه الممارسات، وممن استجاب إلى ندائي أذكر «جورج ترايلهو» «آرمون فرنيت» و«ميشيل دلسو».
ومنذ ذلك الوقت وبعد الاستجابة لهذا النداء كانت المحاضرات والتجمعات واللقاءات المتكررة، وفي أحد الأيام هتف لي «دانييل مرميت» وطلب مني لقاءً في مزرعتي حيث سجل رفقتنا حصة «هناك وسأبقى» بحضور «فريق الأربعة» وأعضاء جمعية المناهضين للحرب، وفي هذا اليوم بدأت جمعيتنا تتطور بشكل ملفت للنظر.
أريد هنا أن أشكر زملائي في هذه الجمعية، فبدونهم لم يكن لجمعيتنا أن ترى النور اليوم، ولتجسيد الفكرة التي كانت في بداية الطريق.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)